بقلم: برهوم جرايسي-الغد الأردنية
أعلنت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام، عن منحها ما يسمى “جائزة إسرائيل”، إلى المدعو دافيد باري، مدير عام عصابة “إلعاد” الاستيطانية الارهابية، المتخصصة بالاستيلاء على عقارات فلسطينية في القدس المحتلة؛ ولكن الأخطر من هذا، أنها الذراع التنفيذي الأكبر لمشاريع الحفريات المُدمّرة تحت الحرم القدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك. وهذا القرار يؤكد أن حكومة الاحتلال لم تعد تشعر بأي حرج في كشف العلاقة الوثيقة بين عصابات الارهاب الاستيطانية المنفلتة، والعصابة المسيطرة على الحكم الإسرائيلي.
وتُعد “جائزة إسرائيل” الجائزة “الأرفع”، وهي توزع على مواضيع مختلفة، في اليوم الذي تحيي فيه إسرائيل ذكرى قيامها، ذكرى النكبة. وقد مُنحت الجائزة للمدعو باري، على “مشروع حياته”. في حين أن مشروع حياته، في العصابة التي يقودها “إلعاد”، قائم على النهب والسلب، والاستيلاء على عقارات وبيوت الفلسطينيين، وبشكل خاص في حي سلوان، المجاور للمسجد الاقصى المبارك.
وتعمل هذه العصابة، بدعم من حكومة الاحتلال، على اقتلاع عشرات العائلات من بيوتها في “حي البستان” داخل سلوان، بزعم أن الملك داود (النبي) كان يتنزّه في الحديقة، في هذه البقعة بالذات قبل ثلاثة آلاف سنة. وهذه بدعة ودجل، يتم تغليفه دينيا، بالذات من التيار الديني الصهيوني لغرض السلب والنهب. في حين أن الغالبية الساحقة من التيار الديني المتزمت “الحريديم”، يرفضون هذه البدعة، ومعهم عدد من علماء الآثار الإسرائيليين.
ولكن ما هو أخطر من هذه البدعة، أن هذه “الحديقة” المزعومة، فيها أحد مداخل النفق الأكبر الذي حفرته عصابة “إلعاد”، ويتوغل تحت الحرم القدسي الشريف وأسواره، بكلفة عشرات ملايين الدولارات، دفعتها حكومات الاحتلال لعصابة إلعاد” على مدى السنين. كذلك ارتبط اسم هذه العصابة الارهابية، بصفقات مزوّرة للاستيلاء على البيوت العربية، ليستوطن ارهابيون في قلب الأحياء الفلسطينية، لينغصوا حياة الأهالي الفلسطينيين، ويكونوا عرضة للاعتداءات منهم ومن جنود الاحتلال.
إن الرسالة الأولى، التي تبثها حكومة الاحتلال من قرارها هذا، هي أن دافيد باري هو الوجه الحقيقي للجريمة الصهيونية الدائرة في فلسطين منذ 150 عاما. وهو الوجه الحقيقي لبنيامين نتنياهو وحكومته، والغالبية الساحقة من المعارضة الإسرائيلية. هذه الحكومة التي تسن قانونا لسلب الأراضي بملكية خاصة، في الضفة المحتلة، بينما مُدرج على جدول أعمال الكنيست قانون مواز، لتحقيق ذات الهدف على أراضي المهجّرين الفلسطينيين من مناطق 1948، التي استولى عليها الصهاينة واقاموا عليها مستوطنات، إلا أن هذا القانون مغلّف بصياغات تورية، ولكن حقيقته واضحة.
ومن المثير جدا، أن قرار حكومة الاحتلال بتكريم الارهاب الاستيطاني، صدر بالتزامن مع طلب السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لشطب تقرير الدكتورة ريما خلف، المديرة العامة المستقيلة لمنظمة الأسكوا، لكونه يؤكد على حقيقة العنصرية الإسرائيلية. وبموازاة تهديدات البيت الابيض بالانسحاب من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، لكونه حسب الوصف “منحاز ضد إسرائيل”؛ بينما الانحياز ضد إسرائيل يعني الانحياز إلى الانسانية التي ترتكب ضدها الصهيونية جرائم حرب على مدى عقود.
وإذا كان تقرير الأسكوا، قد أقر أن النظام الصهيوني يتبع نظام الفصل العنصري، كالذي كان قائما في جنوب أفريقيا، فإن الحقيقة التي نعيشها تؤكد أنه لو كان النظام البائد في جنوب أفريقيا، ما يزال قائما، لنسخ عشرات القوانين الجديدة من كتاب القوانين الإسرائيلي.
في هذه الأيام، أعمل في المرحلة الأخيرة من التقرير السنوي الثاني، عن القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، الذي سيصدر في الشهر المقبل. وكمتابع لعمل البرلمان الإسرائيلي “الكنيست”، منذ ما يقارب ثلاثة عقود، وعلى الرغم من أن هذا البرلمان، هو وكر لصناعة وتأجيج العنصرية الصهيونية، فإنني أجزم أن حالة الانفلات التي يشهدها الكنيست منذ الانتخابات الأخيرة قبل عامين، غير مسبوقة، ومن المؤكد أننا لم ولن نصل بعد إلى قاع حضيض العنصرية الصهيونية، لأنه حضيض من دون قاع.