حتى لا تتحول مأساة الروهينغا إلى بوابة جديدة لتغذية الإرهاب

13 سبتمبر 2017آخر تحديث :
مقالات مروان طوباس جنين

بقلم:انور رجب- الحياة الجديدة

من المفارقات التي من المهم الوقوف أمامها في الأزمة التي تعيشها بورما اليوم، أن رئيسة الدولة أونغ سان سوتشي، حصلت في العام 1991 على جائزة نوبل للسلام، بسبب أنشطتها الداعمة لحقوق الإنسان، ومعارضتها لممارسات الجيش البورمي الدموية ضد المعارضة في بلادها، واليوم يوقّع مئات الآلاف من المحتجين على عرائض يطالبون فيها بتجريدها من هذه الجائزة بسبب موقفها السلبي من أعمال التطهير العرقي (التي أكدتها تقارير صادرة عن الأمم المتحدة) التي يمارسها جيش بلادها ضد أبناء أقلية الروهينغا المسلمة في إقليم أراكان غرب بورما، الأمر الذي ينسف الأسس والمصوغات التي مُنحت بسببها الجائزة، وبالرغم من ذلك فإن اللجنة النرويجية المشرفة على منح الجائزة رفضت الاستجابة لمطلب المحتجين متذرعة بأنها لا تملك صيغة قانونية تمنحها الحق في سحب الجائزة، خاصة انه لم تسجل سابقة مماثلة منذ تأسيس “جائزة نوبل” عام 1900. وهذا لا يعني الاستسلام لموقف اللجنة، بل يجب الاستمرار في تصعيد هذا المطلب ودعمه وتعزيزه على جميع المستويات بوصفه واحدا من أدوات الضغط على حكومة بورما لوقف تلك الجرائم والانتهاكات. وهذا هو بيت القصيد من هذا المقال، والذي ندعو من خلاله إلى إيجاد مقاربات مختلفة عن تلك التي اعتدنا عليها من قبل حكوماتنا ومؤسساتنا ومرجعياتنا الإسلامية في معالجة قضايا تخص المسلمين في أي بقعة من العالم، والاستفادة من تجارب سابقة وراهنة لم نحصد من خلالها إلا الدمار والخراب والإرهاب، فتجربة “الجهاد” الأفغاني والتحشيد له واستثمار تلك القضية في خدمة صراعات دولية باسم الإسلام والمسلمين ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم، وللأسف تكررت تجربة ما يسمى التحشيد الجهادي مرة أخرى في سوريا.

إذاً، وبعيداً عن الخوض في تفاصيل الأزمة وأسبابها وجذورها التاريخية، وما يتم تداوله في وسائل الإعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي من روايات وأحداث تقشعر لها الأبدان، فإننا أمام قضية يجب التعامل معها بوصفها قضية إنسانية وحقوقية بالدرجة الأولى، وان كانت تحمل مضامين سياسية وأبعاداً اجتماعية أكدتها تقارير صادرة عن الأمم المتحدة مفادها أن أقلية الروهينغا المسلمة أكثر العرقيات اضطهاداً في العالم، وأنها تتعرض لحملات تطهير عرقي ممنهجة تقوم بها وحدات من الجيش البورمي وجماعات بوذية متطرفة. وبالرغم من ذلك كله، إلا أنه يجب الحذر وعدم الانجرار خلف الأصوات التي بدأت تظهر وتدعو إلى “أسلمة الأزمة”، وتُصوّر الأمر على انه صراع ديني يستهدف الإسلام والمسلمين، وتحذر من مخطط معادٍ للإسلام، واغلب الظن أن ذلك يتم “لغاية في نفس يعقوب”، وهي استثمار هذا التصور وتوظيفه في خدمة أجندات سياسية وصراعات إقليمية ودولية باسم الإسلام والمسلمين، والخشية أن يُتبع ذلك بدعوات لنصرة الإسلام والمسلمين وحمايتهم من “البوذيين الكفار” وإعلان “الجهاد” بالمال والنفس، والبدء بجمع التبرعات وعمليات التحشيد والتجنيد “الجهادي” وهو ما ستجد فيه الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش فرصة لإطلاق دعوات الالتحاق بركب الجهاد في بورما، وإيجاد ملاذ آمن وبقعة جغرافية جديدة يستعيضون بها عن ملاذاتهم في سوريا والعراق وليبيا الآخذة في الانحسار والانهيار، والأهم هو إيجاد قضية جديدة تتغذى عليها أفكارهم ودعايتهم الإعلامية تطيل من عمر بقائهم، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن ما تعانيه هذه الأقلية يوفر بيئة خصبة للتطرف والإرهاب، لا سيما أنه بدأت تظهر تشكيلات مسلحة يقودها شباب من الروهينغا على غرار “جيش إنقاذ الروهينغا في أراكان” والمعروفة محلياً باسم “حركة اليقين”، والخشية هنا أن يتسلل الإرهابيون من خلال هذه التشكيلات، والتي اعتبرتها السلطات في بورما جماعة إرهابية، وبالتالي نصبح أمام معادلة جديدة تستفيد منها حكومة وجيش بورما في تسويق ممارساتها تحت يافطة “محاربة الإرهاب”.

البيان الذي تلاه شيخ الأزهر- رئيس مجلس حكماء المسلمين- الإمام أحمد الطيب حول أزمة الروهينغا، يضع مقاربة عقلانية وموضوعية حول الآليات والسبل الواجب إتباعها في التعامل معها وعلاجها، متجاوزاً الخطابات والدعوات المتشنجة والنظر لها من زاوية دينية حصراً، حيث طالب بـ”تحرك فوري من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وبخاصة مجلس الأمن، وقبل ذلك من صُنَّاع القرار في الدول العربية والإسلامية أن يبذلوا أقصى ما يستطيعون من ضغط سياسي واقتصادي يُعيد السلطات الحاكمة في ميانمار (بورما) إلى الرشد والصواب، والتوقف عن سياسة التمييز العنصري والديني بين المواطنين”، وذلك بعد أن حذر من أن مثل هذه الجرائم هي من أقوى الأسباب التي تشجع على ارتكاب جرائم الإرهاب التي تعاني منها الإنسانية جمعاء. وبلا شك أن هذه المقاربة فيها قدر كبير من الحكمة والحرص على دماء المسلمين، ويجب ترجمتها على أرض الواقع، وإلا فان المجال سيبقى مفتوحاً أمام “أسلمة الأزمة” والذهاب الى مزيد مما يسمى التحشيد الجهادي وهذا ما ينذر بخطر كبير..!!

الاخبار العاجلة