إيران لا تزال تشكل تهديداً من وجهة نظر إسرائيل

21 يوليو 2016آخر تحديث :
إيران لا تزال تشكل تهديداً من وجهة نظر إسرائيل

هدأت طبول الحرب التي قرعتها إسرائيل ضد «خطة العمل المشتركة الشاملة» على مدى العام الماضي، ولكن ذلك لا يعني أنها عقدت صلحاً مع الاتفاق. إذ لا تزال إسرائيل تنظر إليه باعتباره صفقة تطرح إشكالية كبيرة، فضلاً عن كونها تشكل مخاطر طويلة المدى في المجال النووي وأخرى قصيرة ومتوسطة المدى في المجالات العسكرية الإقليمية والتقليدية. ولم تؤدي التطورات التي حصلت منذ شهر تموز/ يوليو 2015 سوى إلى تعزيز هذه المخاوف، ولم تخففها.

وفي هذا السياق، غالباً ما يتطرق مسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي أوباما إلى الاتفاق كما لو أنه يتمتع بدعم كبير في أوساط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. ففي جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي في أواخر شباط/ فبراير عالج وزير الخارجية الأمريكي جون كيري هذه النقطة بادعائه أن رئيس أركان “جيش الدفاع الإسرائيلي” الجنرال غادي آيزنكوت قد اعترف الشهر الماضي بأن الصفقة ألغت تهديداً وجودياً كان يتربص بإسرائيل. بيد أن التصريح الدقيق للجنرال الإسرائيلي قد أُخرج من سياقه وعُرض بشكل غير متّقن. فوفقاً لآيزنكوت، تشكّل الصفقة “نقطة تحول إستراتيجية” تشمل “العديد من المخاطر بل من الفرص أيضاً”. ففي حين أن التحدي النووي يُعتبر الآن طويل الأمد – أشار الجنرال إلى أنه “في غضون خمسة عشر عاماً … سيتوجب علينا إيلاء أولوية كبرى لرصد برنامج إيران النووي، وطرح الأسئلة حول القنوات السرية المحتملة” – فإن إيران ستهدد إسرائيل عبر «حزب الله» وعملاء آخرين على المدى القصير، وذلك على الأرجح من خلال زيادة تمويلهم وقدراتهم.

وفي الواقع، من وجهة نظر إستراتيجية إسرائيلية، التي تؤمن بها الغالبية العظمى من المؤسسة العسكرية، لا يزال المحور الذي تقوده إيران يشكل أخطر تهديد للأمن القومي الإسرائيلي، حتى أكثر من ذلك الذي يطرحه تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي حين أن هذا التنظيم لا يقل في معاداته لإسرائيل عن إيران وهو بالكاد يخضع للرقابة، فإن المحور الإيراني يتحرك تحت قيادة قوة إقليمية ذات ثقل كبير دمجت ما بين سعيها للهيمنة الإقليمية وبين طموحاتها النووية، إلى جانب تمتعها بأدوات للمضي قدماً في المشروعين على حد سواء. إلى جانب ذلك، لا تسمح طهران بالاضطرابات الإقليمية بتشتيت انتباهها عن معاداتها لإسرائيل، وهي تدعو علانية إلى تدمير البلاد مراراً وتكراراً مع تشجيعها المستمر للقوات العميلة المتحاربة في لبنان وسوريا وقطاع غزة.

ويعتقد الإسرائيليون أن إدارة أوباما لا تشاركهم هذا الإحساس بالتهديد بشكل كامل. كما أنهم يشعرون بقلق عميق إزاء ما يبدو أنه عبارة عن تآكل ذاتي في ردع الولايات المتحدة لإيران، بما في ذلك منذ اعتماد «خطة العمل المشتركة الشاملة»، مع إفساح واشنطن المجال مراراً لطهران لمتابعة سلوكها المزعزع للاستقرار من دون أن تترتب على ذلك عواقب وخيمة. وبالنسبة إلى إسرائيل، يبدو أن هذه الرؤيا جاءت كنتيجة تراكمية لعدة عوامل وهي: تركيز الولايات المتحدة (المفهوم) على قيادة ائتلاف مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو مصدر قلق مبالغ فيه حول إبعاد إيران عن «خطة العمل المشتركة الشاملة»، والميل الواضح إلى الاكتفاء بما حققته الصفقة. وإلى جانب نظرة الرئيس أوباما الأوسع للعالم – والتي تمثلت في دعوته الأخيرة للمملكة العربية السعودية وإيران إلى “تقاسم الجوار” – يتم تفسير السياسة الأمريكية كتحمّل الدور الإقليمي الإيراني المعادي على حساب حلفاء الولايات المتحدة التقليديين.

 المجال النووي

في الخطاب الذي ألقاه مؤخراً في “مؤتمر هرتسيليا” [في إسرائيل]، أشار مدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللواء هرتسي هاليفي، إلى أن البرنامج النووي الإيراني “محدود على مدى السنوات القادمة، بيد أن الرؤية النووية لا تزال قائمة”. وفي الواقع، من الصعب العثور على شخص في أوساط صناعة القرار والدفاع الإسرائيلية الذي يؤمن بأن طهران قد تخلت عن طموحاتها النووية. ويعترف الإسرائيليون بأن «خطة العمل المشتركة الشاملة» تؤدي إلى تراجع القدرات النووية الإيرانية، من خلال كسب عدد من السنوات القيّمة، ولكن هذه القيود ستُرفع مع الوقت، كما أنه قد سُمح لإيران بالحفاظ على نسبة كبيرة من بنيتها التحتية النووية.

لا بد من الإشارة إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية تقدّر أن إيران ستلتزم إلى حد كبير بشروط الاتفاق على مدى السنوات القليلة المقبلة من أجل جني أكبر قدر ممكن من الفوائد. لكن بعد ذلك من المرجح أن تبدأ باختبار حدود الاتفاق، وخصوصاً بعد “يوم الانتقال”، المقرر في موعد أقصاه تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفي هذه المرحلة يُفترض أن تُصْدِر «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» “خلاصة أوسع” بأن جميع المواد والمنشآت النووية الإيرانية هي لأغراض سلمية، وأنها لا تنخرط في أي أنشطة نووية غير معلنة.

وحتى إذا استمرت إيران في الامتثال طوال مدة الاتفاق، إلا أن إسرائيل تشعر بقلق بالغ من العواقب التي ستشهدها بعد عشرة إلى خمسة عشر عاماً من الآن. فبحلول ذلك الوقت، سيكون قد تم رفع معظم القيود المفروضة على البرنامج النووي وستتقلص فترة اختراق إيران للعتبة النووية نحو المواد المستخدمة في صنع الأسلحة النووية إلى أسابيع، ثم إلى أيام. ولا يراهن الإسرائيليون بأموالهم على أن الصفقة ستؤدي إلى حدوث تحوّل في [نظرة] الجمهورية الإسلامية، وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي سيردع إيران بعد أن تكون مخوّلة بعبور العتبة النووية من فعل ذلك عندما تنتهي غالبية شروط الاتفاق؟ في هذا الإطار، لا يمكن ضمان ردع كافٍ من قبل الولايات المتحدة، لذا تعتقد إسرائيل أنه يجب عليها تعزيز قدراتها الذاتية للتعامل مع هذا التهديد المستقبلي الخطير. وحالما تم التوصل إلى «خطة العمل المشتركة الشاملة»، أصدر “جيش الدفاع الإسرائيلي” أول ورقة استراتيجية ينشرها للعلن على الإطلاق. وعلى الرغم من أن الوثيقة لا تشير مباشرة إلى التهديد النووي الإيراني (وذلك بشكل أساسي لأن “جيش الدفاع الإسرائيلي” لا يتوقع أن يبرز هذا الخطر في السنوات القليلة المقبلة)، إلا أنه من الواضح أنها تأخذ هذا التهديد بعين الاعتبار حين تدعو إلى تعزيز الردع والحفاظ على حالة التأهب لمواجهة ضربات استباقية محتملة ضد “البلدان التي لا تربطها بإسرائيل حدود مشتركة”.

إن تصرّف «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» و مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» خلال العام الماضي لم يؤدِ سوى إلى ازدياد مخاوف إسرائيل طويلة المدى. ففي كانون الأول/ ديسمبر أغلق مجلس محافظي «الوكالة» التحقيق حول “الأبعاد العسكرية المحتملة” للأنشطة النووية الإيرانية السابقة، على الرغم من “التقييم النهائي” لـ «الوكالة» الذي يدين إيران والذي سبق هذا القرار. ومنذ ذلك الحين، تضمنت تقارير «الوكالة» تفاصيل أقل من تلك التي صدرت قبل التوصل إلى «خطة العمل المشتركة الشاملة»، الأمر الذي أدى إلى تراجع الثقة في نظام الرصد. وفي الوقت نفسه، يبدو أن إيران واصلت جهودها لشراء التكنولوجيا والمواد النووية غير المشروعة (مثل ألياف الكربون التي تستخدم لتصنيع مراوح الطرد المركزي)، وبالتالي جمدت قناة المشتريات المتفق عليها من أجل المواد ذات الاستخدام المزدوج.

 المجال غير النووي

منذ وضع اللمسات الأخيرة على «خطة العمل المشتركة الشاملة»، عززت إيران بشكل كبير ميزانية الدفاع الخاصة بها، وأطلقت موجة من شراء الأسلحة في روسيا، وبدأت بقبول عمليات تسليم مكونات صواريخ أرض-جو من طراز “إس-300” من موسكو. بالإضافة إلى ذلك، اختبرت تجارب إطلاق صواريخ بعيدة المدى، مما شكل انتهاكاً لروح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 ولم يترتب عن ذلك أي عواقب عليها.

وفي الوقت نفسه، كانت إسرائيل تتابع عن كثب أنشطة إيران في سوريا المجاورة لها. وفي حين لا تتمتع إسرائيل بمصلحة في الانجرار إلى تلك الحرب، إلا أنها لا تريد أن ترسخ إيران وجوداً دائماً سائداً لها في سوريا، لأن ذلك يمكن أن يسمح لطهران بالاستمرار بتسليح «حزب الله» وإنشاء جيش نشط أو جبهة إرهابية، وخاصة في هضبة الجولان. وقد أحبطت إسرائيل بالفعل محاولات عديدة لنقل أسلحة استراتيجية إلى «حزب الله» في لبنان عن طريق سوريا. وفي كانون الأول/ديسمبر، أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً بهذه الإجراءات للمرة الأولى. كما اتخذت إسرائيل خطوات لإحباط التحركات العدائية من قبل إيران وعملائها في جنوب سوريا، من بينها القصف في منطقة الجولان في كانون الثاني/يناير 2015 الذي أسفر عن مقتل جنرال من «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني وعدد من عناصر «حزب الله». وحتى الآن، قيدت إجراءات منفصلة اتخذتها إسرائيل وجماعات الثوار السورية على طموحات إيران في الجنوب، لكن من الممكن إثارة هذه الطموحات من جديد، لذلك فإن إسرائيل مستعدة لاتخاذ المزيد من الإجراءات الاستباقية والوقائية إذا لزم الأمر.

وفي العام الماضي، ناقشت إسرائيل هذه المخاوف مع روسيا، في الوقت الذي أقامت فيه الدولتان آلية فعّالة لتفادي التعارض والاحتكاك في سوريا. وخلال لقاءاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثار نتنياهو موضوع التفاهمات حول “الخطوط الحمراء” الإسرائيلية، من بينها التهديدات التي تطرحها إيران و «حزب الله» في الجولان فضلاً عن عمليات نقل الأسلحة الإستراتيجية.

ومن الناحية العسكرية، لا يزال «حزب الله» يشكل التحدي الأكبر لإسرائيل نظراً إلى ترسانته الضخمة التي تضم أكثر من 100 ألف صاروخ. ولا يعتقد الإسرائيليون أن الحزب يسعى إلى مواجهة عسكرية أخرى في الوقت الحاضر نظراً إلى استثماراته الكبيرة في الحرب في سوريا، والتحديات الداخلية التي يواجهها في لبنان، وعملية الردع الإسرائيلية الناجحة منذ حرب عام 2006. وفي الوقت نفسه، بدأت [ميليشيات] الحزب تتحول إلى جيش محترف في الوقت الذي تكتسب فيه خبرة عسكرية قيّمة في سوريا وتواصل تلقي السلاح من إيران. من جهتها، تحذر الاستخبارات الإسرائيلية من استخدام إيران لبعض الأموال المكتسبة من رفع العقوبات النووية لتزويد «حزب الله» بمزيد من الصواريخ المتطورة، مشددة على تحسين دقة هذه الصواريخ والتي يمكن أن تمكّنها من ضرب أهداف عسكرية ومدنية حساسة في إسرائيل. ومؤخراً، تفاخر نائب قائد «الحرس الثوري» الإيراني بأن ترسانة الصواريخ الضخمة في لبنان ستساعد على تدمير إسرائيل، في حين حذر جنرالات “جيش الدفاع الإسرائيلي” علناً من إلحاق دمار ساحق بلبنان إذا ما حاول «حزب الله» اختبار إسرائيل مجدداً.

كما أن بصمات إيران واضحة أيضاً في غزة. ففي حين توترت علاقتها مع حركة «حماس» في السنوات الأخيرة بسبب الخلافات السياسية حول سوريا، لم توقف طهران دعمها العسكري للحركة (أو غيرها من الفصائل في غزة) بشكل كامل، واستمرت في تهريب الأسلحة إلى القطاع ومساعدة السكان المحليين على تطوير صناعة الدفاع المتواضعة الخاصة بهم. من جانبه، سعى الجناح العسكري في «حماس» باستمرار إلى إقامة علاقات أوثق مع إيران، كما أن القيادة السياسية للحركة أشارت مؤخراً إلى خطوة في هذا الاتجاه، حين خرج نائب رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» موسى أبو مرزوق عن مساره المعتاد عبر الثناء على دعم طهران الذي لا مثيل له.

وأخيراً وليس آخراً، فإن الهجمات الإلكترونية الإيرانية على إسرائيل لم تتراجع في ظل «خطة العمل المشتركة الشاملة». ففي كانون الثاني/ يناير، شهدت إسرائيل واحدة من أكبر هذه الهجمات على شبكة الكهرباء، والتي يعتقد أنها مرتبطة بإيران. وفي تصريحات تسربت من اجتماع مغلق عُقد بعد وقت قصير من التوصل إلى «خطة العمل المشتركة الشاملة»، أفادت بعض التقارير أن اللواء هاليفي قال: “إذا سألْتني عما إذا كنا سنشهد حرباً مع إيران في السنوات العشر القادمة، سأفاجئك بردّي بأننا بالفعل في حرب مع إيران، وهي حرب تكنولوجية”. كما وحذر بأن إيران تغلق الفجوة مع إسرائيل في هذه الحرب.

 المحصلة:

نظراً إلى عدم وجود تطمينات حول التهديدات الإيرانية والردع الأمريكي ضدها، تولت إسرائيل زمام الأمور بعد إقرار «خطة العمل المشتركة الشاملة» في محاولة لتعزيز موقفها الإقليمي. إذ أقامت علاقات عمل ودية مع موسكو، وتوصلت إلى اتفاق مصالحة مع تركيا، والأهم من ذلك أنها تقرّبت إلى الأطراف العربية الرئيسية التي تشاركها القلق، مما أدى إلى تعاون أمني غير مسبوق.

أما بالنسبة إلى العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، فقد أعربت إسرائيل عن قلقها إلى أقصى حد في الحوار بشأن مذكرة التفاهم حول صفقة مساعدات عسكرية جديدة لمدة عشر سنوات إلى إسرائيل. وعلى الرغم من حرص حكومتي البلدين على عدم وضع المذكرة في إطار “التعويض” عن صفقة إيران، بيد أن هذه المذكرة مصممة بوضوح لمعالجة الشعور بالتهديد الذي تراه إسرائيل في مواجهة إيران وعملائها، وخاصة في مجالات القدرات الجوية والدفاع الصاروخي والاستخبارات والقدرات الإلكترونية. وبالتالي، فمن مصلحة الطرفين إبرام مذكرة التفاهم في أقرب وقت ممكن.

واستشرافاً للمستقبل، على إسرائيل وواشنطن (ربما في ظل الإدارة المقبلة) أن تفكرا في إقامة حوار وتأسيس مجموعات عمل على مستوى عال وعلى نطاق واسع حول التحديات الطويلة والقصيرة الأجل التي تطرحها إيران. وينبغي أن تركز هذه المناقشات على تعزيز الردع النووي وغير النووي على حد سواء، وتعريف الانتهاكات الإيرانية لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» ونتائجها، وتحديد التدابير الملموسة على المدى القصير التي يجب اتخاذها لمواجهة التحدي النووي على المدى الطويل، ومعالجة التهديد العسكري الذي يطرحه «حزب الله»، وتعريف المجالات التي قد تتقارب فيها المصالح الثنائية أو تتباعد في المنطقة. وفي هذا السياق، يُعتبر تحسين العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب من الأصول الهامة بالنسبة إلى الولايات المتحدة أيضاً، حيث توفر خيارات إضافية في منطقة مضطربة تطغى عليها الطموحات الإيرانية.

إعداد: مايكل هيرتسوغ، عميد (متقاعد) في “الجيش الإسرائيلي” وزميل “ميلتون فاين” الدولي في معهد واشنطن.

 معهد واشنطن لساسة الشرق الأدنى

الاخبار العاجلة