صدى الإعلام _ الكاتب: باسم برهوم – في قطاع غزة لا يبحث العامل الفلسطيني عن فرص عمل بل يبحث عن فرصة نجاة، عمله الوحيد هو محاولة إنقاذ نفسه وإنقاذ افراد عائلته من حرب الإبادة الإسرائيلية، متنقلا بهم من منطقة الى أخرى مع قليل من الامل، وحتى لو نجح في النجاة وحماية نفسه وحماية عائلته من القصف من الجو والبحر والبر، فهو بالكاد ينجح في ان يوفر الطعام والماء، فهو بين نار الموت بالقصف او الموت من الجوع والعطش. اما العامل في الضفة، الذي اغلقت سوق العمل الإسرائيلي في وجهه. فهو وعلى نطاق الضفة معرض لخطر الوقوع في كمائن المستوطنين وارهابهم، بمعنى ان خروجه للعمل مغامرة كبرى قد تأخذه للموت، وعدم خروجه يعني غياب الدخل وتعريض نفسه واسرته للعوز والجوع البطيء. فالكدح في فلسطين ممزوج بالدم، فهو مغامرة محفوفة بالمخاطر دائما.
واقع عمال فلسطين لا يشبهه اي واقع آخر في العالم، فالى جانب المعاناة المشتركة مع باقي عمال العالم من زاوية ساعات العمل والاجور والجهد والعرق، فإن العامل الفلسطيني من جهة امامه مهمة وطنية، فهو كما باقي شعبه يقاوم الإحتلال الإسرائيلي ويناضل من اجل حرية شعبه واستقلاله، ومن جهة اخرى هو يناضل من اجل تحسين شروط عمله، من حيث الأجور والحقوق الاخرى، بالاضافة الى حقه في بيئة عمل مناسبة صحيا، بمعنى ان للعامل الفلسطيني كفاحا مزدوجا وطنيا واجتماعيا.
تحد اخر يواجه العمال الفلسطينيين في سوق العمل الإسرائيلي، والذي من حيث الشكل يقدم له اجرا اعلى لكن لا ضمانات ولا حقوق له، خصوصا اذا علمنا ان قسما كبيرا من العمال لا وجود قانونيا لهم في سوق العمل الإسرائيلية، وبالتالي يتم استغلاله بشكل بشع في قطاعي البناء والزراعة. وفي السوق المحلية هناك مشكلة فرص العمل المحدودة والاجور الاقل، لكن في سوقه المحلية يحظى العامل الفلسطيني بالاحترام والتقدير ويحتفظ بكرامته وبالضمانات التي ينص عليها قانون العمل.
ومن بين العمال من هو أسير ومن ضحى بروحه وانضم الى كوكبة الشهداء. وللعامل دور فاعل في الكفاح السياسي ضمن فصائل العمل الوطني والنضال النقابي. وفي كل مواقع المقاومة الشعبية يقف العمال في مقدمة الصفوف في مواجهة الاحتلال. كما يمكن لمس دور العمال في عملية البناء، بناء مؤسسات دولة فلسطين، في بناء المستشفيات والمدارس والجامعات وفي البنى التحتية، وفي الحقول والمزارع. دور العامل الفلسطيني في عملية التنمية هو دور رئيسي وتكاد لا تكون هناك تنمية بدون العامل.
وبقدر ما على العامل من مسؤولية في تطوير وعيه وإدراكه لحقوقه الاساسية، فان على القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني تقع مسؤولية خاصة في الدفاع عن حقوق العمال والوقوف الى جانبهم في تحركاتهم العادلة من اجل تحسين شروط عملهم. ومن واجب الحكومة ان تكون دائما في صف العمل والعمل وانصافهم، والامر ذاته بالنسبة لأصحاب العمل في القطاع الخاص، وان يشعر الجميع بان العامل الفلسطيني ليس مادة للاستغلال فهو مواطن معاناته مركبة لها علاقة بالاحتلال وفي فرص العمل والبطالة وغيرها من المشاكل والعقبات الني تقف في طريق تحسين العامل لمستوى حياته.
ولكن يبقى خلاص العامل الفلسطيني من خلاص شعبه. فهو في غزة بحاجة ان تتوقف الحرب فورا، وان يعود الامن والاستقرار وخلاصه من الانقسام وما يتركه من اثر سلبي على فرص العمل. ان الخلاص الحقيقي يأتي مع انتهاء الاحتلال ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله وحقه بالعودة، سيكون عمال فلسطين من اكثر المستفيدين من الخلاص من الاحتلال ومن وجود دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية، فبعد الاستقلال سيكون للعامل الفلسطيني مهمة واحدة هي المحافظة على مكاسبه وتحقيق ظروف افضل للعمل، ولكن وحتى ذلك الحين هناك حاجة وطنية للتضامن مع عمالنا في قطاع غزة وبذل كل الجهود من اجل وقف الحرب فهذا الوقف قد يكون بداية للخلاص اذا ما نجح الشعب الفلسطيني في الخلاص من الانقسام.