الهجوم على البرلمان البريطاني: «الذئب الشارد» والشاحنة القاتلة

26 مارس 2017آخر تحديث :
Armed police respond outside Parliament during an incident on Westminster Bridge in London, Britain March 22, 2017. REUTERS/Stefan Wermuth
Armed police respond outside Parliament during an incident on Westminster Bridge in London, Britain March 22, 2017. REUTERS/Stefan Wermuth

أنور القاسم-القدس العربي

تتخذ الهجمات الإرهابية داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة منعطفا غير مسبوق ينذر بصراع عبر وسائل بدائية، يلقي بتبعاته على علاقة الشرق والغرب مجددا، فيعزز اليمين في الدول الغربية ويضعف الجاليات العربية والإسلامية، ويزيد في عزلتها. وفي أحدث محطة لهذه الهجمات، دهست سيارة رباعية الدفع، يوم الأربعاء، عددا من المارة على جسر «وستمنستر» في قلب لندن، قبل أن تصل إلى مبنى البرلمان، ويترجل منها شخص طعن ضابط شرطة استوقفه، ما أسفر إجمالا عن سقوط 5 قتلى، هم من يعتقد أنه المهاجم، وضابط الشرطة وثلاثة من المارة، إضافة إلى 50 جريحا.
السيارات المفخخة أرهبت العالم لسنوات، وكانت اليد الطولي للجماعات الإرهابية منذ تشرين أول/أكتوبر 2014، فقد برزت كوسيلة رئيسية لتنفيذ هجمات إرهابية في دول غربية، وحصدت، خلال أقل من عام، عشرات الأرواح في مدن نيس الفرنسية، والعاصمة الألمانية برلين، والولايات المتحدة والنمسا وأخيرا، نظيرتها البريطانية لندن.
وحسب تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي «أف بي آي»، فإن الشاحنات باتت تستخدم بشكل مطرد كسلاح؛ لأنها «تمنح إرهابيين يواجهون صعوبات في توفير الأسلحة والمتفجرات، فرصة لتنفيذ هجمات فتاكة دون حاجة إلى تدريب أو خبرة، أو إمكانيات كبيرة».
وجذور «الهجوم بالشاحنات» تعود إلى «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، فرع القاعدة في اليمن، الذي شجع أتباعه عام 2010 على استخدام الشاحنات كسلاح.
ففي مقال بعنوان «آلة القص»، في مجلة «انسباير»، التي يصدرها تنظيم القاعدة، إلى استخدام الشاحنات مثل «آلات قص، لا لحصد العشب، ولكن لحصد أرواح أعداء الله».
هذا النوع يتم تنفيذه باستخدام شاحنات ضخمة أو سيارات رباعية الدفع عادة ما تكون مسروقة، ويقودها شخص يتصرف بصفة منفردة، وليس وفق مخطط ضخم، في ما يُعرف بـ«الذئاب المنفردة»، يستهدف أماكن مزدحمة بالمشاة، بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
ومنذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر على الولايات المتحدة وتفجيرات لندن في 2005 تعاونت شرطة مكافحة الإرهاب في دول العالم فذابت الحدود. وقالت الشرطة البريطانية إنها في السنوات الأربع الأخيرة أحبطت 13 مخططا إرهابيا مشابها للهجمات التي سقطت فيها أعداد كبيرة من القتلى ونفذها إسلاميون متشددون في باريس وبروكسل.
لكن العمل عن كثب لا يضمن إحباط كل المخططات، فقد صرح مسؤول في مجال مكافحة الإرهاب إن وقف منفذ هجوم الأربعاء قبل إلحاقه المزيد من الضرر مجرد حظ.
وقضت الشرطة البريطانية سنوات تعد لخطة الدفاع التي نفذتها في لندن يوم الأربعاء، لكنها قالت مرارا إنه سيكون من الصعب منع هجوم فردي ينفذه مهاجم مزود بأسلحة بدائية مثل سيارة وسكين.
فحتى اليوم وحسب مصادر الشرطة، فانه لا يوجد دليل على أن خالد مسعود، منفذ هجوم الدهس سافر إلى الخارج للانضمام إلى جماعات جهادية، رغم إعلان تنظيم الدولة غير المثبت أنه أحد جنوده.
ويبدو أن المهاجمين يقومون بتلبية نداء المتحدث باسم التنظيم أبي محمد العدناني، الذي قتل في غارة جوية على بلدة الباب السورية العام الماضي، حيث دعا في عام 2014 المتعاطفين مع تنظيمه في الغرب للهجوم على «الكفار»، خاصة عناصر الشرطة والجنود في أي مكان كانوا، بدلا من السفر إلى الشرق الأوسط».

قوة الديمقراطية بشموعها

تجمع الآلاف في ساحة «الطرف الأغر» في لندن مساء الخميس الماضي تأبينا لضحايا الهجوم ومع تحويل المرور عم الهدوء الميدان الشهير مع حلول الليل وقام متطوعون بتوزيع الشموع.
وحملت مجموعة من الرجال المسلمين لافتة كتب عليها «الحب للجميع.. لا كراهية لأحد». وقال أحدهم وهو طالب من لندن «هذه الأحداث لا علاقة لها بالدين… هذا محض إرهاب.»
ورفع رجل آخر لافتة كتب عليها بخط اليد «لن تُهزم لندن أبدا. نقف متماسكين ومتحدين.»
ووقف المعزون دقيقة صمت حدادا قبل انتهاء التجمع الذي خاطبتهم فيه وزيرة الداخلية أمبر راد ورئيس بلدة العاصمة صادق خان. وأدى رجال دين من جميع الأديان صلاة موحدة مساء أمس في كنيسة وستمنستر، تعبيرا عن الوحدة والتماسك.
فيما أطفأت باريس أضواء برج إيفل تكريما لضحايا إعتداء لندن، أضاءت بوابة «براندنبورغ» في العاصمة الألمانية برلين بألوان العلم البريطاني، وقابلت العديد من الشعوب الغربية الحادث باضاءة الشموع، ومقاومة العنف باضاءة القناديل باعتبارها أمضى الأسلحة الناعمة التي تصنع الحياة وتضيء العقول.

قصر «وستمنستر» وذاكرة النار

قصر «وستمنستر»، يعد واحدا من أقدم المباني وأشهرها في المملكة المتحدة. وبني في القرن التاسع عشر ويتميز بموقعه الإستراتيجي المطل على نهر التايمز، ويجتمع بين جدرانه أعضاء البرلمان البريطاني. ولا يكتفي القصر بالاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة لتاريخ المملكة المتحدة، لكنه يحتضن أيضا تاريخها الحديث الذي كانت بريطانيا خلاله هي تلك «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس».
ويعد واحدا من أكبر مباني البرلمانات في العالم، حيث يحتوي على ما يقرب من 1200 غرفة بالإضافة إلى المباني القائمة فيه، والتي لم يدمرها حريق ضخم نشب به عام 1834، ويشمل أيضا 100 دَرج وأكثر من ثلاثة كيلومترات من الممرات.
وتبلغ مساحة القصر ثمانية فدادين ويحتوي على ساعة «بيغ بن» الأكثر شهرة بالعالم، وبرج «سانت ستيفن» الذي يحتويها، فيما تعتبر قاعة «وستمنستر» من أهم المباني التاريخية، وتستخدم في الوقت الحاضر للاحتفالات العامة الرئيسية.
ويضم القصر مجموعة من المعالم الشهيرة والتي تؤرخ للمملكة المتحدة وهي «شرفة نورمان» و«غرفة ملابس الملكة» و«المعرض الملكي» و«غرفة الأمير» و«مجلس اللوردات» و«لوبي النبلاء» و«اللوبي المركزي» و«أعضاء اللوبي» و«مجلس العموم» و«قاعة وستمنستر».
ويتكون البرلمان البريطاني من غرفتين، الأولى وهي مجلس اللوردات، والثانية وهي مجلس العموم. 
وتعرض البرلمان تاريخيا لحريق ليلة 16 أكتوبر/ تشرين أول عام 1834، حيث اندلع حريق مدمر امتد نتيجة اشتعال لوحة في غرفة اللوردات.
وسرعان ما اجتاحت النار القصر بأكمله ودمرت العديد من مبانيه من بينها غرفة «القديس ستيفن»، التي كانت مقرا لاجتماع مجلس العموم، واعتبر آنذاك أكبر حريق في لندن.

الاخبار العاجلة