أبو مازن: نحن وأميركا.. مَنْ يعزل من؟؟

26 نوفمبر 2017آخر تحديث :
أبو مازن: نحن وأميركا.. مَنْ يعزل من؟؟

 سلطان الحطاب – نقلا عن “الغد” الأردنية

أتيح لي الاتصال مع الرئيس محمود عباس أبو مازن والحديث معه في آخر المستجدات والملفات.. كنت محشوراً بالأسئلة وهو يدرك دائماً أنني أنتظر إجاباته لأتمكن من تقديم وجهة نظر متكاملة لا يسهل على المشككين اختراقها حين يقدمون روايات مغرضة..

فالرجل الواقعي لا يحمل في السياسة وجهين، ومن هنا عرفه العالم، وقدر له مواقفه، فهو لا يخفي شيئاً ليقول شيئاً آخر، وإن أخفى فإنه لا يقول، وإن قال فإنه لا يخفي.. وهذا يمتد حتى مع أولئك الذين يعملون معه، أو إلى جواره من الذين قد لا يفهمونه.. ما فوق الطاولة عنده هو ما تحت الطاولة أيضاً..

فالرجل الذي ألّف (106) كتابا مختلفة الأحجام أحصيت منها ربعها فقط، والباقي لم أتمكن من الاطلاع عليه ولكنه ذكر لي العدد .. ما زال يمتلك الوقت ليقرأ ويكتب ويبحث ويمحص، وكثيراً ما تعتمد قراراته على معرفته، وخبرته، وقراءته، وخاصة فيما يتعلق منها بالصراع العربي – الإسرائيلي، والذي أصبح صراعاً فلسطينياً – إسرائيلياً، بعد أن اختبأ العرب خلف الموقف الفلسطيني، وادعو أنهم يسيرون خلفه، وينتظرون ما يقول رغم أن الأيام أثبتت أن الموقف الفلسطيني قال وما زال يقول أشياء كثيرة لم تسمع ولم تصل ولم يؤخذ بها عربياً..

وبدل أن يقطر الموقف العربي بثقله الموقف الفلسطيني ويرجح به، وجدنا العكس، ولكن دون أن يقطر الموقف الفلسطيني الموقف العربي الذي استدار منذ وقت وترك الفلسطينيين وحدهم في غالب الأحيان، ورغم أن أبو مازن لا يريد مثل هذا القول: أن العرب تركوا الفلسطينيين، وإنما يريد قولاً أخف على أمل أن يعودوا لدورهم وأن يدركوا وأن يستبينوا الرشد.

أبو مازن يراهن على الإرادة الفلسطينية وهو يعتقد أنها نضجت لتستقل وتعرف أين تكمن مصالح الشعب الفلسطيني، ولذا فإنه كان قد اختبر هذه الإرادة أكثر من مرة، وأثبت أنها قادرة وصامدة وشجاعة، وأنها ذهبت به إلى الأمم المتحدة لتوليد الدولة الفلسطينية العتيدة رغم “الممانعة العربية” التي تجلت في الضغط عليه أن لا يذهب .. وذهب إلى مجلس الأمن ليخذله العرب هناك وينتصر له من ليسوا عرباً ولا مسلمين ومنهم من لا يخطر أسمهم على البال، مثل: نيوزيلندا، والسنغال.

وقال في الأمم المتحدة ذهب يُطالب باتفاق إطار ليعُرف السقف من العتبة قبل أن يعود إلى مفاوضات كل هدفها التقاط الصور .. فالرئيس كما قال “يريد أن يعرف الحدود .. حدود الدولة” .. وحتى يكسر هذه الحلقة الجهنمية من الإنكار الإسرائيلي المستمر .. كان يسأل ضيوفه وسائليه والراغبين في المعرفة من يهود وأجانب ممن يسألوه لما لا تعترف بإسرائيل، أن يحددوا له حدود إسرائيل وأن يبينوا له أين حدودها ليعترف بذلك وليعرف بعدها حدود الدولة الفلسطينية، فيدهشون بسؤاله ويصمتون وكأنهم يكتشفون الدولاب !!!

لا يكل الرئيس أبو مازن ولا يمل في الرهان على بعدين.. إرادة الشعب الفلسطيني.. والإرادة الدولية والتي يواصل تحريكها أنها ستدرك أن آجلاً أو عاجلاً أن لا احتلال يدوم.. وأن البقاء للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.. وأن الفجر قادم مهما طال الليل..

فهمت دائماً عندما يتحدث أبو مازن.. أن الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بحاجة إلى الاستقرار أكثر من حاجته إلى السلاح، فهو لا يريد السلاح ولا يتطلع إليه، ولا يريد الحرب أو عزل أحد بما في ذلك إسرائيل.. وهو لا يريد معاداة أو الصدام مع أي طرف دولي وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، التي ما زالت تظهر له الوجه الإسرائيلي وما زالت تلبس القناع الإسرائيلي وآخر الأقنعة كانت الخطوة الأميركية السافرة والفجة وغير المفهومة التي دعت لإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن (تراجعت الولايات المتحدة لاحقاً) وردة فعل أبو مازن الهادئة على ذلك والتي أعقبها ابتسامة مائلة على وجهه وقوله “طيب يغلقوه” هاي اللي طلع معهم، ثم غيّر نبرته وقال “شو بدهم بالضبط .. هذا ابتزاز ونحن لا نقبله .. لم يعودوا وسيطا نزيها .. خضعوا للضغوط الإسرائيلية وتراجعوا عن وعودهم .. إذن لنرى من يعزل من؟؟ صدقني أنهم يعزلون أنفسهم وسترى كيف ينظر لهم العالم الآن.

وقال أنا في مدريد والتقيت الملك (فيليبي السادس) وأضاف لقد كان اللقاء حميمياً، تحدث الملك عنا بود وعن قضيتنا وتفهم تماماً مواقفنا ونحن على موعد من موقف إسباني غير مسبوق قد أكون فهمت أنه مهما حاولت الولايات المتحدة أن تتطابق في مواقفها مع إسرائيل، فإن هناك مواقف دولية لا تذهب بهذا الاتجاه، حتى من حلفاء الولايات المتحدة الغربيين أو من ترتبط معهم بتحالفات مختلفة..

لن نخاف، قالها وصمت وأضاف.. لن نتردد في استعمال حقوقنا الثابتة التي أكدتها الأمم المتحدة والتي أعطتنا حق مقاضاة إسرائيل في المحافل الدولية وفي محكمة الجنايات !!!

ويسأل الرئيس.. إذا كانت إسرائيل غير مجرمة وغير مذنبة بحق الشعب الفلسطيني فلماذا هي قلقة ومنزعجة من شراكتنا مع الأمم المتحدة والتزامنا في منظماتها كافة شأن أي دولة أخرى؟؟ ولماذا تقوم قيامة اليمين الإسرائيلي وزعيمه نتنياهو حين نتحرك باتجاه المنظمات الدولية أو نقوم بتقديم شكوى.. ولماذا تعتبر إسرائيل هذه المواقف التي نتبناها أخطر عليها ممن يقصفونها بالأسلحة التي يسمونها صواريخ..

أعتقد أن الرئيس أبو مازن يقبل تصوري في القول رداَ على تساؤله “أن الذي على رأسه بطحه يتحسسها”.. وأن إسرائيل في موقفها الراهن بين حل الدولة وحل الدولتين وهي ترفض هذا وذلك.. كبالع الموس الذي لا يستطيع أن يخرجه أو يدخله..

ويؤكد أنه كلما تحركت عملية السلام خطوة للأمام استدار الأميركيون خلف الإسرائيليين خطوات إلى الوراء، فقد انقلبت الإدارة الأميركية التي وعدت في أنابوليس في أواخر عهد أوباما بوقف الاستيطان.. ثم وعدت ثم انقلبت.. ثم وعد ترامب بأنه يملك مبادرة العصر وأنه جاء بالعصا السحرية التي لم نرها حتى الآن.. ويبدو أن عصا إسرائيل لقفت ما فكر ترامب أن يصنعه ليتمخض الجمل الأميركي ويلد فأراً.. أغلقوا المكتب وقد أعتقدوا أننا سنذهب زاحفين مستسلمين، وحين أدركوا أننا لن نفعل ذلك وأن العالم يحمل تحفظنا ويشاطرنا القلق، تراجعوا وتوقفوا عن قرارهم .. لن يعزلونا .. وصمود شعبنا هو الأساس.. والسؤال أمام هذه السياسات المتطرفة.. من يعزل من؟؟ أليس هذا الموقف الأميركي الأخير مدعاة للتساؤل حول مدى نزاهة هذا الموقف وصلاحه أن يكون وسيطاً؟؟ لقد طلبت من مضيفنا الملك الإسباني على مائدة الغداء التي أقامها بحضور أكثر من (90) شخصية إسبانية كبيرة ومسؤولة ونافذة أن يعترفوا بالدولة الفلسطينية وأن يدعموا قضية شعبنا الذي كان وما زال ينشر السلام.. إننا آخر وطن في هذا العالم ما زال الاحتلال جاثماً عليه، وما زالت تمارس ضده قوانين وممارسات عنصرية.. وما زالت إسرائيل تضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية..

قلت له.. “والعرب.. وحماس.. و …”

تنهد.. وقال تعلمنا الدروس.. لا نريد أحداً أن يتدخل في شؤوننا إلا بقدر ما نؤمن أن التدخل هو تعاون وأخوة.. ونحن مع الأردن والأردن معنا.. نفس الخطوات.. وأضع جلالة الملك في التفاصيل ونحن نواجه نفس التحديات وطريقنا للخلاص نعرفه.. نسعى لإقامة دولتنا المستقلة على ترابنا الوطني وعاصمتها في القدس، وبعد ذلك نحن والأردن إطار واحد ومصير واحد .. لكننا وكذلك الأردن لن نقبل أي شكل يجري الحديث عنه قبل أن تتحقق الدولة المستقلة ولو ليوم واحد..

أما عن حماس.. فإنني كنت أعلم حجم العقبات الموضوعة في طريق ردم الإنقسام وما زالت مطالبنا منهم تراوح مكانها رغم حسن النوايا التي أظهرناها وعملنا من أجلها.. فحكومتنا كانت هناك ونحن نطالب أولاً وقبل كل شيء بتمكين الحكومة ثم فتح كل الملفات العالقة وأرتضينا مشاركة مصرية.. مظلة نتحدث تحتها في هذه القضايا، وما زلنا نصر على أن يكون لنا أمن واحد وبندقية واحدة وقرار واحد.. ليكونوا كما يشاؤون في المعارضة وفي البرلمان وفي الوصول إلى السلطة عبر الصناديق كما أثبتنا لهم من قبل في انتخابات عام 2006 لكننا لا نريد أن نكون واجهة وديكور “وبرداية” يغطون بها مواقفهم .. إنهم يدركون حجم الخطر الذي يواجه قضيتنا ويواجه غزة تحديداً، ولذا لا داعي للتحرك باتجاه الخارج واستمرار الاستقواء به من جانبهم.. استنفذوا العلاقات مع إيران حين أداروا ظهرهم لسوريا التي احتضنتهم طويلاً واستبدلوا الأبوة الإيرانية بالأبوة التركية حين فضلوا أن يكونوا أخواناً مسلمين أكثر من تفضيلهم أن يكونوا إلى جانب إخوتهم في السلطة والفصائل وكافة التشكيلات الفلسطينية ..

ما زال الاستقطاب قائماً، ورغم ذلك فقد واصلنا نضالنا بالأشكال التي نؤمن بها ومن خلال العالم وعبر الأمم المتحدة .. وأنجزنا وما زال أمامنا مشوار طويل في الانتصار لقضيتنا.. فماذا فعلوا حتى الآن ؟؟ ومتى يدركون انهم معنا أقوى بكثير من أن يستمروا على حالهم.. لقد اعتبرت أميركا وإسرائيل أن المصالحة مع حماس إرهاب، ولكننا فعلنا و ما زلنا نمد إيدينا، وهناك أطراف شيطنت حماس، ولكننا رفضنا ذلك، واعتبرناهم جزء من شعبنا، ولون من ألوان الطيف فيه، ونحن لسنا ضدهم إلا بمقدار ما يحاولون القسمة، والتشتيت، والخروج على الشرعية، وبيع القرار الفلسطيني لقوى إقليمية تؤثر على قرارنا وترهنه ..

لقد كابدنا الكثير ونحن نرى شعوب أمتنا تحترق وتتمزق وتركب البحار وتغرق أو تموت بلا دواء أو غذاء وقدمنا ما نستطيع.. لا أخفيك أنني أعطيت وكنت على استعداد دائماً لأن أعطي من فقدوا من العرب ديارهم بالهروب من الحريق في دولهم وخاصة الأطفال والنساء والمعوزين جوازات سفر فلسطينية وحين سمعت أيضاً فتاة سورية في الكويت تناشدني أن أعطيها جواز سفر وتقول: “عندكم أكثر أماناً يا أبو مازن”.. لقد آلمني ذلك وقد كان هناك من عاتبني من المسؤولين السوريين على ذلك قبل أن أبرر لماذا فعلت، ولماذا سأفعل.. لقد ساعدتنا سوريا دائماً.. ووقفت إلى جانب شعبنا ولم نشعر فيها بأي تمييّز وعاملتنا كما لو كنا سوريين وأرسلوا أبنائنا إلى التعليم والبعثات، فكيف ندير لهم الظهر حين تكون الحاجة إلى مواقفنا ماسة.. إننا نتألم لكل جرح عربي ولقد وقفنا إلى جانب سوريا وما زلنا نقف ولم ننقطع عنها، وكذلك نحن مع لبنان الذي لا ننسى فضل أهله وشعبه ونقدر سياساته ولا نتدخل فيها..

لقد كنت دائماً مع وحدة الصف العربي ومع تصفية الخلافات وضد سياسات المحاور.. ومع السلام والحوار، وقد لا تعلم أنني حين كانت الأمور تتعقد، كنت أتحرك دائماً حتى حين لم أكن في موقع المسؤول الأول فقد تحركنا باتجاه الأردن لأعزي في الملكة عليا عام 1977، حين كانت العلاقات معلقة واستقبلني الملك الراحل وتفاجأ بي آتي من الكويت.. كما أنني مارست النقد الذاتي الواسع على مواقف لنا في عام 1970 وما زال لدي الكثير لأقوله في أكثر من محطة يعوزها التفسير.. لقد كان لي موقف من فك الارتباط وأنا أتفهم الموقف الأردني، وردة الفعل فيه، وفي كثير من الأحيان كنت أنفرد للدفاع عنه، وتبيان أين المصلحة الفلسطينية في ذلك .. وكنت دائماً أجد التفهم لدى القيادة الأردنية سواء قيادة الملك الراحل الذي نعرف دوره، والملك عبدالله الثاني الذي يشاطرنا وجهة النظر، ونرى فيه سنداً وعوناً ..

الحديث مع الرئيس أبو مازن تناول قضايا أخرى عديدة ستذكر في مكان آخر وفي حلقة أخرى حتى لا يطول هذا المقال..

وإذا كنت في مقالي هذا قد نسبت شيئاً للرئيس أبو مازن لم يقله فيما استمعت إليه، فإن ذلك من اجتهادي وتصوري، فأنا لا أحمله إلا مقدار ما يقبل مما كتبت وللمجتهد نصيب إن أخطأ ومتطلع للنصيبين إن أصبت..

الاخبار العاجلة