شكرا ريما خلف

19 مارس 2017آخر تحديث :
شكرا ريما خلف

بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة  

فجرت الدكتورة ريما خلف، الأمين العام للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) قنبلة من العيار الثقيل في وجه إسرائيل وأميركا والأمين العام للأمم المتحدة، عندما رفضت الإذعان لطلب غوتيريس بسحب التقرير الأممي، الذي أعدته اللجنة. وأكدت فيه على ان دولة إسرائيل تنتهج سياسة التمييز العنصري (الأبرتهايد) ضد ابناء الشعب الفلسطيني، وعمقت اللجنة رؤيتها بمطالبة المجتمع الدولي بفرض عقوبات شتى على دولة التطهير العرقي الإسرائيلية.

وفي رفضها لخيار الإذعان، الذي ارتضاه الأمين العام للأمم المتحدة لنفسه أكثر من مرة، قالت الدكتورة خلف في رسالة استقالتها من المنظمة، “استقلت لأنني أرى من واجبي الا أكتم شهادة حق عن جريمة ماثلة” ليس هذا فحسب، بل انها أضافت بشجاعة فائقة “وأصر على كل استنتاجات التقرير، وأجد نفسي غير قابلة للضغوط، التي مورست علي خلال الفترة الأخيرة”. وعمقت تحديها لقرار غوتيريس بالقول “إن التقرير صدر ولم يعد بالإمكان سحبه، وما جرى، هو طلب سحبه فقط من الموقع الإلكتروني للأسكوا”.

وفي المؤتمر الصحفي، الذي عقدته يوم الجمعة لإعلان رفضها لإذعان الأمين العام للأمم المتحدة لإرادة اميركا وإسرائيل ومن يتساوق معهما، أكدت بعزيمة لا تلين، أن قرارها لم يكن بصفتها “مسؤولة أممية، وإنما (قالت) بصفتي إنسانا سويا، أؤمن بالقيم الإنسانية السامية، والتي أُسست عليها منظمة الأمم المتحدة، وأؤمن أن التمييز ضد اي إنسان على اساس الدين أو اللون أو العرق أمر غير مقبول، ولا يمكن أن يكون مقبولا بفعل سلطان القوة، وأن قول الحق في وجه جائر ليس حقا فحسب، وإنما واجب”.

شجاعة ونبل ريما خلف في زمن التشظي والتمزق وغياب الفعل العربي الرسمي والشعبي، يشكل انعطافة مهمة في مسار الكفاح على المستويات كلها. ولعل مضامين التقرير الأممي عكست خطابا جديدا، خطابا غير مألوف في المنظمة الأممية في تشخيص طبيعة الدولة الاسرائيلية المارقة والخارجة على القانون. والأهم هو التحدي غير المسبوق من قبل السيدة خلف لسياسة الخنوع والاستسلام، التي تناغم معها الأمين العام غوتيريس البرتغالي الأصل، الذي على ما يبدو انه رهن نفسه ومكانة الأمين العام بيد الولايات المتحدة، التي دعمت ترشيحه لتولي مهامه في خلافة بان كي مون. وهذا ما عكسه عندما أصدر موقفا متناقضا مع قرارات اليونيسكو بشأن القدس وحائط البراق والمسجد الأقصى، وايضا في رفضه لتقريرين سابقين خلال الشهرين المنصرمين لذات اللجنة، كما اشارت خلف في رسالة استقالتها. وباستقالتها، ورغم بقاء اسبوعين على رئاستها للمنظمة، إلا انها أكدت بما لا يدع مجالا للشك، انها سيدة مقدامة ومتصالحة مع ذاتها، ومؤمنة بما فعلت، ودافعت عن الحق، ليس لأنها إبنة فلسطين، ولا لكونها حاملة للجنسية الأردنية العربية، بل كما قالت، لكونها إنسانا سويا مؤمن بقيم الإنسانية ومبادئ ومواثيق وأعراف الأمم المتحدة.

شكرا للدكتورة ريما خلف على الشجاعة النادرة، التي عكستها باستقالتها، وبتمسكها بتقرير اللجنة، ورفضها سحبه، ورفضها التساوق مع سياسة الإذعان، التي مثلها الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أكد أكثر من مرة، رغم انه لم يمض على توليه مهامه سوى سبعين يوما، على انه أسير المنطق والسقف السياسي الأميركي والإسرائيلي، اللذين يتناقضان مع روح العدالة العالمية ومواثيق الأمم المتحدة. وشكرا لها لأن صوتها وقرارها جاءا في لحظة حرجة من تاريخ الأمة العربية، وفي ظل تغول إسرائيلي غير مسبوق. وتستحق ليس فقط الثناء والتقدير على موقفها، إنما تستحق أرفع الأوسمة، كما اعلن الرئيس ابو مازن لها عندما هاتفها، بمنحها أعلى وسام فلسطيني، وعلى الكل العربي تكريمها كما يليق بفرسان العروبة الشجعان. سلمت رايتها الإبنة البارة لفلسطين والأردن والعروبة والإنسانية.

الاخبار العاجلة