مربع فلسطيني وسط بكين

30 أكتوبر 2017آخر تحديث :
مربع فلسطيني وسط بكين

رام الله- صدى الاعلام- 30-10-2017- أمام المدخل الرئيسي للفندق التابع لمعهد الأبحاث الإعلامية في الصين، وقفت فتاة صينية تدعى “ستيسي” مع أربعة صحفيين فلسطينيين بانتظار رسالة قادمة من الضفة الغربية.

ستيسي هي المنسقة لأعمال الورشة التدريبية لمهارات إعداد الأفلام الوثائقية، المنعقدة في العاصمة بكين، حيث يشارك عدد من الصحفيين من دول مختلفة.

“وصل العنوان” قال أحدهم، لا تفاصيل أكثر كان يدركها الأربعة، غير أن شابا فلسطيني يدعى عاطف يعيش في بكين ويملك مطعما فيها.

تواصلت ستيسي مع سائق المركبة العمومية وأعطته العنوان، الذي وصل في رسالة نصية.

البحث في بكين ليس أمرا سهلا، وهو يشبه إلى حد كبير البحث عن إبرة في كومة قش.

ساعة كاملة داخل السيارة. التفكير هنا يدور كيف سنجد فلسطين خلف هذه الأبنية الضخمة، وقت طويل قد مضى بالبحث حتى وصلنا إلى شارع يعرف باسم “شارع السفارات” وسط العاصمة بكين.

بين ازدحام الحروف الصينية في شارع السفارات، لا بد أن تسرق انتباهك لافتة سوداء كتب عليها باللغة العربية “مطعم السفير”.

بدأت حكاية عاطف البوريني، وهو من قرية بورين جنوب نابلس، مع الصين حين عمل مع شركة صينية للألبسة في العاصمة الأردنية عمّان في العام 2001، حيث التقى خلال فترة العمل، “بيني” الفتاة الصينية التي أصبحت فيما بعد زوجة عاطف.

ترك البوريني العمل في عمّان، وانتقل للعيش مع زوجته في بكين في العام 2004م، باحثا عن فرصة استثمارية ناجحة.

في العام 2011م، اتفق البوريني مع أشرف أبو سن، وهو شاب مقدسي يعمل طباخا في الصين، على افتتاح مطعم في العاصمة بكين يقدم المأكولات الفلسطينية والعربية.

يقول عاطف إن فكرة المطعم الفلسطيني لاقت دعما كبيرا من الجالية الفلسطينية والعربية، ومن السفارات العربية، ومن بينها سفارة فلسطين.

يتابع البوريني: “كان الهدف بالبداية تقديم طعام عربي للزبائن العرب والجاليات العربية، والآن أكاد أجزم أن أغلب زبائن المطعم هم من الصينين والسياح الأجانب”.

تفقد خيارات الأطباق التي يقدمها المطعم أمر مغرٍ جدا، تصل إلى طبق العدس ثم تنتقل إلى الحمص والفلافل، فيتبادر إلى ذهنك حينها أن تعود لفتح حقيبتك والتأكد من وجودك في بكين، التي تتسع لكل شيء حتى الحمص.

يعمل في مطعم السفير طاقم صيني تحت إشراف الشيف أشرف أبو سن، الذي قام بتدريب “لاورين”، وهو طباخ صيني مساعد، على إعداد الطعام العربي في حال غيابه.

يضيف عاطف “التزام المطعم مع السفارات العربية والجالية يجعل من إغلاقه أمرا صعبا، لذلك تعلّم “لاورين” وأصبح يتقن إعداد الأطباق العربية. الخطة الآن أن نجعله ينطق اللغة العربية”.

في بكين، يبلغ عدد أفراد الجالية الفلسطينية 150 فردا من أصل 2000 فلسطيني يقيمون في الصين، من دبلوماسيين وطلبة وتجار.

“الفلسطيني يستطيع أن يتأقلم في أي مكان، من الممكن أن الوضع الخاص لبلادنا جعل منا أناسا نبحث عن أوطان مؤقته نبدع فيها ونعمل فيها”، يقول عاطف.

بالقرب من المطعم، خصص البوريني زاوية خاصة للنرجيلة. جلس يقلب جهازه المحمول مستعرضا مقاطع فيديو لابنيه آدم وكارولين وهما ينطقون بالعربية. يردد آدم “أنا آدم عاطف فلسطيني صيني”.

تفاصيل كثيرة من الممكن أن تراها في هذا المكان، خارطة فلسطين التاريخية في مدخل المطعم، ومفتاح العودة المعلق بجانب الكوفية الفلسطينية، كل شيء فلسطيني في هذا المربع الصغير وسط بكين.

اقترب شاب من الطاولة التي كنا نجلس عليها، وهو فلسطيني أيضا يدعى رائد صلاحات من قرية طلوزة بالقرب من مدينة نابلس.

صلاحات سيكمل بعد أيام قليلة واحدا وعشرين عاما في بكين، حيث يعمل في مجال الحوالات والتجارة الخاصة.

يقول رائد: “حين أجلس في مطعم السفير أشعر بسعادة كبيرة، نحن تعشق فلسطين ونتمسك في تفاصيلها، أنا من مواليد الأردن ولا أملك هوية فلسطينية، ولكن ما زلت أحلم بأن أسكن في قريتي طلوزة”.

أعد المشرفون على الورشة التدريبية لمهارات إعداد الأفلام الوثائقية، جدولا مسبقا للزيارات في بكين، انطلقت الحافلة صباح يوم الأحد باتجاه المدينة المحرمة التي بناها الإمبراطور “مينغ” قبل ستمائة عام، وسميت بهذا الاسم لأنها محرمة على المواطنين العاديين ولا يدخلها إلا حاشية الإمبراطور.

عند دخولنا المدينة التي تحتضن في وسطها قصر الإمبراطور، قال أحد الزملاء الذي أثقل في تناول حمص السفير: “لا أعتقد أن الإمبراطور “مينغ” عرف الحمص، لو عرفه فعلا لما جعل كل هذا الجمال في هذه المدينة محرما على الناس، الحمص يؤلف بين القلوب”.

الاخبار العاجلة