دولة غزة: هل يبدو الأمر مفاجئا؟

8 يوليو 2017آخر تحديث :
حماس
حماس

بقلم: تحسين يقين عن جريدة الايام

فلسطين الوطن والشعب..

كيف نقرأ تصريح مدير وكالة الأمن القومي الأميركي السابق عن طلب الحكومة الأميركية من دولة قطر الشقيقة استضافة قادة حركة حماس، والذي أكد عليه وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم؟

أظن أن القراءة البسيطة تقتضي سؤالا: هل كان بإمكان دولة صغيرة مثل الشقيقة قطر أن تقدم على هكذا تصرف لولا وجود غطاء ما، كأن تغض دولة عظمى مثلا عن ذلك؟

ثمة سؤال آخر: الدول الكبرى تسأل ولا تُسأل، تأمر ولا تؤمر؛ وهي لا تطيق أية مفاجأة؛ لذلك من الطبيعي جداً في السياسة الدولية، أن ترى دولة كبيرة تقيم علاقات مع حكومات، ومع أحزاب المعارضة الرسمية، بل والسرية.

هل يبدو مفاجئاً؟

لا يبدو كذلك، كما لا يبدو الحديث عن دولة-إمارة في غزة كذلك مفاجئاً!

لا أظنه كذلك، إلا لدى من لم يرد أن يقرأ جاداً، أو قرأ ما يريد قراءته انسجاماً مع ما يطمح له من خلاص فردي!

بئس هو الخلاص الفردي من خلاص!

او لعل السؤال بـ لماذا هو الأكثر دقة!

أول مرة أسمع فيها بدولة غزة، كانت من قيادات وطنية عام 1991 في عمان، في صيف ذلك العام، أي قبل شهر من مؤتمر مدريد للسلام..

“دولة غزة”، تم تداول المصطلح من باب أن هذا هو أقصى ما سيكون، أو أقصى ما سنحققه من خلال الخيار السياسي، وتم تداوله بشيء من السخرية..

لكن حين تم الكشف عن محادثات أوسلو، بعد مدريد وواشنطن، ظهر إلى السطح المصطلح الشهير “غزة أريحا أولا” الذي قرن غزة بالضفة الغربية. ورحم الله ابو عمار الذي أصرّ على أريحا، ومكان قوات الأمن، للتأكيد على الضفة الغربية المحتلة من جهة، ووحدتها السياسية مع قطاع غزة، وهذا ما تم إثباته في الاتفاقية، والتي مهما قيل فيها، فإنه يحسب لها التأكيد على مرجعية القرارين الدوليين 242 و338.

حمدت الله، وتخلصت من كابوس “دولة غزة” صيف عام 1991.

ستمر بعض الأعوام، وستعقد مؤسسة ماس ندوة سياسية عام 1999، عام استحقاق الوصول إلى حل في قضايا الحل الدائم، يتحدث فيه الدكتور علي الجرباوي عن مخطط ما، أو تفكير ما حول إمكانية اقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة في قطاع غزة، على أن تكون الضفة الغربية معومة السيادة، وتدار من دولة غزة السيادية، والأردن الشقيق وإسرائيل. تحدث وقتها عن الوضع القانوني الذي سينشأ هناك:

“إذا كان إغلاق ملف القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم سوى عن طريق إقامة دولة فلسطينية، وإن التأييد الدولي لإقامة هذه الدولة في ازدياد، فقد يكون مآل الحل التوافقي الإسرائيلي أن تقام هذه الدولة في قطاع غزة فقط. أما الضفة الغربية التي أُثخنت تقطيعاً واستيطاناً وأصبحت التجمعات السكانية الفلسطينية فيها تشكل معازل مفصولة بمستوطنات وشبكة طرق استيطانية، فيكون مصيرها ضمن هذا الحل التوافقي الإسرائيلي أن تبقى منطقة معوّمة السيادة يتم تقاسم الوظائف عليها بين إسرائيل والدولة الفلسطينية الغزية، وربما الأردن.

بمثل هذا الحلّ المُركّب، والذي قد يتشكل بموجبه اتحاد كونفدرالي لإدارة شؤون الضفة الغربية بين الدول الثلاث، تحتفظ إسرائيل لنفسها من خلاله بالمسؤولية الكاملة عن الأمن الخارجي والمصادر والحدود الدولية (نهر الأردن) والتجمعات الاستيطانية. أما الدولة الفلسطينية الغزيّة فتُمنح مسؤولية كاملة على السكان الفلسطينيين القاطنين في الضفة في إطار حكم ذاتي موسع يشمل مساحة تصل حوالي 50% من الضفة. أما الأردن فيمكن أن تتم مقايضة قيامه بلعب دور وسيطي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الحلّ الخاص المتعلق بمدينة القدس بمنحه فسحة اقتصادية في الضفة الغربية، ربما تتطور لاحقا إلى دور أكثر ترابطية وأشد عمقاً ضمن كونفدرالية مرغوبة دولياً لإيجاد حلّ عملي لمسألة توطين اللاجئين.

فعلى افتراض تمكن إسرائيل من فرض “الحلّ المُركّب” بأن يصبح قطاع غزة خاضعا للسيادة الفلسطينية، بينما تبقى الضفة مُعومة السيادة، فان جميع فلسطينيي الضفة سيصبحون من الناحية القانونية وبشكل فوري، مواطنين من دولة مجاورة يقطنون مع غيرهم من مواطني دولة مجاورة أخرى (المستوطنين) في منطقة غير سيادية تخضع لإشراف وظيفي مقسم بين الدولتين. وبالتالي، ستحصل اسرائيل مباشرة على التساوي القانوني بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة، وتكون بذلك قد حققت ما يمكن أن يُدعى بـ “ترانسفير قانوني” لفلسطينيي الضفة دون أن تقوم بتحريكهم من أماكن سكناهم.  فجميع فلسطينيي الضفة يصبحون من خلال فرض اسرائيل “الحلّ المُركّب” مواطنين فلسطينيين يتبعون قانونيا للدولة الفلسطينية الغزيّة، بينما يستمرون بالسكن (مع غيرهم من مواطني دولة اسرائيل: المستوطنين) في الضفة. ويتحول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي سينحصر جراء ذلك حُكماً، وبشكل تلقائي، في الضفة من صراع قومي للشعب الفلسطيني المناضل لتحقيق حقوقه الوطنية الشرعية من اسرائيل، إلى نزاع عرقي بين مجموعتين اثنيتين (عرب ويهود) تعيشان في منطقة واحدة (الضفة) وعليهما ايجاد السبل للتعايش فيما بينهما”.*

أعادتني تلك الندوة إلى ما سمعته أول مرة عام 1991، فعاد الكابوس من جديد!

لماذا الكابوس؟ الجواب لأنه في ظل تأسيس إمارة في غزة يتم الاعتراف بها كدولة ذات سيادة من إسرائيل، سيعني تفريغ قضايا الحل الدائم من مضامينها، ونسف نهائي لحقوق شعبنا المكفولة دوليا.

وسأعود لذلك بعد بضع سنوات لأرصد في بحث صغير نشرت جزءا منه في مجلة الهلال القاهرية في أيار 2017، بمناسبة النكبة، بعنوان: النكبة تلد نكبات- الضفة الغربية وغزة وإسرائيل: بين الفصل والوصل والضم! في ظل لا للدولتين ولا للدولة الواحدة”.

تمثل مضمون البحث: في اجتهادات الاحتلال في انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة واتصالهما وانفصالهما والضم..إلى آخر اللعبة: دولة غزة “وكانتونات الضفة”.

لم يكن الأمر مفاجئا!

حتى أن الإسرائيليين حكومة ومعارضة لم يخفوا نواياهم، فمن قرأ وتبّع لسياسييهم ومحلليهم عرف ذلك.

لذلك لم تكن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في السنوات الأخيرة شديدة الجرأة على الشعب الفلسطيني وقضيته خارج سياق ما قبل ذلك ببضع سنوات، بل ومنذ اليوم الأول للدخول في التسوية: تصفية القضية وضم الأرض وتهويدها، ومنح “التجمعات السكانية” شيئا ما من مشتقات الحكم الذاتي. وقد ساهم تردي الأوضاع العربية في زيادة تلك الجرأة بدون أدنى خجل أمام الشرعيات الدولية.

لن تستعجل إذن المفاوضات مع قيادة منظمة التحرير، لأنها وجدت من يقبل ما هو دون ذلك!

هل من جديد في الموقف الإسرائيلي تجاه جوهر الحلول؟

 منذ توقيعها على اتفاقية أوسلو، وإسرائيل  تنفذ على الأرض سياسة الأمر الواقع، وهي دولة إسرائيل في كل فلسطين التاريخية، مع مراعاة السكان الفلسطينيين (عرب إسرائيل كما تسميهم)، بحيث يكون لليهود دولتهم بنظام حكم خاص بها، في حين تطبق على الفلسطينيين المحكومين نظاما خاصا بهم، يراعي بعض الخصوصيات الثقافية الرمزية، أي نظاما عنصريا محسّنا يلائم العصر. إنه تكيف صهيوني إبداعي. ولعلّ الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة 2014، وما واكبها من أحاديث حول الهدنة والمفاوضات، جعلت النقاش مركزا على قطاع غزة، فبدت العملية السياسية متحولة من حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني إلى حق تقرير مصير قطاع غزة. حرب على قطاع غزة كي يصير هو الدولة الفلسطينية فقط.

كانت الحرب على غزة 3 هي تأكيد على تجزئة الحل كما سنرى.

أولا وآخرا، فلسطين الوطن والشعب..

والإرادة أن نكون، فهل سنكون!

ليس أمامنا إلا أن نبقى.

المصدر جريدة الايام
الاخبار العاجلة