بقلم: ياسر المصري – الحياة
القدس ما زالت تعيد ليس للفلسطينيين وحدهم ما يعرف بذاكرة الوعي، ولحمة الوحدة، وليس لهم وحدهم ستبقى بوصلتهم الأكيدة في إعادة ترميم ما هتكته اتفاقات التسوية، من تشظي الوعي وقبول فكرة أن الإحتلال جاهز للسلام العادل والشامل، واليوم يحسم الاحتلال وجهته ويحسم المتطرفون الاستيطانيون الحكم بدولة اسرائيل، وما يحدث في المسجد الأقصى اليوم هو ليس فعلا لحظيا وآنيا، بل هو سياسة عميقة تهدف إلى تحويل الصراع إلى صراع ديني، تعبر عنه مجمل أحداث لا تنفصل عما يحدث حول وتحت وفي محيط المسجد الأقصى تمثلت بالصور التالية:
1- تشكيل “شبيبة التلال” التي كان يشرف عليها متطرفون مستوطنون في مستوطنات الضفة، وكان الهدف من هذا التشكيل إيذاء الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم ومزارعهم.
2- حرق عائلة دوابشة بريف نابلس (وسط الضفة) من قبل المستوطنين.
3- حرق محمد أبو خضير بالقدس وهو حي من قبل المستوطنين ايضا.
4- تعزيز إقامة المعاهد الدينية في مستوطنات الضفة والقدس.
5- إجراء تفاهم مع مستوطني القدس على أساس اقامة احياء خاصة بالمتدينين المستوطنين بالقدس، وإقامة مرافق خاصة تتلاءم مع هذه الطبيعة للأحياء.
6- ان حكومة الإحتلال لأول مرة منذ قيامها تضرب بعرض الحائط توصيات أجهزة الأمن والجيش، وتستعين عنها بتوصيات جهاز الشرطة (التابع للأمن الداخلي)، وبهذا توجيه للقرار ليكون من يحسم به جهة اليمين المتطرف الراعي للاستيطان.
هذه بعض صور يقوم على انتاجها المستوطنون اليمينيون لهدف تحويل الصراع، وخلق اشتباكات مقصودة وموجهة مع الفلسطينيين، فهم يريدون صراعا قائما بجوهره وفق رواية دينية مزعومة، مع الشعب الفلسطيني الذي يرفض ان يقر لهؤلاء المستوطنين روايتهم المزعومة، ويعتبر وسيبقى يعتبر وجودهم استيطانا احتلاليا لن يرضخ الفلسطيني له ابدا.
وما يحدث في المسجد الأقصى اليوم هو تماما يأتي مكملا لأحداث الحرق سواء لأبي خضير أو دوابشة أو غيرهم من ابناء شعبنا الذين استهدفهم الإرهاب المتطرف الديني الاستيطاني، سواء في الضفة او القدس، فالأمر ليس مجرد وضع بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى أو مجرد إجراءات لتقييد حركة المواطنين الفلسطينيين المسلمين في المسجد الأقصى، بل هو تماما ما عبر عنه وزير الأمن الداخلي في دولة الاحتلال، من أن السيادة هي لدولة الاحتلال على الحرم الشريف.
ومن هنا جاء قرار القيادة الفلسطينية بقطع الاتصالات مع دولة الاحتلال، وهو قرار يحمل رسائل لأكثر من جهة وإن كانت دولة الاحتلال في مقدمة هذه الجهات، فالبيئة السياسية والميدانية في الإقليم، ترسم ذاتها بوجود اصطفافين (سني/شيعي)، وقد عملت بعض الأطراف الإقليمية على القبول بدولة الاحتلال، كدولة نفوذ وأساسية في هذا الاصطفاف، وان الرئيس ابو مازن لن يقبل بتشريع هذا الاصطفاف أو الإقرار لدولة الاحتلال لأن تكون دولة نفوذ بالمنطقة دون أن يأخذ شعبنا الفلسطيني استحقاقاته العادلة والمشروعة، إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية مع حل عادل لقضية اللاجئين، ومن هنا فإن الرئيس ابو مازن سيظل يشكل المتصدي الحقيقي والصلب، للمشروع إلاقليمي الذي تسعى له دولة الاحتلال، وتقبل به بعض الأطراف العربية ويرعاه الغرب، وهذا الغرب الذي يقيم يمينه المتطرف وحده مصالح مع اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، على أساس نظرية صدام الحضارات، ومن هنا يتولد خطر حقيقي على السيد الرئيس، نظرا لإجماع بعض الأطراف ودولة الاحتلال على مشروع لن يقبل الفلسطينيون به وتحديدا قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، دون إنهاء الإحتلال وإقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، والتقاء اليمين المتطرف في الغرب مع اليمين المتطرف الاستيطاني في دولة الاحتلال هو ما يشجع اليمين المتطرف في دولة الاحتلال على الزيادة في وتيرة تحويل الصراع إلى صراع ديني.
الرئيس ابو مازن يدرك حجم التحولات والتغير في موازين القوى، وقد عمل على تدويل الصراع مسبقا قبل نضوج مشروع دمج إسرائيل بالمنطقة، ونجح في تحقيق إنجازات مهمة على هذا الصعيد، وما تقوم به دولة الاحتلال اليوم من محاولة خلق اشتباك محدود في الضفة، قد يكون جزءا مهما من النتائج المرجوة منه، تجريد الفلسطينيين من بعض ما حققوه من منجزات سياسية على الصعيد الدولي، وهذا ما يأخذه الرئيس عباس في الحسبان ما يجعله هدفا لتحريض الاحتلال المستمر باشكال مختلفة ..!!.
الأزمة التي تحيط بيمين دولة الاحتلال اليوم، هي كيفية تعاملهم مع الضفة والقدس، فهل الضم الجزئي حل لأزمتهم او الضم الكلي، طالما أنهم أسقطوا وقتلوا حل الدولتين، وكلا الاتجاهين في أزمة هذا اليمين تقوم على أساس مشروع الضم، وهذا ما يعزز تعاملهم مع الرئيس أبو مازن على انه عقبة امام مشروعهم الكلي والجزئي، من حيث الشكل الذي يريدون الخروج به من أزمتهم السياسية الدولية في المرحلة المقبلة وهم يرفضون ولا يريدون حل الدولتين.
الذي قد لا يغيب ولكنه قد لا يأخذ أهمية كثيرة في أذهان دعاة وأصحاب مشروع إندماج إسرائيل بالمنطقة قبل أن تنهي إحتلالها، أن أي حالة اشتباك او صدام في الضفة والقدس طويلة، ستلهب المشاعر العربية والإسلامية وستشعل النفوس بحيث يتولد رفض شعبي ضخم وواسع لمشروع دمج إسرائيل بالمنطقة والإقرار لها كدولة نفوذ، وقد يولد تحويل الصراع إلى صراع ديني مفاجآت خارج نص التوقع، فالثورات قد يتنبأ باندلاعها لكن لا أحد يمكنه ان يتوقع مسارها وحجم أدواتها ونتائجها، وإن تحويل الصراع إلى صراع ديني، قد ينتج هذه الثورات بما لا يتوقعه سادة المصالح في الإقليم مع دولة الاحتلال، ويشعل ما لم يكن في الحسبان اشتعاله.