الرياض- صدى الاعلام
من المستبعد أن تنتهي قضية معتقلي فندق “ريتز كارلتون” مع إغلاق أبوابه، بعد مساومات وتسويات مالية مقابل إطلاق سراح عدد كبير منهم، وافقوا على ذلك مقابل حريتهم.
أمراء ووزراء سعوديون وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها محاطين بهيئة لـ”مكافحة الفساد”، بعد قرار ملكي في 3 نوفمبر الماضي، أفضى لأوسع حملة اعتقالات غير مسبوقة في تاريخ المملكة.
معظم هؤلاء خرجوا إلى الحرية بعد نحو 3 أشهر من بدء حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات السعودية ضد من تتهمهم بالفساد، في حين تقول النيابة العامة السعودية إن نحو 95 شخصاً لا يزالون محتجزين.
هذا الرقم الأخير تغيّر عقب الإفراج عن أحدث دفعة من المعتقلين، إذ تحدّث مصدر رسمي سعودي رفض كشف اسمه عن أن عدداً من كبار رجال الأعمال توصلوا إلى تسويات مالية مع السلطات السعودية، بينهم الأمير الوليد بن طلال، بحسب ما أفادت عائلته.
المصدر قال إن من بين المفرج عنهم: مالك مجموعة “أم بي سي” وليد الإبراهيم، ورجل الأعمال فواز الحُكير، ورئيس الديوان الملكي السابق خالد التويجري، والرئيس السابق لهيئة حماية البيئة تركي بن ناصر.
ويمشي الوقت بطيئاً في إنهاء “قضية الريتز” وسط اعتراض من المتبقين على التهم الموجهة إليهم، ورفضهم الخروج مقابل تسويات مالية؛ فبعضهم يعتبر ذلك تثبيتاً لـ”تهمة باطلة”، لا سيما أنهم يتمتعون بمكانتين محلية وعالمية قويتين.
لكن الناظر إلى قائمة المعتقلين والمفرج عنهم يجد أن عدداً كبيراً منهم يشغلون مناصب فاعلة محلياً ودولياً، وبعضهم يشكّل مفاصل دولة وقوة سياسية واقتصادية وإعلامية وتجارية.
ويتساءل البعض جزافاً فيما يتعلق بالأشخاص المطلق سراحهم، وإن كانوا يريدون فعل شيء منظم انتقاماً من اعتقالهم وتشويه صورتهم أمام العالم أجمع، لا سيما أن الهدف من الحملة بات واضحاً للكثيرين، بعد أن أعلنت السعودية عزمها الحصول على نحو 100 مليار دولار من التسويات.
ناشطون اتّهموا السلطات السعودية بأنها لا تملك أدلة على تورّط مسؤولين وأمراء بقضايا فساد، إلا أنها اختارت إطلاق سراحهم بعد التوصّل إلى تسويات مالية، وهو ما يراه كثيرون هدفاً مبطّناً للحملة.
ويقول مراقبون لحملة الاعتقالات السعودية، إنه في حال فكّر هؤلاء المفرج عنهم في الانتقام؛ فإن ذلك سيشكّل هزة قوية للمملكة، لا سيما أن مجموع مناصبهم يمكن اعتباره دولة بحد ذاتها.
وتعتبر قوة أي دولة أحد أهم الدعائم والركائز التي تنبني عليها العلاقات الدولية، خاصة إذا كان القائمون عليها أصحاب مناصب سيادية ومالية وإعلامية قوية، وترتبط بقاعدة جماهيرية شعبية ودولية.
وفي التدقيق بقائمة المتعلقين والمفرج عنهم، سنجد أن من بينهم الأمير الوليد بن طلال، الابن الثاني للأمير طلال بن عبد العزيز، وهو رجل أعمال يعد من أكبر المستثمرين في العالم، ومدير شركة المملكة القابضة (كبرى شركات السعودية).
وتضم القائمة كذلك الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني، والأمير تركي بن عبد الله الأمير السابق لمنطقة الرياض، وخالد التويجري الرئيس السابق للديوان الملكي، وجميعهم أُفرج عنهم بعد شهرين من الاعتقال.
القائمة شملت أسماء أخرى؛ منها عادل فقيه وزير الاقتصاد والتخطيط، وإبراهيم العساف وزير المالية السابق، وعبد الله السلطان قائد القوات البحرية، وبكر بن لادن رئيس “مجموعة بن لادن”، ومحمد الطبيشي الرئيس السابق للمراسم الملكية في الديوان الملكي، وغيرهم.
هؤلاء جميعاً وجهت لهم تهم تشمل استغلال النفوذ الوظيفي، والاستفادة الشخصية من صفقات أسلحة، وترسية عقود في مقابل رشى، وتوقيع صفقات غير نظامية، وغسل أموال.
لكن السؤال حول هؤلاء، سواء الذين لا يزالون معتقلين أو أولئك المفرج عنهم، سيتمحور هل سيكملون حياتهم بشكل عادي مع عودة لمناصبهم، أم أن هناك احتمالاً لاستثمار مناصبهم في تشكيل قوة تنتقم لاعتقالهم؟
ولا شك أن اعتقال هذه المناصب الوازنة، واتهامهما بـ”الفساد”، يحمل بشكل أو بآخر إهانة لهم، خاصة أن بينهم أمراء ووزراء ورجال أعمال على مستوى العالم.
وثمة سؤال آخر؛ كيف ستتعامل السلطات السعودية معهم بعد الإفراج عنهم؟ وهذا يحتمل إجابات مختلفة تتنوع بين إمكانية الإقامة الجبرية، أو اخفائهم عن الإعلام، وربما التجاهل أو استمرار اعتقال بعضهم بتهم مقنعة.
وبعض من اتهمهم بن سلمان بالفساد واختلاس الأموال، وجدوا أنفسهم أمام حياة تبدو عادية بعد الإفراج عنهم، لا سيما أن وزيراً عاد إلى منصبه (إبراهيم العساف)، وأميراً لقي نفسه في أحضان بن سلمان مُرحّباً به (متعب بن عبد الله).
وشنّت السلطات السعودية حملة اعتقالات غير مسبوقة في تاريخ المملكة، طالت أكثر من 200 شخص؛ بينهم أمراء ورجال أعمال ووزراء ومسؤولون.
وبدأت الحملة بعد إصدار العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، في 4 نوفمبر، أمراً ملكياً أعلن فيه تشكيل لجنة خاصة برئاسة ولي العهد، محمد بن سلمان، “للتصدّي للفاسدين”.