فريدمان.. وقرن بلفور ونصف قرن الاستيطان

1 أكتوبر 2017آخر تحديث :
القدس

بقلم: موفق مطر – الحياة

 تستطيع دولة الاحتلال الاحتفال بمرور خمسين عاما (نصف قرن) على ابتدائها بإنشاء استيطانها الاستعماري على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حرب الخامس من حزيران في العام 1967، فتثبت للعالم أنها دولة الفصل العنصري الأخيرة على وجه الكرة الأرضية، وانها الدولة المتمردة ليس على القانون الدولي فحسب، بل على ذاتها، ترتكب جرائم الحرب بحق الشعب الفلسطيني، بالاحتلال والاستيطان والاعدامات الميدانية، وانتهاك المقدسات، وهدم البيوت وتشريد المواطنين وتهجيرهم، وعلاوة على ذلك نراها بلا منهج انساني ناظم او ضابط لسياستها المتناقضة مع الاستقامة فدولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني لا يهمهما من اعتبار العالم لها وتصنيفها على أنها آخر دولة احتلال في العالم!!

وتستطيع بريطانيا الاحتفال بمرور مئة عام (قرن) على وعد وزير الخارجية البريطاني ارثر جيمس بلفور الذي ارتكبت مملكته جريمة ضد الانسانية– حينما كانت دولة انتداب على فلسطين- عندما حرمت الشعب الفلسطيني من مستقبله على ارض وطنه فلسطين، وقدم لقادة المشروع الاحتلالي الاستيطاني الاستعماري في فلسطين وطنا لا تملك المملكة ذرة تراب فيها، كما لا يملك اي واحد من ذلكم اليهود الذين وصلوا بالسفن الى شواطئ فلسطين غزاة او هاربين من جحيم الاضطهاد في اوروبا.

لكن تاريخنا وحاضرنا هنا على ارض وطننا فلسطين، وايماننا بأنها (فلسطين) حقنا الطبيعي والتاريخي، وصبرنا وصمودنا وثباتنا، ومشروعية كفاحنا المكفول في الشرائع والوثائق والقوانين الدولية، والأعراف الانسانية، وقدرتنا على ادارة الصراع بعين الحكمة والتعقل والتبصر، وايماننا بحتمية الانتصار وموعدنا مع الحرية والاستقلال، وتجسيد رؤيتنا الانسانية لمستقبلنا على ارض فلسطين، هي المستحيلات السبعة التي لا تستطيع اسرائيل اختراقها، او تفكيك اسرارها ومكامن القوة الفردية والجمعية الحافظة والضامنة لها فذاكرة الفلسطيني مضادة لكل انواع الأسلحة النارية والدعائية، وما يوازيها من اسلحة التزييف والتحريف والتزوير، حتى لو ساندتها الدول المشبعة بالعقلية الاستعمارية، وبمفاهيم التفوق، التي لا تعرف الا المصالح المادية سبيلا لعلاقاتها مع الآخر، غافلة عن مصالحها الحقيقية في اللقاء والتكامل والتواصل الثقافي الحضاري مع الشعوب والدول الأصيلة ذات الجذور التاريخية والثقافية.

بإمكان سفير الولايات المتحدة الأميركية في تل أبيب ديفيد فريدمان أن يتفوه بما يشاء في القضية الفلسطينية، والاحتلال، والاستيطان، لكن الأهم بالنسبة لنا أن نحقق نحن الفلسطينيين والعرب ما نشاء، ونمنع مشيئة فريدمان الصديق الحميم للمجرمين المسؤولين عن الاستيطان من المضي قدما لتأخذ مكانا ما في سجلات ووثائق الشرعية الدولية حيث الكثير من الحق الفلسطيني مدون فيها، وحيث تم اعتبار اسرائيل دولة احتلال، واستيطانها الاستعماري في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس جرائم حرب، فالسفير الأميركي فريدمان يقصف من تل ابيب محافل الأمم المتحدة، مركزا قصفه على مجلس الأمن، وميادين القانون الدولي حيث بات لفلسطين رسولها الذي يناشد ضمائر العالم بلغة السلام، والحق والقيم والأخلاق.

لا يملك فريدمان من امره الا ان يكون فوهة كلامية لشرعنة تدفق الفوهات الحربية المدمرة الأميركية الى اسرائيل، لذا نطق باطلا عندما قال ان اسرائيل لا تحتل اكثر من 2% من الضفة الفلسطينية، ليقترب الى حد التلاصق مع مصطلح (الاحتلال المزعوم) الذي اطلقه رئيس حكومة المستوطنين والمتطرفين نتنياهو، فدولته التي تبسط سيطرتها على معظم اركان الكرة الأرضية ومواقعها الاستراتيجية تحت شعار الحرية والديمقراطية، تحتاج بين الحين والآخر الى دعاية حتى لو كانت مولدة في رحم ابليس لتبرير دعمها لاسرائيل (دولة الفصل العنصري) التي اقر مجلس الأمن في قراره رقم 2334 أنها الدولة القائمة بالاحتلال لأراضي دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران وان القدس الشرقية محتلة وان أي تغيير فيها باطل ومخالف للقانون الدولي.

زار آرثر بلفور فلسطين في العام 1925 لكنه وصل الاسكندرية قبلا، فثارت ثائرة الوطنيين المصريين، وسحلت شرطة الانتداب الانجليزي قادة التظاهرات، وهذا ما حدث عندما زار دمشق حيث استعانت قوات الانتداب الفرنسي بالمدرعات وأطلقت الرصاص، فيما كان الشعب الفلسطيني قد هب للدفاع عن وطنه فيما كانت حراب المستعمرين البريطانيين تنغرس في صدور الأبطال والمناضلين، لتنطلق من بعدها ثورات متتابعة نعيش اليوم احداثها رغم اختلاف ظروفها وأساليبها وادواتها.

الوعي الوطني والقومي لدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية كان وما زال رهاننا الأكبر، الذي يجب العمل على تعزيزه ومده بأسباب الديمومة، وبلورته ليبقى في حالة انعكاس دائم للآجيال القادمة، فإن كان الاستيطان اليهودي قد انشئ قبل نصف قرن، وجريمة وعد بلفور قد حدثت قبل قرن كامل، فإن لهذا الشعب ولهذه الأمة على أرضها قرون أزمان متصلة مع اول طلعة للشمس على البشرية، وستبقى حتى آخر طلعة لها على الأرض.

الاخبار العاجلة