اغتراب الوثيقة عن الواقع

3 مايو 2017آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة

أعلن خالد مشعل، رئيس حركة حماس في الدوحة مساء أمس الاول، الوثيقة الرسمية الجديدة المقرة من مؤتمر الحركة، بعد ان واجه إعلانها رفض فندقين عقد المؤتمر الصحفي بشأنها، ما أجل الإعلان عنها لساعات قليلة أربكت قيادة حماس في العاصمة القطرية.

وقبل الخوض في ملامسة مواد الوثيقة السياسية الجديدة، فإن الضرورة تملي الإقرار، بأن هذه الوثيقة، هي برنامج حركة حماس للمرحلة السياسية المقبلة. وبالتالي ليست وثيقة العمل الوطني الفلسطيني. غير ان ما تتمتع به حركة حماس من ثقل في الساحة الفلسطينية، يجعل من وثيقتها محل اهتمام وقراءة مدققة ومعمقة، للوقوف على جديدها، إن كان هناك جديد او السعي لسبر أغوارها، واستشراف آفاقها. وكي تكون القراءة معمقة ومسؤولة للوثيقة، لا يجوز للمراقب السياسي او الإعلامي فصل ما تضمنته الوثيقة عن الواقع المعاش. أضف إلى ضرورة الابتعاد عن الجانب الشكلي في القراءة، لأن ذلك لن يؤمن قراءة جادة وموضوعية للوثيقة.

من حيث الشكل يعتبر المراقب، ان الوثيقة حملت جديدا سياسيا، تمثل في  أولا القبول بإقامة دولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛. وهنا هلل الكثيرون من المراقبين لهذا “التطور”، على اعتبار انه نقلة “نوعية” في مسار حماس السياسي. وهذا غير صحيح، لأن حركة حماس أعلنت عشرات المرات وعلى لسان قادتها المختلفين من بينهم خالد مشعل نفسه عن قبولها بالدولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ليس هذا فحسب، بل قبلت بالدولة ذات الحدود المؤقتة، والأخطر انها تواصل التمسك حتى الآن بالإمارة في قطاع غزة. ومن هنا الحديث عن الدولة على حدود 67، يتناقض عمليا مع الواقع على الأرض. ولو كانت حماس معنية فعلا ومن حيث المبدأ بما حملته الوثيقة، لغيرت سلوكها السياسي، وقبلت بعودة الشرعية لمحافظات الجنوب. ثانيا رغم تأكيد الوثيقة على البعد الإسلامي الناظم لحركة حماس في المستويات المختلفة، إلا انها لم تعلن صراحة عن ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين. مع ان مشعل في المؤتمر الصحفي، أعلن بشكل واضح، ان حركته جزء لا يتجزأ من مدرسة الإخوان. وبالتالي محاولات إيجاد الفصل بين الحركة والتنظيم الدولي، ليست أكثر من محاولة شكلية، ولو كان هناك استقلالية نسبية لحركة حماس، لسعت فعلا لتوطين نفسها في المشهد الوطني نظريا وعمليا. لكن ايا من أبعاد عملية التوطين لا اساس لها في الواقع السياسي او التنظيمي او الثقافي او الوطني العام، بل ان كل مظاهر الممارسة تقول عكس ذلك. ثالثا تتحدث الوثيقة في المادة (29) عن منظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني للشعب الفلسطيني. ولم تشر من قريب او بعيد، بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهو ما يعني بشكل واضح، ان حركة حماس تستطيع ان تقيم إطارات موازية او رديفة او بديلة لمنظمة التحرير. وهذه المادة تعكس التوجه غير الإيجابي (إن شاء المرء التحدث بلغة حوارية بعيدة عن الأقصوية في قراءة خلفيات حماس)، وتحمل في طياتها مواصلة توجهاتها غير الوحدوية. رابعا في المادة (21) ترفض حركة حماس اتفاقيات اوسلو، وتعتبرها مخالفة لقواعد القانون الدولي، وترفض ما ترتب عليها من التزامات وخاصة التنسيق الأمني. إذا كانت فعلا حماس ترفض اتفاقات اوسلو، وتعتبرها كما ورد أعلاه، لماذا شاركت بانتخابات 2006 البرلمانية؟ ولماذا تنسق مع إسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر عبر وسطاء دوليين؟ ولماذا تسيطر على قطاع غزة الواقع حتى اللحظة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولم يتحرر كما تدعي حماس، رغم إعادة الانتشار منه؟ ولماذا وقعت على اتفاقيات الهدنة أكثر من مرة مع دولة إسرائيل، وتلتزم باستحقاقات تلك الاتفاقات؟ وبماذا تختلف عما  تضمنته اتفاقيات أوسلو؟ أليست اتفاقيات اوسلو على ما تحمله من مثالب ونواقص أفضل مليون مرة من تلك الاتفاقات المذلة والمهينة؟

الاخبار العاجلة