عبء اللورد بلفور بقلم الرئيس محمود عباس

3 نوفمبر 2017آخر تحديث :
عبء اللورد بلفور بقلم الرئيس محمود عباس

رام الله-خاص بصدى الإعلام-03-11-2017-قبل قرن من الزمان، مهّد وعد بلفور الطريق أمام إقامة وطن يهودي في فلسطين. رئيس دولة فلسطين يطالب الحكومة البريطانية بالاعتذار عن الوثيقة التي وضعت قرنا من المعاناة والحرمان للشعب الفلسطيني.

هذا العام، أمتنا تحيي الذكرى المئوية على مرور وعد بلفور. اللورد آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا آنذاك قرر تغيير هوية ومصير فلسطين، وهي أرض لم يكن يملكها، من خلال منحها للحركة الصهيونية، بالإضافة إلى تغيير تاريخ الشعب الفلسطيني. وفي هذه الذكرى الكئيبة، من المهم التذكير ببعض الحقائق التاريخية الرئيسية التي ترتبط حتى الآن بتحقيق حل عادل ودائم وسلمي لقرن من الظلم.

وحتى يومنا هذا، تتخلى المملكة المتحدة عن مسؤوليتها التاريخية برفضها الاعتذار لأمة لا تزال تعيش في المنفى وتحت الاحتلال نتيجة لتعهدات سياسييها غير الأخلاقية.

في عام 1917، كان عدد سكان فلسطين يزيد عن 000 700 نسمة يعيشون في قرابة 000 28 كيلومتر مربع. فلسطين لديها مجتمع راسخ يفخر بتاريخها وتراثها الثقافي، ناهيك عن تقاليد التعايش والتسامح بين سكانها منذ قرون طويلة. مدينة القدس – التي بناها اليبوسيون – تشهد على هذه الحضارة الغنية؛ فهنالك موانئ يافا القديمة وحيفا والمدن التوراتية في غزة وبيت لحم والناصرة والخليل ونابلس، فضلا عن واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، أريحا ، جنبا إلى جنب مع البحر الميت ووادي الأردن الخصيب، كلها تشهد على هذه الحضارة الغنية.

كان لدى فلسطين العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية والصحف والاقتصاد الذي شمل تصدير الحمضيات وصناعة الخدمات المزدهرة مثل السياحة. فلسطين بلد يسكنه في الغالب العرب، ومعظمهم من المسلمين والمسيحيين، ولكن أيضا مع أقلية يهودية صغيرة.

نص وعد بلفور يشير بشكل مخز إلى الغالبية العظمى من السكان على أنها “مجتمعات غير يهودية”، في محاولة متعمدة لحرمانهم من أي حقوق سياسية مستقبلية.

كان بلفور ثابتا تماما في أيديولوجية الاستعمار دون احترام الوجود العميق للفلسطينيين المسيحيين والمسلمين. في عام 1922، كتب: “الصهيونية، سواء كانت صحيحة أو خاطئة، جيدة أو سيئة، هي متأصلة في التقاليد منذ زمن طويل”.

إعلان بلفور عام 1917 يرمز إلى الدور الدولي في الكارثة الفلسطينية ونزوح النكبة عام 1948. وبعد قرن من صياغة هذا الوعد المشين، لا يزال المجتمع الدولي يماطل في تحمل مسؤولياته القانونية والسياسية والأخلاقية للوفاء بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. ولا يزال هذا الظلم الذي طال أمده يختبر مصداقية نظامنا الدولي ويقوض القوانين وأطر حقوق الإنسان التي تعتبر أساسا للسلام والاستقرار داخل الأمم وفيما بينها.

إرث بلفور المرير

على الرغم من تأثيره الكبير على مصيرنا كأمة، لم يكن وعد بلفور أبدا مسألة توافق في الآراء بين السياسيين البريطانيين. لقد استمر هذا الوعد مع الانتداب البريطاني لفلسطين الذي سرعان ما ثبت أنه محاصر بين حماقة اللورد بلفور والواقع على الأرض. وفي السنوات التالية، عانى الحكم الاستعماري البريطاني من تناقضات وعوده للشعب اليهودي والعرب. وقد كتبت العديد من اللجان البريطانية إلى لندن لإقناع حكومتها أن هنالك بالفعل شعب متجذر في فلسطين. في عام 1922، رفض البرلمان البريطاني الانتداب البريطاني على فلسطين لأنه شمل الوفاء بوعد بلفور كجزء من أهدافه.

راهن بلفور على أن المجتمع الدولي لن يحترم حقوق الفلسطينيين بعد تأسيس إسرائيل. وبعد ثلاثين عاما، في 29 نوفمبر 1947، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181 الذي يدعو إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين. ومرة أخرى، تجاهل هذا القرار رغبات وطموحات وحقوق السكان الأصليين في فلسطين، ولم يدخر القادة الفلسطينيون جهدا في نقل صوت الشعب وزيارة لندن مرات لا حصر لها، فضلا عن عدة عواصم عالمية أخرى، مطالبين باحترام حقوق الشعب العربي الفلسطيني، واحترام مصير فلسطين ليتم تقريره من خلال انتخابات حرة ديمقراطية تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني. وقد تجاهلت الحكومة البريطانية ذلك تماما، مسترشدة بجدول أعمال بلفور لإنكار حقوقنا السياسية في بلادنا.

لقد صوَّت العالم على تقسيم فلسطين، ولكن شعبنا لم يفعل ذلك. وكان المجتمع الدولي على استعداد لدعم الرغبة الصهيونية في بناء دولة في فلسطين، ولكن لم يكن لديه العزم على الإشراف على تنفيذ قراراتهم، مما أدى إلى النكبة حولت أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني إلى لاجئين، بمن فيهم أنا. كانت مسقط رأس صفد، وتم تطهيرها عرقيا تماما من سكانها المسلمين والمسيحيين العرب. وعلى غرار صفد، تم تطهير ما لا يقل عن 418 قرية فلسطينية عرقيا، وإخلاء سكانها بالقوة وتدميرها.

لقد أخفق المجتمع الدولي في الوفاء بتنفيذ قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة، وهو قرار لا شك فيه أنه لم يسمح أو يدعو إلى التهجير القسري للسكان الفلسطينيين. كما أخفقت في تنفيذ القرار 194 لإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. والواقع أن اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل مرهون بتنفيذ إسرائيل لهذا القرار. وبالمثل، من المخيب للآمال أن يفشل المجتمع الدولي في تنفيذ عدد لا يحصى من قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إسرائيل إلى إنهاء احتلالها العسكري الذي بدأ في عام 1967، بما في ذلك مشروعها الاستيطاني الاستعماري. وقد أدى هذا الفشل إلى زيادة إفلات إسرائيل من العقاب وإطالة أمد الصراع والمعاناة والظلم اللذين يتحملهما الشعب الفلسطيني.

من بلفور حتى عام 2017: مئة عام من الإفلات من العقاب

الاحتلال الإسرائيلي الذي حصل في عام 1967 باحتلال 22% المتبقية من فلسطين، بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، بدأ بسياسة منهجية ومتعددة الأبعاد لاستعمار الأراضي المحتلة أصلا، الأمر الذي يضعف فرص التوصل إلى حل سياسي. وعلى الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بإسرائيل وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وأعلنت أن دولة فلسطين تقع على من 22 في المئة من فلسطين التاريخية، تواصل إسرائيل إنكار حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في الحرية وتقرير المصير.

وقد هدد وجود المستوطنات غير الشرعية – في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة – بأن يصبح حل الدولتين مستحيلا. ومن الواضح أن هذا هو هدف الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية التي لا تتوانى عن إخفاء هذه النوايا. لقد أصبح من المسلم به بأن الاحتلال الإسرائيلي الطويل ومشروعه الاستيطاني الاستعماري قد دمرا عمليا آفاق حل الدولتين المعتمد دوليا على حدود 1967، مما يعزز واقع الدولة الواحدة، إسرائيل، التي تسيطر على كل أرض فلسطين التاريخية، وفي ذات الوقت فرض نظامين مختلفين: واحد لليهود الإسرائيليين وآخر للفلسطينيين.

منذ عام 1993 اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود ووافقت على المشاركة في عدة جولات من المفاوضات في عملية السلام في الشرق الأوسط بهدف التوصل إلى اتفاق سلام شامل. وبعد أكثر من عشرين عاما من المفاوضات، من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية ليست مهتمة بالسلام. وبالنسبة لفلسطين، فإن عملية السلام وسيلة لتنفيذ القانون الدولي وإقامة العدل؛ وهذه العملية ليست غاية في حد ذاتها، لكن الحكومة الإسرائيلية كانت تستخدمها على الدوام واستغلت “المفاوضات” كستار من أجل مزيد من الاستعمار للأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، بهدف ترسيخ سيطرتها على كامل الأرض.

إن حل الدولتين المدعوم دوليا غير مقبول من قبل أي من الأحزاب السياسية التي تشكل تحالفات الحكومة الإسرائيلية اليوم. ولا يزال قادتها يحرضون بخطاب الكراهية ضد الشعب الفلسطيني والبلاغة التحريضية ضد الحقوق والتطلعات الوطنية الفلسطينية. وشمل ذلك الاستخدام الخطير للدين لتبرير جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، وهو أمر نعتقد أنه بالغ الخطورة للسلم والأمن الإقليميين والدوليين، وقد حذرنا باستمرار من المحاولات الإسرائيلية لتحويل النزاع السياسي المناطقي إلى حرب دينية.

ومثله مثل حزب الليكود، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جديدعلى  برنامجه السياسي الذي ينفي أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية، والمستوطنين الإسرائيليين وقوات الاحتلال يواصلون العمل بالكراهية والعدوان تجاه الشعب الفلسطيني، مما يقلل من احتمال التعايش السلمي. ولا تزال الهجمات مستمرة ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم، وضد الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية ، ولا تزال المنازل تتعرض للهدم مما أدى إلى تشريد شعبنا بالقوة لتمهيد الطريق لمزيد من التوسع الاستعماري الاستيطاني.

إن واقع الدولة الواحدة الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية لم يكن ممكنا دون الإفلات من العقاب الذي حظيت به إسرائيل من المجتمع الدولي. المؤسسة الاستعمارية الإسرائيلية في فلسطين المحتلة لم تكن لتنجح دون فتح الأسواق الدولية أمام المنتجات الاستيطانية الإسرائيلية غير المشروعة، ودون إبرام اتفاقات تجارة حرة ترحب بهذه المنتجات، ودون أن تستفيد الشركات الدولية والاقتصاد الإسرائيلي من هذا الحرمان المنهجي لحقوق الفلسطينيين، ودون التزام عدد من الحكومات بضمان إفلات إسرائيل من العقاب بغض النظر عن الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها بحقنا.

لقد تعلم الفلسطينيون الدروس المستفادة من استعمار بلفور. لقد شهدنا مؤخرا صمود الشعب الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة في رفض المحاولات الإسرائيلية لتغيير الوضع الراهن لمجمع المسجد الأقصى. وقد برزت المظاهرة الجميلة للمقاومة السلمية الشعبية في كل ركن من أركان العالم. وكما أن شبابنا وشيوخنا، رجالا ونساء، مسيحيين ومسلمين، وأفراد، من جميع الفصائل السياسية، اجتمعوا معا للدفاع عن القدس، ولا يسعنا إلا أن نتذكر من عارضوا السياسات البريطانية في الإضراب الوطني الملحوظ لعام 1936، أو الاحتلال الإسرائيلي في الانتفاضة الأولى عام 1987. لقد أظهر الفلسطينيون للعالم وكثير من الإسرائيليين أن “الخيال” الاستعماري أثناء الحديث عن السلام والتعايش من جهة، وحرمان حقوق شعب تحت الاحتلال العسكري القمعي من جهة أخرى، لا يمكن أن ينجح أبدا، وأن حق الشعب في حريته وتقرير مصيره لا يمكن سحقه أو نفيه.

رؤيتنا من أجل سلام عادل ودائم

إن صمود شعبنا وقدرته على الثبات ينبغي أن يكون بمثابة رسالة للعالم بأسره، ولا سيما لإسرائيل، بأنه لن يكون هناك سلام في منطقتنا دون إعطاء  الشعب الفلسطيني  حقوقه الغير القابلة للتصرف. إن رؤيتنا للسلام هي حل توفيقي كبير يستند ببساطة إلى ما يحق لنا الحصول عليه بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة: دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1967، مما يضمن في الوقت نفسه أن القدس يمكن أن تكون مدينة “مفتوحة” بين أجزائها الشرقية والغربية. ونحن نتصور سيادتنا على مواردنا الطبيعية ومجالنا الجوي وحدودنا البحرية. وسنواصل المطالبة بحرية جميع معتقلينا السياسيين وضحايا الاحتلال الإسرائيلي ونفيه المنتظم لحقوقنا الوطنية. ومع ما يقرب من مليون معتقل منذ عام 1967، فإن حالة معتقلينا السياسيين تعكس بشكل مؤلم الحالة العامة لأمتنا بأسرها.كما نؤكد مجددا أنه من أجل وضع حد للمطالبات مع إسرائيل، يجب أن يكون هناك حل عادل لسبعة ملايين لاجئ فلسطيني على أساس اختيارهم. إن أمتنا، التي تشكل أكبر مجموعة لاجئين في العالم، ومعظم محنة اللاجئين التي طال أمدها في التاريخ المعاصر، لها الحق في احترام ونيل حقوقها، بما في ذلك من خلال تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ومبادرة السلام العربية.

إن السلام العادل والدائم أمر ممكن. وهو يتطلب التنفيذ الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف التي طال انتظارها. إننا نتصور واقعا جديدا لا تعود فيه أسرنا مقسمة بسبب القوانين العنصرية، مثل قانون الجنسية الإسرائيلي؛ حيث لن تضطر مواهبنا الشابة إلى مغادرة بلدها بسبب الاقتصاد المنكمش وانعدام الفرص. ونحن نتصور دولة يمكن أن ترحب بالابتكار والمواهب التي يملكها شعبنا  في الشتات  أينما هاجر، سواء الولايات المتحدة أو أمريكا اللاتينية وأوروبا وأستراليا، أو العالم العربي، فقد أصبحوا ناجحين في مختلف المجالات والمساهمة الإيجابية في المجتمعات المحلية. ونحن نتصور سلام حقيقي حيث الملايين من الناس والأطباء الناجحين والمهندسين والمصرفيين والرياضيين والفنانين ورجال الدين والمعلمين والطلاب والعمال والسياسيين والناشطين الاجتماعيين سوف يكونون في النهاية قادرين على جعل فلسطين وطنهم.

اعترفوا بحقوق الفلسطينيين – وقدموا  الاعتذار

إن وعد بلفور هو تذكير بأنه يجب أن تسمع أصوات الفلسطينيين ويحترمهم المجتمع الدولي. ومن الخطوات الهامة التي اتخذت للإنصاف في هذا الصدد السعي إلى الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، بما في ذلك وضعنا الجديد “دولة غير عضو” في الأمم المتحدة، الذي تحقق في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 2012. وقد مكنتنا هذه الحالة من الانضمام إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية والانضمام إلى عدة منظمات دولية. ويصل عددها إلى خمسة وخمسين حتى الآن، بدءا من اتفاقيات جنيف إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

بعد عقود من السيطرة الإسرائيلية على حياتنا، من المهم عدم الاستسلام لليأس والحفاظ على الأمل على قيد الحياة. وسنواصل البناء على إنجازاتنا باعتراف بالدول والانضمام إلى المعاهدات الدولية، بما في ذلك حقنا في السعي إلى تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني في المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة هذا الاحتلال الإجرامي المستمر. وهذا أيضا تأكيد لاحترامنا للقانون الدولي واستعدادنا للوفاء بالتزاماتنا ومسؤولياتنا في هذا الصدد. وفي الوقت نفسه، سنواصل مساعينا لتحقيق سلام عادل ودائم مع إسرائيل على حدود عام 1967. ومن حقنا أن نستخدم جميع السبل الدبلوماسية والسياسية والقانونية لحماية أمتنا وتحقيق العدالة والوفاء بحقوقنا غير القابلة للتصرف التي طال انتظارها.

ويجب أن تسير هذه العملية جنبا إلى جنب مع الجهود الرامية إلى ضمان المزيد من الاعترافات الثنائية بدولة فلسطين. وليس هناك ما يبرر عدم الاعتراف بدولة فلسطين. فكيف يمكن أن يؤذي الاعتراف بفلسطين بفرص السلام؟ وكيف يمكن أن يضر المفاوضات؟ إن حقنا في تقرير المصير ليس أمرا قابلا للتفاوض؛ فقد أكدت محكمة العدل الدولية، في قراراتها التاريخية البارزة في عام 2004، بشكل صريح على أن هذا الحق “حق للجميع”، وهذا يعني أنه “صالح للجميع”. لذلك فإنها تعتبر مسؤولية دولية إعطائنا حقنا وليس رفض ذلك أو الخجل منه.  وبالتالي سنواصل دعوة أولئك الذين يزعمون أنهم يؤيدون حل الدولتين للاعتراف بدولتين، وليس دولة فقط.

وفي الوقت نفسه، سنبقي الأبواب مفتوحة لإمكانية استئناف المفاوضات الرامية إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي والحصول على حقوقنا. وكما دعمنا الجهود الفرنسية لمؤتمر باريس للسلام، واجتمعنا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ والعديد من قادة العالم الآخرين لتحقيق هذا الهدف، ونرحب بجهود الإدارة الأمريكية في ما أشار إليه الرئيس ترامب باسم “صفقة نهائية”. ولا نرى أي تناقض بين المفاوضات ومواصلة السعي إلى تحقيق العدالة من خلال الأدوات المشروعة والمتاحة بموجب القانون الدولي. ومن حقنا أن نتخذ جميع الوسائل السلمية لإنهاء عذاب شعبنا والوفاء بحقوقه غير القابلة للتصرف والتطلعات الوطنية المشروعة.

إن القيادة الفلسطينية تدرك مدى إلحاح الحالة الراهنة، فضلا عن مخاطرها، وسنواصل مطالبة المجتمع الدولي بمسؤولياته، بما في ذلك توفير الحماية لشعبنا، وفقا للقانون الإنساني الدولي، والعمل الجماعي على إنهاء “الإفلات من العقاب”.

ولا يزال هدفنا هو التوصل إلى حل قائم على وجود دولتين على حدود عام 1967 والحرية والعدالة لشعبنا. غير أننا نفهم أن الحكومة الإسرائيلية تبذل كل ما في وسعها لجعل تحقيق دولة فلسطينية مستقلة أمرا مستحيلا. بالإضافة إلى ذلك، يجب علينا أن نتعامل مع الافتقار إلى الإرادة السياسية من المجتمع الدولي لاتخاذ أي خطوات ذات مغزى من شأنها إنفاذ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة حول فلسطين.

وكما قلت الشهر الماضي خلال مناقشة الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإننا نعلم أن الحرية قادمة وأن الاحتلال سوف ينتهي في نهاية المطاف: إن لم يكن من خلال تحقيق حل الدولتين على حدود 1967، ومع إسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام والأمن، فإنه سيتحقق حتما من خلال حقوق متساوية لسكان فلسطين التاريخية، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، والمسيحيين، والمسلمين، واليهود. ولا يمكن لأي شخص على وجه الأرض أن يقبل بالعيش كعبد أو تحت نظام الفصل العنصري كما علمنا التاريخ بشكل واضح ومؤلم. لقد مرت مائة عام على وعد بلفور، وقد كررت الحكومة البريطانية الإعراب عن فخرها بهذه الوثيقة المشئومة التي ترجمت إلى الكارثة الفلسطينية، مع كل تداعياتها الإقليمية والعالمية، حتى أنهم سيحتفلون به. وبدلا من تنظيم احتفال لأحد “أحلك مظاهر الاستعمار البريطاني”، على المملكة المتحدة أن تتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية من خلال الاعتذار لشعب فلسطين.

وفي الوقت نفسه، ندعو الحكومة البريطانية إلى أن تتخذ إجراءات تعويضية دون مماطلة، بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية واتخاذ خطوات ملموسة للإسهام في منح الحقوق السياسية للفلسطينيين، الحقوق ذاتها التي رفضها بلفور منذ قرن مضى.

ولن يؤدي ذلك إلى إصلاح العواقب الضارة التي لا حصر لها للاستعمار الأجنبي في منطقتنا، ولا سيما في فلسطين فقط، بل سيكون مثالا يحتذى لبقية المجتمع الدولي للارتقاء إلى مسؤولياتهم في القيام بما هو ضروري لسلام فلسطيني إسرائيلي عادل ودائم السلام ، ولتحقيق السلام الأوسع في الشرق الأوسط ليصبح واقعا، ويغير مسار مستقبلنا، فرديا وجماعيا، من أجل الأجيال القادمة.

 

بقلم رئيس دولة فلسطين السيد محمود عباس

 

المصدر thecairoreview
الاخبار العاجلة