حماس و”دفيئة غزة”

2 يوليو 2016آخر تحديث :
حماس و”دفيئة غزة”

الكاتب – برهوم جرايسي

أعاد فشل مفاوضات “المصالحة” الفلسطينية من جهة، والاتفاق التركي الإسرائيلي من جهة أخرى، الأضواء مجددا على واقع ومستقبل قطاع غزة، وسيطرة حركة حماس المطلقة عليه، منذ الانقلاب قبل تسع سنوات.

والسؤالان المطروحان: إلى أي مدى حركة حماس معنية بالتوجه إلى قرار الناخب الفلسطيني، واحترام هذا القرار، كقراره قبل عشر سنوات، بتربع “حماس” على رئاسة “حكومة أوسلو”؟ وهل ترى “حماس” ذاتها فصيلا فلسطينيا كباقي الفصائل، يحق لغيرها ما يحق لها في القطاع؟ والسؤال الذي يطرح نفسه أيضا: هل سقف طموح الفلسطيني في قطاع غزة، والضفة أيضا، هو أن يبقى ضعيفا، مرتبطا “بالمساعدات الإنسانية”، أوروبية وعربية وتركية؟

هذه الأسئلة وغيرها، تحتاج الى ردود من “حماس”، مقرونة بأفعال تثبت صدق الردود. لكن في الوقت ذاته، تحتاج إلى مواقف جريئة وواضحة، من الفصائل الفلسطينية كافة؛ فقد قيل ويقال الكثير عن الوضع السياسي في الضفة، وعن “قدسية التنسيق الأمني”، وعن حالة الارتباك السياسي، وخمول الشارع الفلسطيني، انعكاسا لنهج جميع الفصائل، التي من المفترض أن تكون المُحرّك السياسي للمقاومة الشعبية للاحتلال، الذي يبقى هو أساس كارثة الشعب الفلسطيني؛ بينما ما ينتجه الأداء الفلسطيني على مختلف مستوياته، هو غياب المقاومة الشعبية الجماهيرية الواسعة، التي من شأنها أن تحاصر الاحتلال وتعيد القضية الى مسارات التحرر، وتُخرجها من أرشيف الدبلوماسية العالمية، أو من خانة هامش هذه الدبلوماسية في أحسن أحوالها.

لا تستطيع حركة حماس الادعاء أن استمرار فصل القطاع عن الضفة المحتلة، واستمرار سيطرتها بالشكل القائم على القطاع، يخدم القضية الفلسطينية، ويدفع باتجاه انهاء الاحتلال نحو إقامة الدولة الفلسطينية. كما أن “حماس” لا تستطيع ضرب الشرعية، فقط من جانب واحد. بمعنى أن الرئيس المنتخب محمود عباس، فقد شرعيته مع انتهاء السنوات الخمس التي يحددها النظام الانتخابي، في حين أن المجلس التشريعي الذي ترتكز عليه “حماس” هو أيضا مرّ على انتخابه عشر سنوات.

كما أن حركة حماس لا تستطيع أن تهاجم “أوسلو”، وهي التي قبلت بخوض انتخابات قائمة على أساس اتفاقيات أوسلو؛ وحتى أن ضمان مشاركتها في الانتخابات كان نتاج مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، وبتدخل جهات دولية. كما لا تستطيع حركة حماس الادعاء بتمثيلها غالبية الشعب الفلسطيني، من خلال برلمان أنتجته اتفاقيات أوسلو، ونظام انتخابي، اعتقد واضعوه أنهم باتوا في دولة فلسطين المستقلة، أفرز توزيع مقاعد لا علاقة له بواقع تقسيم موازين القوى، كما اتضح من نتائج الانتخابات على مستوى الأصوات.

ولا تستطيع “حماس” أن “تلعن أبو أوسلو”، وفي الوقت نفسه تربط ما يسمى “المصالحة” الفلسطينية بحصولها على أموال من “سلطة أوسلو”، من أجل دفع الرواتب لموظفين عينتهم في السلطة وأذرعها العسكرية، وهم عمليا يخدمون أجندتها وسيطرتها على قطاع غزة. فهذه الانتقائية في التعامل مع كل ما أنتجته اتفاقيات اوسلو، تُسقط الشرعية عن موقف “حماس” الرافض لهذه الاتفاقيات.

نعي جيدا أن المطلب الوطني الفلسطيني بوضع حد للحالة القائمة، بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، وضمان انتخابات نزيهة فلسطينيا، والقبول بالنتيجة، هو مطلب سيجد أمامه العقبة الأساس: الاحتلال، الذي سيضع كل العراقيل لمنع انتخابات كهذه، فيكفي أن يعترض الاحتلال على مشاركة فصائل معينة، ليمنع انتخابات كهذه. لكن مع علمنا بهذه العقبة، فلا يمكن أن تكون بموازاتها عقبة فلسطينية داخلية، ناجمة عن رفض طرف فلسطيني، ضمنا، للانتخابات.

إن الشعب الفلسطيني أكبر من “فتح” وأكبر من “حماس”. وقضية فلسطين لا يمكنها أن تكون ضحية عراك فصائلي، عدا كارثة الاحتلال. فبوصلة حل قضية فلسطين يجب أن تكون رؤية المشروع الوطني الفلسطيني، القائم على الدولة وعودة اللاجئين، وهذا يتطلب أيضا، إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أساس المشروع الوطني ذاته، وأن لا تبقى المنظمة رهينة للحسابات الفصائلية، خاصة للحركة الأكبر “فتح”.

وعلى المنظمة أن تحترم تعددية الشعب الفلسطيني، غير المحصور بين قطبين، وأن تستعيد المنظمة علوية قرارها، فالسلطة الوطنية الفلسطينية تبقى سلطة لإدارة الشؤون المدنية واليومية في الضفة والقطاع، ولكن لا يمكنها إطلاقا أن تكون ممثلا للشعب الفلسطيني. فالمنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد المعترف به عالميا، ولكن هذه الشرعية باتت بحاجة إلى تعزيز وإعادة اعتبار.

الغد الاردنية

الاخبار العاجلة