ذئاب داعش عندما «تنفرد»… الأردن نموذجا

8 يونيو 2016آخر تحديث :
ذئاب داعش عندما «تنفرد»… الأردن نموذجا

صدى الاعلام

بسام البدارين

8-6-2016

لا مبرر من أي نوع ينطوي على وجاهة في التحليل او المنطق يمكن ان يقف خلف التركيز على مكان الحادث الإرهابي الأخير غرب العاصمة الأردنية عمان أكثر من التركيز على الجريمة نفسها وحيثياتها الامنية التي تدلل على اختراق غير مسبوق وقصور ملموس في اجراءات الحماية ونهاية مأساوية تمثلت باستشهاد خمسة عسكريين اردنيين شباب من جهاز المخابرات العامة.
الأردن كان ولازال وسيبقى مشتبكا علنا وسرا وبكل اللغات مع تلك الخلفيات الاجرامية التي تدعي تمثيل السماء والله وتميل إلى تكفير المجتمع وافراده ومؤسساته بين الحين والآخر.
الحادثة التي حملت اسم مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين في الأردن لا تختلف بالضرورة عما حصل بما سمي بعملية اربد وقبلها لا تختلف عن تفجيرات الفنادق ليس فقط بحكم الموقف الأردني الذي سبق الجميع في اعلان الحرب على الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا في الوقت الذي كانت تستثمر فيه استخبارات الغرب وامريكا واسرائيل وغيرها بهذا الجنون الإرهابي المتطرف.
ولكن ايضا بحكم المزاج الشعبي الأردني الذي يرفض الإرهاب والتطرف بنفس الدرجة التي لا يختلف فيها على التمسك بحرفية بنعمة الأمن والاستقرار التي يوفرها بالنتيجة اداء محترف للمؤسسات السيادية ووعي وطني عام على مستوى الجمهور.
بمجرد الإعلان عن العملية التي حصلت بالقرب من مخيم البقعة برزت فورا تلك الاصوات النشاز التي تركز على المكان اكثر مما حصل.
برزت في الواقع مرتين وهو الأمر المطلوب فيما يبدو من خلفيات الهجوم الإرهابي.. برزت في المرة الاولى عندما اجتهدت بعض الاصوات وهي تحاول نفي متطلبات العلاقة بين المخيم المقصود والعملية نفسها على أمل ان يتجاوز الانطباع العام اي ربط يمس بالوحدة الوطنية او ينتهي بما يسميه المخضرم طاهر المصري بالفتنة المبرمجة.
في المرة الثانية برزت اصوات في الاتجاه المعاكس تركز على تثبيت الرابط بين المخيم كبيئة اجتماعية في الأردن وبين حواضن محتملة للإرهاب والتطرف ومجموعة عريضة من الخلايا النائمة او ما يسميه خبراء الإرهاب بالذئاب المنفردة.
في الحالتين ثمة قفز على الحقائق والوقائع وفيهما يمكن ببساطة تلمس جرعة التركيز غير المبررة اصلا على المكان لا على ما حصل فعلا.
يمكن القول بضمير مرتاح بان ما حصل في المكان الذي يحتضن اصلا مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين هو دليل اضافي يعزز وجهة نظر الأصوات التي طالما حذرت من عدم وجود استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الفكر المتطرف ليس فقط في أوساط المخيمات ولكن ايضا في اوساط البادية والمدن وكل المحافظات.
مظاهر النمو الواضحة للسياق التكفيري في بيئة مخيم مثل البقعة لا تختلف عن تلك المظاهر التي يعرف الأردنيون جيدا انها موجودة في مدينة السلط المجاورة ورايات تنظيم داعش رفعت في مدينة معان وفي البادية الجنوبية وظهرت في عدة مخيمات وحتى في العاصمة عمان.
بالتالي يصبح التركيز على المكان تعبيرا مضحكا عن البؤس في التحليل وعن الشغف الموسمي بتصنيف الاشياء والأقوال والأفعال الذي يمارسه هواة في التعبير يتجاهلون الاحتراف في التحقيق ويخدمون بالمقابل كل الجهات المتواطئة والممتنعة فعلا عن وضع استراتيجية وطنية شاملة تواجه التطرف في هذا البلد.
الأردن جزء حيوي من المنطقة وقد استمعت شخصيا بصورة مبكرة لتلك الخبرات الامنية التي توقعت دوما بان يحاول الإرهاب التمدد وفتح اسواق جديدة للموت والجريمة في جوار البؤر التي يتعرض فيها عسكريا وأمنيا لضغط شديد خصوصا في الرقة والانبار في العراق.
لا يوجد ما يبرر القول بأن الأردن معزول عن مخاطر التطرف والإرهاب وان كانت الاجهزة الامنية تبذل جهدا جبارا يقتضي الانصاف الاقرار به وهي تحرص على ادامة ما نصفه في مجالسنا بالمعجزة الأردنية حيث التمكن الفعلي من السيطرة على الايقاع الامني وبصورة تثير الاعجاب والرضى بالرغم من كل مظاهر الحريق في الاقليم.
يقف خلف تمتعي كمواطن اردني مع عائلتي بالأمن والاستقرار جنود مجهولون يعملون ليل نهار ومؤسسة عريقة في أجهزة الدولة تقوم بواجبها بإمكانات متواضعة مقابل افتقار المؤسسة السياسية وبعدها الثقافية ثم الاعلامية وقبلهما التربوية لأي مظاهر حقيقية من مظاهر الجدية في مواجهة التطرف.
وأزعم بصورة خاصة بأن الجهد الامني الكبير المبذول في الحماية والتأمين لا يقابله أو يوازيه جهد مماثل في المستوى السياسي في معادلة ملغزة لم أجد حتى اللحظة ما او من يمنطقها لي.
بكل الأحوال تحصين المجتمع من الإرهاب والتطرف يتطلب الاقرار بالوقائع والحقائق وأهمها التواطؤ الجماعي على منع ولادة استراتيجية مضادة في البعد الوطني عابرة للناس وقادرة فعلا على التأثير فيهم ومؤهلة لأي من مستويات الانتاجية.
الوقائع تقول بان المخيمات تعتبر اليوم فعلا موئلا للنشاط السلفي التكفيري يتغذى على سياسات التهميش والاقصاء أولا وعلى الاحباط الاقتصادي ثانيا وعلى فلسفة منع المثقفين المستنيرين ثالثا من دخول المخيمات والتحدث مع اهلها وهو منع امني بامتياز لا مبرر له وثبت اليوم انه ينتهي بمساحات فارغة لا تحسب للدولة بقدر ما يحظى ويفوز بها نشطاء التطرف الفكري الديني.. هذا ما حصل في مخيم البقعة بصرف النظر عن تفاصيل الاختراق والهجوم الاجرامي الاخير.

القدس العربي

الاخبار العاجلة