السيسي يفوّض بعض صلاحياته إلى رئيس الحكومة: إصلاح سياسي أم تخفيف أعباء

23 يوليو 2024Last Update :
السيسي يفوّض بعض صلاحياته إلى رئيس الحكومة: إصلاح سياسي أم تخفيف أعباء

صدى الإعلام _ منح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعض صلاحياته التنفيذية لرئيس الحكومة مصطفى مدبولي، في خطوة أثارت التساؤل عن مغزاها عقب تشكيل حكومة جديدة وإدخال تعديلات على بنية الهيكل الإداري لمؤسسة الرئاسة، وهو ما قد يعبّر عن توجه نحو إحداث إصلاح سياسي وإداري طال انتظاره.

وقالت الجريدة الرسمية إن الرئيس السيسي قام بتفويض رئيس الحكومة في مباشرة بعض اختصاصاته المنصوص عليها في القوانين واللوائح، تضمنت قرارات تتعلق بالتصرف بالمجان في أملاك الدولة، وحماية الآثار، ونزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، ومنح المعاشات والمكافآت الاستثنائية، وتقديم الإعانات أو القروض أو التعويض عن الخسائر نتيجة للأعمال الحربية، وقرارات التعيين الصادرة في الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية برئاسة مجلس الوزراء وبعض الوظائف العليا في رئاسة الجمهورية ووزارة الإنتاج الحربي.

وتزامنت القرارات مع عزم مجلس أمناء الحوار الوطني الثلاثاء مناقشة تعديلات قانون الحبس الاحتياطي استجابة للمعارضة التي تطالب بشكل مستمر بإحداث تطور في هذا الملف يتيح الإفراج عن المزيد من المحبوسين احتياطيّا قبل صدور أحكام بحقهم، ما يشي بأن خطوات الإصلاح السياسي ستكون حاضرة تزامنًا مع الإجراءات الإدارية.

وأعلنت نيابة أمن الدولة العليا الاثنين إخلاء سبيل 79 من المحبوسين على ذمة قضايا، غالبيتها لها علاقة بالرأي والحريات، ما يعزز توقعات إيجابية في هذا الملف.

وكشفت قرارات التفويض عن حجم المسائل الإجرائية والتنفيذية التي تدخل في تخصصات رئيس الدولة، والتي يستهدف التخلي عنها أو منحها لرئيس الحكومة الذي كُلف أيضا بمهام وزير الإصلاح الإداري، حيث حوت إعادة تشكيل عدد من مجالس إدارات الهيئات الحكومية ومراكز البحوث والأكاديميات والمجالس العليا والاتحادات وتعيين رؤسائها وأعضائها وشاغلي الوظائف العليا بها وبالوحدات التابعة لها، ما يشي بضرورة ذهاب هذه الاختصاصات إلى جهات تنخرط في تفاصيل عملها دون الحاجة إلى تدخل رئيس الدولة.

وتكمن أهمية قرارات التفويض في أنها تعبر عن حراك من المتوقع أن يستمر بشأن تطوير عمل مؤسسات الدولة خلال الفترة الرئاسية الثالثة للسيسي التي من المزمع أن تنتهي عام 2030، وهو ما يترتب عليه الشروع في مرحلة جديدة تسهّل عملية الانتقال الديمقراطي لتفويت الفرصة على ما يمكن أن يدخل البلاد في دوامة من الفوضى أو الأزمات الداخلية.

وجرى الربط بين القرارات -التي هي في جوهرها مساع لإحداث إصلاح إداري- وبين خطوات تسعى من خلالها الحكومة إلى كسب ثقة المواطنين، وثمة اقتناع بأن حجم التحديات الإقليمية المحيطة بالدولة تتطلب التعامل معها بحنكة سياسية، لأن اهتمامات الرأي العام في الداخل تتجه نحو الرغبة في تحسين الأوضاع المعيشية دون أن ينصب التركيز على الممارسة السياسية التي تغيب عن أولويات غالبية المصريين.

منْحُ رئيس الحكومة -وهو شخصية مدنية- صلاحيات عديدةً بعض الأفكار التي روج لها تنظيم الإخوان الذي حاول اللعب على وتر ما يسمى بـ”عسكرة” مؤسسات الدولة بعد التعديل الوزاري الأخير. وتظل آمال المصريين معلقة على رئيس الحكومة راجين نجاحه في القيام بما أوكل إليه من اختصاصات جديدة.

وأكد عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي المصري (مشكلة من رئيس الحكومة) صلاح الدين فوزي أن قرارات الرئيس السيسي قالت “تفويض”، بمعنى أن الصلاحيات التي منحها لرئيس الحكومة “جزئية” وليست كل الصلاحيات، و”مؤقتة” وليست دائمة، وقد تستمر فترة محددة، غير أن دلالاتها تشير إلى أن الرئيس يسعى لتبسيط الإجراءات الإدارية والإسراع في تنفيذها والاقتصاد في نفقات تمريرها.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن هذه القرارات تفتح الباب أمام اتخاذ إجراءات مماثلة على مستوى الوزراء والمحافظين بشأن نقل بعض صلاحياتهم إلى نوابهم أو إلى وكلاء الوزارات ورؤساء المدن والأحياء.

ومنح السيسي رئيسَ الحكومة صلاحياته المتعلقة بقانون إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، فيما عدا تعيين شيخ الأزهر، ومنح العالمية الفخرية لجامعة الأزهر أو إحدى كلياتها، وهي مسألة تتخذ بعدا جدليّا في مصر وتثير بشكل مستمر الحديث عن علاقة الأزهر بمؤسسة الرئاسة.

وقال الكاتب والمحلل السياسي عبدالله السناوي إن “المعلومات تغيب بشكل كبير حول أبعاد قرارات الرئيس، وهناك حاجة إلى التعرف على أسباب التفويض الذي يبدو مفاجئا. ومن حيث النظرة العامة تشي القرارات بأن هناك رغبة في أن يركز الرئيس على الملفات الإستراتيجية والسياسة العليا للدولة، والتخفف من الأمور التنفيذية والإدارية لصالح رئيس الحكومة، وهو ما يشير إلى وجود عارض دفع نحو اتخاذ القرار”.

وأضاف لـ”العرب” أن منْح رئيسِ الحكومة مثل هذه الصلاحيات الواسعة قد يكون مقدمة لتصعيد في أدواره، “ولن يكون من المستبعد في تلك الحالة أن يصبح رئيسًا للجمهورية عقب نهاية الفترة الرئاسية الحالية، وتبقى هذه الفترة انتقالية إلى حين استبداله برئيس حكومة آخر وتصعيده بما يزيد من طمأنة الرأي العام”.

ولفت إلى أن ربط القرارات بالإصلاح الإداري أمر يصعب حسمه، لأن الدولة أمام حدث غير معتاد في رئاسات الجمهوريات السابقة، خاصة في فترة رئاسة السيسي؛ إذ تضمنت القرارات تولي مسؤولية انتدابات القضاة، وتطال كافة مناحي الحياة، ولا يمكن وصف الصلاحيات بأنها عادية، خاصة أنها دائما تمر على جهات رسمية عديدة في الدولة.

ويمكن الربط بين إجراءات التفويض وبين التعديلات التي أدخلها الرئيس المصري على منظومة العمل داخل مؤسسة الرئاسة مع تعيين وزير الدفاع السابق الفريق محمد زكي مساعدا لرئيس الجمهورية، وتعيين وزير العدل السابق عمر مروان مديرا لمكتب رئيس الجمهورية.

وربما تكون هذه القرارات بديلا لما جرى طرحه بشأن إمكانية تعيين نائب أو أكثر لرئيس الدولة، وهي تكهنات انتشرت عقب فوز السيسي بفترة رئاسية ثالثة وأخيرة.

Breaking News