تونس – فلسطين.. قيم الاستقلال والحرية

21 مارس 2017آخر تحديث :
غزة

بقلم: موفق مطر – الحياة

 يحق لنا نحن الفلسطينيين الاحتفال مع الشعب التونسي الشقيق بانجاز استقلاله، وارتقائه المميز بالمفاهيم الوطنية، فتونس الجمهورية بشعبها العربي، الحضاري، السلمي، دولة ابي القاسم الشابي، قد استجاب لها القدر، يوم اراد الشعب الحياة.

نفرح بأعياد الشعوب العربية المنتصرة بتجربتها الكفاحية، المدنية، الاقتصادية والديمقراطية، وفرحنا هذا درس عميق نتفاعل بخلاصاته وعبره، فيقربنا من هدفنا الوطني، ذلك ان تجارب امتنا في بناء دول ومجتمعات متماسكة البنية، موحدة الرؤية والاهداف، ترفع منسوب الوعي الوطني والقومي والانساني المطلوب كشرط لاثبات الوجود والجدارة في الصراع، مع مشروع متعدد الرؤوس، وقاعدة استعمارية، تعمل على تفكيك مقومات الهوية العربية وثقافتها الانسانية، ومناهجها العصرية الناجحة عمليا على طريق تحقيق العدالة والحرية وتطبيق النظام والقانون، واحترام الحقوق.

في تونس رجال ونساء وطنيون، قادرون على قيادة سفينة الدولة الحديثة، ذلك ان الوعي الوطني والتقدمي المتأصل في الغالبية العظمى من الشعب التونسي، كفيل بتأمين الطاقة للوصول الدولة التي ارسى دعائمها الزعيم الحبيب بورقيبة، ومناضلون تونسيون وتونسيات من مختلف شرائح الشعب التونسي بتوجهاتهم ومشاربهم السياسية والفكرية.

جسد الشعب التونسي الانتماء الوطني، ونظم معيارا واحدا لا ثاني له لقياسه وهو الانتماء لتونس الأرض والشعب والجمهورية التي تعني الاستقلال بكل النواحي، تعني الصياغة الحديثة للفكر السياسي، وتقديم الأمثلة في الواقعية السياسية، لتقرب المسافة بينها وبين الشعوب المتقدمة.

برهن الاشقاء التونسيون انهم رواد العقلانية السياسية، واثبتوا قدرتهم على صون السلم الأهلي عندما لجأوا الى صناديق الاقتراع، بعد محاولة البعض التخندق في مواقع الاشتباك السياسي مع صناديق الرصاص، فالتونسيون لم يرفعوا السلاح الا في وجه المستعمرين، وقاوموا حتى الرمق الأخير محاولات البعض زجهم في معترك الاقتتال الداخلي، فضربوا مثلا يحتذى في قضية رفع مصالح بلادهم فوق المصالح الفئوية الحزبية.

صانوا وطنهم بعقلانية وواقعية، سياسة ورثوها عن منهج زعيم الدولة الحديثة في تونس الحبيب بورقيبة – رحمه الله-.

وبإمكان المتتبع لمسار العمل الوطني في تونس تلمس المشاركة الفاعلة للشارع التونسي بصياغة مستقبل وطنه، صحيح ان النخب السياسية تتقدم المشهد لكن تونس الوطن حاضرة في وجدان الجماهير، ملازمة لحياة الناس كعقيدة، وفي المحطات المصيرية يقول الشعب كلمته، فيفصل ويقضي الجدالات السياسية لمصلحته دائما.

أحزاب وطنية تقدمية تحررية تونسية عملت على حفظ توازن تونس وحمتها من التعصب، وضمنت استقلال البلاد ووحدتها الوطنية والاجتماعية والسياسية، وعالجت اسباب اي تفكك قد يعتري وحدة البلاد، وقضت على فيروس العصبية والتعصب بالحوار، واحلال مبادىء الديمقراطية التحررية التقدمية، فمنعت بذلك اغتصاب انجازات الشعب التونسي منذ الاستقلال في 20 آذار/ مارس 1956 وصانت آماله وطموحاته المستقبلية.

توج الحبيب بورقيبة حركة المقاومة المسلحة في الأعوام 1952 و 1954 بمفاوضات، طالب خلالها الدولة المستعمرة فرنسا بمراجعة الاتفاقيات في اتجاه الاستقلال التام فأسفرت مفاوضاته عن بروتوكول الاستقلال في 20 آذار 1956.

أما اليوم فإن القيادات الوطنية التي نرى البورقيبية في منهجها السياسي فإنها تحظى باحترام شعبي، ومكانة مرموقة في ميدان السياسة، ولها ثقل ووزن وتأثير في رسم خارطة تونس الحاضر والمستقبل، وما السياسة الناضجة الحكيمة للرئيس الباجي قائد السبسي، الا دليل على قدرة هذا المنهج العقلاني الواقعي في قيادة البلاد الى شاطىء الأمان.

اخوتنا في تونس لا يساندون ولا يدعمون القضية الفلسطينية ولا يناصرونها وحسب، وانما يعتبرونها قضيتهم المركزية، ونعتقد جازمين ان القيادتين في تونس وفلسطين قد بلغتا ما يمكنهما ان يكونا نموذجا لمدرسة العقلانية السياسية التي تتبنى القضية الفلسطينية كأم القضايا، فتغيير قوانين الصراع مع المشروع الاحتلالي الاستيطاني احوج ما يكون الى عمق عربي استراتيجي يحترم القرار الفلسطيني المستقل كما كانت تونس على الدوام.

ان نجاح تونس بتقديم تجرية ديمقراطية انتصار آخر في معركتنا الحضارية بمواجهة مشروع دولة الاحتلال الاستيطاني، نجاح يعزز مكانة القضية الفلسطينية في الوعي الفردي والجمعي لشعوب العالم، فنحن متعصبون لنجاح التجارب الديمقراطية في الاقطار العربية، ذلك انها تعطي النظم السياسية مصداقية عالية، وتبعث فينا الاطمئنان ان عمقنا الاستراتيجي آمن.

نفرح لاستقلال تونس، وبانتصار فكرة الوطن على مفاهيم الفئوية العصبوية، ونفرح كلما قدمت نموذجا عربيا في تطبيق الديمقراطية، وكلما رسخت الاستقرار في نظامها السياسي، ونشرت ثقافة احترام الآخر، ورفعت مبدأ الانتماء للوطن. ونفرح للأشقاء التونسيين وهم يتحررون يوما بعد يوم من ظاهرة القبلية السياسية، والمال السياسي.

سمعنا من الرئيس الباجي قائد السبسي تعبيرا عن مكانة فلسطين، والقضية الفلسطينية في وعي الشعب التونسي، وصدارتها لترتيب الأولويات للتونسيين فأوحى لنا كلامه أن معركتنا في ميدان القانون الدولي، ستفضي الى استقلال ودولة كما افضت معركة تونس السياسية بعد المقاومة المسلحة الى الاستقلال في 20 آذار من العام 1956، فقيادتنا برئاسة الرئيس محمود عباس وقيادات تونس تملكان خبرة الخوض في هكذا ميادين، خاصة وأن معركة استقلال تونس شهدت توازيا بين خطي الكفاح في ميدان القانون الدولي والمقاومة الشعبية ونحن في فلسطين نكرر التجربة، رغم اقرارنا باختلافات بالظروف والوقائع.

نفرح لتونس بعيد استقلالها.. واتمنى ان يكتب لي القدر عمرا لأرى فرحة التوانسة باستقلال فلسطين، فأنا على يقين انها لن تقل عن فرحهم باستقلال وطنهم الأخضر.

الاخبار العاجلة