محلل اسرائيلي :المواجهة المقبلة في غزة ستكون اطول و أكثر دموية

13 أغسطس 2017آخر تحديث :
محلل اسرائيلي :المواجهة المقبلة في غزة ستكون اطول و أكثر دموية

رام الله – صدى الاعلام 13-8-2017

في النقاشات التي جرت في السنة الأخيرة في مكتب رئيس الحكومة تم طرح توقعات متكدرة من قبل الخبراء في الأجهزة الاستخبارية ومنسق شؤون الحكومة في المناطق؛ حيث قالوا إن قطاع غزة سينهار بشكل كامل في عام 2020. وفي الصيف الحالي قام الخبراء بتعديل هذه التوقعات وقالوا للمستوى السياسي إن سنة 2020 موجودة الآن. عملية الانهيار في قطاع غزة تحدث بسرعة وهي أكثر خطورة من توقعاتنا. ومن شأنها أن تدفع حماس إلى مواجهة أخرى مع إسرائيل.

إسرائيل تتردد، رغم ذلك، في تقديم تسهيلات لتخفيف صعوبة الوضع، وخط نتنياهو ـ ليبرمان أوقف مبادرة الجزيرة الاصطناعية رغم موقف الجيش الإيجابي منها. ويبدو أن شهر العسل المفاجئ بين ليبرمان والجيش قد انتهى، مثلما تؤكد اختلافات أخرى بين الوزير وبين ضباط رفيعي المستوى، فيما يتعلق بالخطط التنفيذية في القطاع.

في الوقت الحالي يتقدم بناء العائق في الجنوب، الذي سيشكل ردا على التهديد من القطاع. ولكن سياسة ضبط النفس التي تتبعها حماس بالنسبة للعائق يحتمل أن تكون مؤقتة. نحن نأمل أن تقوم إسرائيل بعلاج القضايا الأخرى بنفس التصميم والنجاعة والسخاء في تقديم الموارد التي تنفقها على المشكلات الأمنية. علاج خطر الأنفاق الهجومية من قطاع غزة تم إهماله لسنوات. وقد تفاجأت إسرائيل من تقدم خطة حماس الهجومية في عملية الجرف الصامد في عام 2014. ولكن في الأشهر الأخيرة وبعد أن تم إيجاد الحل التكنولوجي لتهديد الأنفاق، فإن الجرافات تعمل بكل طاقتها على طول الحدود مع القطاع. المسنون في المستشفيات والآباء القلقون على مستوى أولادهم في المدارس يستطيعون الانتظار والحلم فقط باهتمام كهذا.

زيارة ثانية على حدود القطاع خلال ثلاثة أشهر تشير إلى أن مشروع بناء العائق الذي تبلغ تكلفته 3 مليارات شيكل، يتقدم حسب الخطة. في تشرين الثاني سيعمل في هذا المشروع حوالي ألف عامل في 40 موقعا على طول الخط الذي يبلغ طوله 65 كم. عندما سيستكمل البناء ـ موعد الانتهاء في منتصف عام 2019 ـ سيكون لإسرائيل إجابة مناسبة، سواء على الأنفاق أو على محاولات التسلل من الحدود فوق الأرض. جدار من الإسمنت على عمق عشرات الأمتار مع عدد كبير من المجسات المختلفة يهدف إلى سد الأنفاق القديمة ومنع حفر أنفاق جديدة. جدار مرتفع عليه الكاميرات الكثيرة وأجهزة الإنذار المبكر ووسائل لإطلاق النار عن بعد ـ كل ذلك سيصعب إمكانية التسلل.

حتى هذا الوقت تظهر حماس اللامبالاة تجاه بناء الخط الجديد. صحيح أن الاعمال التي تتم واضحة ومكشوفة، لكن قادة حماس في غزة لا يتحدثون الآن بشكل علني عن البناء الإسرائيلي، ويقللون من التصريحات التهديدية، وهم يستمرون في العمل على منع إطلاق الصواريخ من قبل التنظيمات الأخرى التي يعمل بعضها بإلهام من داعش. تفسير الهدوء الحالي لحماس يوجد كما يبدو في المجال الاستراتيجي. قيادة المنظمة في غزة تحاول تحسين علاقتها مع مصر، بل هي مستعدة لإجراء المفاوضات من أجل إعطاء صلاحيات لرجال دحلان في معبر رفح، إذا كانت هذه التنازلات ستخفف قليلا الخناق على غزة. قادة حماس قلقون جدا من إمكانية فقدان الدعم المالي من قطر، التي ضخت ملايين الدولارات من أجل إعادة إعمار القطاع بعد الحرب الأخيرة. الأزمة بين السعودية وقطر والضغط الذي تستخدمه الدول السنية الأخرى على الدوحة، تضع علامة استفهام على استمرار تقديم المساعدة لحماس.

لكن سياسة ضبط النفس لحماس يمكن أن تكون مؤقتة. بنية الأنفاق الهجومية كذخر استراتيجي أساسي، هو أمر حير إسرائيل وهددها أكثر من آلاف الصواريخ التي يمكن إسقاطها بواسطة القبة الحديدية. عندما تتعرض الأنفاق لخطر حقيقي بسبب بناء العائق، فقد تعيد حماس النظر في خطواتها. الجيش الإسرائيلي مستعد لإمكانية العمل في ظل احتمال حدوث عمليات من قبل القناصة أو العبوات الناسفة، وهو يعلن عن استمرار البناء في جميع الحالات لأنه حيوي ولأنه يقام في الأراضي الإسرائيلية (هذا امر مشروع في نظر المجتمع الدولي). هل يمكن أن يؤدي جدار الدفاع إلى اندلاع الحرب؟ قائد المنطقة الجنوبية، ايال زمير، قال أول أمس في لقاء مع مراسلين على حدود القطاع: إن « الجدار سيبنى. والمفارقة تنتقل الآن إلى الطرف الثاني». إسرائيل ستستمر في العمل حتى لو اعتبرت حماس أن هذا سبب للعودة إلى المواجهة.

 تدريب عسكري

في ذروة حرارة تموز وآب، وفي الوقت الذي تهتم فيه وسائل الإعلام بالتحقيق مع نتنياهو يستمر جنود الاحتياط في الذهاب إلى الموقع العسكري تساليم، كتيبة وراء الأخرى، ويتدربون على إمكانية اندلاع الحرب مع غزة. في الساعة التاسعة صباحا كانت درجة الحرارة 30 درجة مئوية. وفي تساليم في الصيف يتدربون بشكل عكسي. فهم يتدربون في الليل وفي النهار ينامون في خيام كبيرة مكيفة. وإذا تمكنوا من التغلب على الرائحة التي تنبعث من الخيام فسيكون جنود الاحتياط راضين.

الشخص المسؤول عن التحضيرات لغزة هو العقيد ساعر تسور، ضابط مدرعات يضع قبعة مزدوجة: قائد المركز القومي للتدريبات البرية وقائد كتيبة للاحتياط. في صيف 2014 كان تسور قائدا للكتيبة 401، وقد التقينا في حينه في شمال القطاع على مدخل بيت حانون. وقد بحث تسور وجنوده عن الأنفاق التي حفرتها حماس في المنطقة الزراعية المحيطة ودمروها.

في ذلك الصيف تحدث الضباط عن تحسن قدرة القوات البرية مقارنة مع حرب لبنان الثانية في 2006. وتبين فيما بعد أن هذا لم يكن كافيا. وبتوجيه من المستوى السياسي عمل الجيش الإسرائيلي في منطقة محددة داخل الأراضي الفلسطينية قرب الجدار. ونجح تدمير الأنفاق جزئيا فقط، وبشكل أقل مما قاله الجيش للجمهور. 51 يوما من الحرب في القطاع انتهت مع الشعور بالتعادل. وإسرائيل تسببت بدمار غزة وأصيب إسرائيليون كثيرون، لكن لم يحدث أي تغيير حقيقي في الواقع. الإنجاز الرئيس الذي يستطيع الجيش الإسرائيلي تسجيله في أعقاب عملية الجرف الصامد هو الحفاظ على قدر معين من الردع. ومثل حزب الله في لبنان فإن حماس تدرك الأضرار التي قد تصيب غزة في حالة اندلاع مواجهة أخرى. وهذا كاف في الوقت الحالي.بقي تسور شخصا عقلانيا يتحدث بحذر بعيدا عن الرجولية التي تميز كثير من زملائه في الجيش عندما يتواصلون مع المدنيين.

الطاقم القتالي الذي يتدرب في كتيبة المظليين يشمل قوة من دبابات المركافاه 3 لكتيبة احتياط، وقوة من الوحدة الهندسية التي تختص بعلاج الأنفاق. وخلافا لعملية الجرف الصامد، فهم الآن يهتمون ليس فقط بالأنفاق الهجومية العابرة للحدود، بل أيضا بالدفاع تحت الأرضي الذي بنته حماس تحت المناطق البلدية في غزة. وعدد من الوحدات الخاصة يتم تدريبها من أجل علاج الأنفاق تحت الأرضية فقط، لكن يجب على جميع وحدات الجيش أن تعرف الخطر الذي يكمن في الأنفاق، ومن المهم التدرب على السير في النفق مثلما قال تسور: «يجب علينا أن نفهم ماذا يعني هذا: الاكتظاظ، الظلام وصعوبة في الحركة».

الوسائل الكثيرة التي تم تخصيصها للأنفاق والتي تظهر في التدريبات لم تكن موجودة عشية الحرب الأخيرة. والتدريبات في تساليم تشمل الآن القتال في الأماكن المأهولة.

عندما تولى افيغدور ليبرمان منصب وزير (الدفاع) قبل سنة تقريبا، طلب من قادة الجيش تنفيذ خطة طموحة بخصوص قطاع غزة. وقبل توليه منصبه أكثر ليبرمان من تهديد قادة حماس. ومنذ ذلك الحين انخفضت هذه التهديدات، لكن النوايا بقيت كما هي. وإذا اندلعت حرب أخرى في غزة سيرغب ليبرمان في إسقاط حماس. أما العقيد تسور فهو لا يتطرق لأهداف الحرب المقبلة في غزة، فهذا ليس من شأنه. وإذا اندلعت الحرب فهو يأمل بأن «لا يتركونا مرة أخرى على بعد 2.5 كم من الجدار، وأن لا نقف مدة أسبوعين في المكان نفسه من أجل البحث عن الأنفاق الهجومية. إذا كان علينا الدخول فيجب أن يكون ذلك حتى النهاية». وهو يؤكد بشكل حاسم على أنه في هذه الحالة ستكون إصابات كثيرة في أوساط الجيش الإسرائيلي.

عندما جاء الصيف عادت الأجواء العاصفة بخصوص غزة. وتسور يعزو ذلك للجرف الصامد. «الناس حساسون من هذا الأمر، خاصة في الصيف. ولا توجد هنا أجواء تدل على أن الحرب ستندلع غدا، والانطباع هو أن الطرفين لا يرغبان في الحرب، لكنها من المحتمل أن تندلع. إخفاق هنا وإخفاق هناك والأمر قد يتدهور في زمن قصير».

 غزة 2020

التهديد الذي يفوق إقامة العائق على حدود القطاع يتعلق بالبنية التحتية المدنية في القطاع. خلال النقاشات التي جرت في السنة الماضية في مكتب  بنيامين نتنياهو تم طرح توقعات متكدرة من الاستخبارات عن الوضع في غزة في عام 2020. انهيار كامل لشبكة المياه العادمة، وصعوبة كبيرة في توفير مياه الشرب، وعمل جزئي لشبكة الكهرباء. وكل ذلك على خلفية استمرار البطالة ونسبة الفقر المرتفعة. في هذا الصيف قام المختصون بتعديل التوقعات. سنة 2020 موجودة الآن، كما قال مساعدو منسق شؤون الحكومة في المناطق والاستخبارات العسكرية (أمان).

قبل عملية الجرف الصامد، في ظل ظروف اقتصادية أقل صعوبة، امتنعت حكومة نتنياهو عن القيام بتسهيلات لتخفيف الوضع في القطاع. ومنذ ذلك الحين تم تقييد حركة البضائع في معبر كرم أبو سالم بخمسة اضعاف. إسرائيل مترددة في تقديم تسهيلات للقطاع، وخط نتنياهو ـ ليبرمان أحبط مبادرة الوزير إسرائيل كاتس وهي إقامة جزيرة اصطناعية، رغم موقف الجيش الإيجابي.

دخول ليبرمان إلى وزارة (الدفاع) كان مقرونا بشهر عسل مفاجئ مع قيادة الجيش الإسرائيلي. الضباط الذين اعتادوا على العمل مع يعلون كانوا قلقين من التصادم مع الوزير الجديد. إلا أن هذا القلق تلاشى عندما تبين أن ليبرمان يمنح هيئة الأركان هامشا للعمل ولا يتدخل بشكل كبير في الأمور المهنية. ويمكن أن تنتهي هذه الفترة، كما تدل على ذلك الاختلافات في الرأي حول غزة، وأيضا التوتر حول طلب تخفيف حكم اليئور ازاريا من قبل رئيس هيئة الأركان.

ليبرمان لم يتحدث بشكل علني عن هذا الأمر في الأسبوع الماضي، لكن ألمح في السابق إلى أنه يتوقع من رئيس الأركان مراعاة هذا الجندي، الذي بدأ أول أمس في قضاء حكمه في سجن 4. وفي الخلفية نلاحظ تطرف الأجواء السياسية. وإلا كيف يمكننا فهم الهجوم الفظ من (وزير الدفاع )على الصحافي رفيف دروكر. إن تقدم التحقيق مع نتنياهو أدخل الساحة السياسية إلى دوامة من شأنها أن تؤثر في عملية اتخاذ القرارات الأمنية. والامر الصحيح بالنسبة لليبرمان صحيح بالنسبة لنتنياهو، الذي يتعاطى بحذر مع موضوع استخدام القوة.

بقلم:عاموس هرئيل

المصدر هآرتس
الاخبار العاجلة