لماذا خسر «الإخوان المسلمون» الدعم الشعبي؟

26 أغسطس 2017آخر تحديث :
لماذا خسر «الإخوان المسلمون» الدعم الشعبي؟

بقلم محمد ياغي عن جريدة الايام

رغم أن “الإخوان المسلمين” لم يكونوا المبادرين في الدعوة إلى أو في تنظيم التظاهرات الشعبية التي بدأت من تونس نهاية العام ٢٠١٠، إلا أنهم كانوا الطرف الأكثر استفادة منها بسبب وجود بنى تنظيمية قوية لهم في العديد من البلدان العربية. التنظيم لديهم، وغيابه عند خصومهم، مكنهم من الفوز بالأغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي التونسي نهاية العام ٢٠١١، والفوز بالرئاسة في مصر منتصف العام ٢٠١٢، والمشاركة الفاعلة بالحكومات الانتقالية في كل من ليبيا واليمن.

هذا “التمكين” السياسي، كان من المفترض أن يعزز حضور “الإخوان المسلمين” بين الشعوب العربية، وأن يشكل بالتالي حائطاً منيعاً في وجه الثورات المضادة التي أطاحت بهم في مصر وليبيا واليمن، وفي خسارتهم أيضاً الانتخابات التونسية البرلمانية عام ٢٠١٤.

صحيح أن “الإخوان المسلمين” ليسوا تنظيماً واحداً، وأن إخوان مصر يختلفون عن نهضة تونس، وأن حزب الإصلاح اليمني يختلف عن حزب العدالة والبناء الليبي، لكن هنالك درجة معينة من التنسيق بينهم لها علاقة بالجذور السياسية، بمصادر التمويل، بالمرجعيات الدينية، بالحلفاء الإقليميين، وحتى تنظيمياً، توجد درجة من التنسيق بينهم تُمكن الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة مثلاً، من التوسط لدى السعودية لصالح إخوان مصر.

التباين بين فروع “الإخوان المسلمين” في العالم العربي، لا يلغي أنهم جميعاً ارتكبوا نفس الأخطاء التي يمكن تلخيصها في مجموعة من العناوين:

الفشل في فهم أسباب الثورات العربية – الشعوب العربية التي انتفضت على حكوماتها لم تفعل ذلك من أجل الحصول على الحق في التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع فقط، ولكن من أجل بناء نظام سياسي جديد يجعل من مسائل العدالة الاجتماعية، والحرية، والكرامة في مقدمة اهتماماته.

لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون هتاف الشعب التونسي الأهم أثناء ثورته: “خبز، حرية، كرامة وطنية” أو أن يكون هتاف المصريين أثناء ثورتهم: “عيش، حرية، كرامة إنسانية”. الخبز أو “العيش” سابق في الهتاف لمسألة “الحرية”، والسبب لا يعود إلى قضية فنية لها علاقة بالإيقاع، ولكن إلى حقيقة أن أكثر من ٤٠٪ من الشعب المصري في حينه كانوا تحت خط الفقر، وأكثر من ربع سكان تونس كانوا كذلك عندما بدأت الثورة.

“الخبز”، وبمعناه الأعم ما يبقي الإنسان على قيد الحياة من غذاء وسكن وعلاج، وعلاقة كل ذلك بتوفير أماكن عمل وأجور معقولة ومخصصات للرعاية الاجتماعية، كانت في مقدمة الأسباب التي دفعت الناس “للخروج” على الظلم الذي لحق بهم. الحقيقة أن مشاركة “الفقراء” في الثورات العربية، في تونس ومصر تحديداً، كانت السبب الرئيس في نجاحها.

لكن ما الذي قام به “الإخوان” بعد نجاحهم في الانتخابات تجاه المسألة الأهم، القضية الاجتماعية التي كانت في قلب الثورات العربية وسببها الرئيس؟ لم يقم الإخوان بأي شيء. اكتفوا فقط بالوصول إلى السلطة عبر الانتخابات وأبقوا على الاقتصاد الليبرالي، اقتصاد السوق، كما هو دون أي تغير.

“الإخوان” اعتقدوا أن مشكلة الفقر لا علاقة لها بالاقتصاد الليبرالي ولكن بالفساد الذي رافقه. لم ينتبه الإخوان إلى أن القضاء على فساد تمت مأسسته تحتاج إلى وقت وإلى أن الاقتصاد الليبرالي بطبيعته قائم على قوانين لا تحمي الفقراء وإنما أصحاب المال والاستثمارات. الناس التي خرجت علي حكامها رغم علمها أنها قد تُقتل أو تسجن، فعلت ذلك لأنه لم يعد لها قدرة على انتظار “معجزة” تُغير من حياتها. 

بالطبع لم يمتلك “الإخوان” عصا سحرية لتغير حياة الفقراء في يوم وليلة، ولكن جملة من الإجراءات التي تشير إلى أنهم يدركون معاناة الناس وأنهم يضعونها في رأس اهتماماتهم، كانت ستوسع من القاعدة الاجتماعية التي تحمي الثورة وتحمي حكمهم، لكنهم لم يقوموا بأي إجراءات اقتصادية توحي بأنهم يدركون حجم معاناة شعوبهم.

إيمان غير حقيقي بالديمقراطية ـ البنية الديموغرافية في العالم العربي تتميز بأن أكثر من ٦٠٪ منها يقع في الفئة العمرية بين ١٥ـ ٣٠ عاماً.

هؤلاء الشباب الذين تحملوا عبء الثورات العربية لا يعانون فقط من البطالة والفقر، ولكنهم أيضاً محرومون من الحرية: من الحق في أن يعبّروا عن رأيهم، أن يعتقدوا ما يريدون، وأن يمارسوا حريتهم الشخصية دون خوف.

هؤلاء الشباب ـ وبسبب “العولمة” التي يشكل سرعة تدفق المعلومات أحد أهم ركائزها ـ أصبحوا على إطلاع على تجارب الشعوب الأخرى التي تعيش في مجتمعات ديمقراطية وهم ليسوا أقل منهم شأناً وثقافة. هؤلاء يرغبون في مأسسة هذه الحريات داخل بلادهم.

“الإخوان المسلمين”، على اختلاف ألوانهم، وبسبب قناعاتهم الأيديولوجية وحضورهم في مؤسسات الدولة بعد “الثورة” شكلوا عاملاً مانعاً لمأسسة هذه الحريات في الدستور. في مصر لم تتوقف المسألة عند جعل الشريعة أحد المصادر الرئيسة للتشريع، ولكن الإخوان رفضوا حتى التنصيص في الدستور على احترامهم للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعلى المساواة بين الرجل والمرأة، وأضافوا للدستور مواد تتيح للدولة التدخل في حرية الفرد تحت مسميات مثل الحفاظ علي الأخلاق والآداب العامة وتقاليد الأسرة المصرية، دون أن يكون هناك تعريف لهذه المفاهيم.

حتى في تونس التي وافق فيها حزب النهضة على صياغة دستور متقدم ديمقراطي حقيقي وتضمين مواد فيه مثل “حرية الضمير” ـ أو حق الفرد باعتقاد ما يشاء من أفكار، تم ذلك بعد أن وصلت تونس إلى أزمة سياسية كان من الممكن أن تتسبب في صراع أهلي وربما دموي بين أطراف الصراع فيها. الحقيقة أن اثنين من قادة الثورة قتلوا من جماعات إرهابية بسبب مواقفهم الداعمة لدستور ديمقراطي. وفي ليبيا، تم التنصيص علي تحكيم الشريعة، وإلغاء كل القوانين التي تتعارض معها.

وصول “الإخوان” للسلطة أو مشاركتهم فيها وما ترتب عليه من صراع على مسألة الحرية كشف لقطاع واسع من الشباب العربي عن أن “الإخوان المسلمين” يؤمنون فقط بالجزء الإجرائي من العملية الديمقراطية، الانتخابات، لكنهم لا يؤمنون بمحتواها الذي يضمن الحرية الفردية لهم.

لم يتخلصوا من الطائفية ـ للمشكلة الأهم التي تقسم الشعوب العربية عمودياً حسب انتماءاتهم الطائفية، لم يقدّم “الإخوان المسلمين” حلاً “مواطنياً” للصراعات الأهلية في سورية والعراق واليمن، ولكنهم لجؤوا إلى تبني موقف النظام العربي الرسمي الذي يساوي بين الشيعة العرب وإيران.

الإخوان تبنوا لغة طائفية عمقت الصراع الأهلي في هذه البلدان. الشيخ القرضاوي مثلاً أعلن الجهاد لقتال “الشيعة” ودفاعاً عن أهل “السُنَة”. من أجل قتال “الشيعة” لم تكن لدى الإخوان مشكلة في التحالف مع جماعة القاعدة في سورية (جبهة النصرة)، ولا في محاولة تقديمها على أنها حركة “معتدلة” كما فعل أحمد منصور، مقدم برنامج بلا حدود، في لقائه مع محمد الجولاني، أمير “النصرة”. وفي مصر لم يتقدم الإخوان بقانون موحد للأديان يلغي التمييز الذي يتعرض له الأقباط. ربما يعكس هذا حقيقة أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم “أهل السنة والجماعة” وبالتالي هم على خلاف أيديولوجي مع كل من يختلف عنهم. لكن كيف يمكن أن يحكموا بهذه العقلية ويضمنوا في نفس الوقت أن “المُختلِف” عنهم سيتمتع بحقوق المواطنة كاملة؟!

موقف مُبهَم من الإرهاب ـ قد تختلف الناس في أسباب الإرهاب. قد يشير الناس دون أدلة إلى دول داعمة له، وقد يتحدث البعض عن مؤامرة كونية وراءه، لكنه حقيقي: هنالك مجموعات تستهدف المدنيين بالقتل من أجل تحقيق غايات سياسية، وأكثر هذه الجماعات تأثيراً اليوم هي التي تدعي قيامها به باسم الإسلام مثل “داعش” و”القاعدة” و”بوكو حرام” وغيرها.

مواجهة الحركات الإرهابية والانتصار عليها لا يتم في معارك عسكرية وإجراءات أمنية، على أهميتها وضرورتها، ولكنها تحتاج أيضاً إلى صراع أيديولوجي معها خصوصاً من قبل التيارات الإسلامية التي ترغب في تقديم نفسها على أنها تمثل الإسلام الوسطي أو المعتدل.

مساهمة “الإخوان المسلمين” في هذا الجانب كانت وما زالت هامشية. باستثناء التنديد مثل أي جماعة سياسية بإجرام المجموعات الإرهابية. لا يحاول الإخوان “هدم” الأصول النظرية التي يقوم عليها فكر هذه الجماعات. عندما تعرض صورة مسيئة للإسلام يحشد “الإخوان المسلمين” عشرات الآلاف في الشارع للتنديد بها، لكن عندما يتعرض “مسجد” للتفجير، لا يقوم “الإخوان” بتنظيم مسيرات منددة بهذا الإجرام.

هل يعود ذلك إلى حقيقة أن الإخوان يشعرون بأنهم ضحية ومصنفون على قوائم الإرهاب في عدد مهم من الدول العربية؟ ربما، لكن حتى قبل تصنيفهم وعندما كانوا هم في السلطة لم يعملوا على مواجهة الجماعات التكفيرية أيديولوجياً بشكل علني، وهذا أعطى البعض ذريعة للادعاء بأن الإخوان جزء من هذه الحركات الإرهابية.

هنالك أخطاء أخرى، مثل: تحالفهم مع قوى معادية للثورات، لكن لا يوجد متسع للحديث عنها هنا.

الإشارة إلى أخطاء الإخوان التي حرمتهم من دعم الشعوب العربية عندما بدأت الثورات المضادة لتجريدهم الشعوب العربية من حقها في الحرية والكرامة، لا يعني أنهم وحدهم من يتحمل مسؤولية فشل هذه الثورات في تحقيق أهدافها، ولكنه فقط للتذكير بأنهم لم يقوموا إلى اليوم بمراجعة لتجربتهم من أجل عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبوها مستقبلاً.

المصدر الايام الفلسطينية
الاخبار العاجلة