إبراهيم يقلب الحقائق

1 مارس 2018آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

عمر الغول-الحياة الجديدة

سهل على أي من الكتاب اللجوء لسياسة الشتم والردح لكائن من كان. ولكن هذا أسوأ أسلوب في مناقشة ودحض الرأي الآخر، حتى لو كان الآخر يعلم انه يزور الحقائق، ويتطاول على الحقوق الوطنية والإنسانية، وحتى لو كان الكاتب يعلم أن الشخص الآخر مرتبط مع جهات أجنبية. لذا لتنفيد الرأي الآخر يتوجب اعتماد الحوار العلمي والمنطقي المرتكز على الحقائق والوقائع لوصمه بما يستحق.

عطفا على ما تقدم، ساتناول هنا مقابلة مع سعد الدين إبراهيم، رئيس مجلس أمناء مركز بن خلدون مع جريدة “المصريون” يوم الثلاثاء الموافق 27 شباط الماضي، التي تطاول فيها على الشعب الفلسطيني، وأنكر الحقائق، وانحاز بشكل فاضح لدولة الاستعمار الإسرائيلية، عندما أجاب على سؤال بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قائلا إن “وجود إسرائيل في فلسطين بات حقا استحقاقيا”، لأنهم جاءوا وبنوا وعمروا، والدليل- بحسب وجهة نظره– إنشائهم لمجتمعات حديثة وجامعات، تكاد تكون أقدم من جامعة القاهرة”. والأنكى مما تقدم ليّ عنق الحقيقة، حين أكد كذبا وافتراء على الشعب الفلسطيني قائلا “إن الإسرائيليين يريدون أن يعيشوا مع الفلسطينيين، إلا ان الأخيرين يرفضون”.

وواصل التجني على الوقائع والحقائق الدامغة في مكان آخر عندما استخدم رفض الفلسطينيين لقرار التقسيم 181 الصادر عام 1947 في حينه بشكل عدواني، لإسقاط مواقفه المتساوقة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، فقال: “إن الإسرائيليين أرادوا أن يعيشوا مع الفلسطينيين، ولكن الشعب الفلسطيني والعربي رفض ذلك بما يعرف ب”قرار التقسيم”، ولكن الآن للأسف نسعى إليه”.

وبالتوقف أمام ما جاء على لسان سعد الدين إبراهيم نلاحظ التالي، أولا- لم يحرص المذكور على التمييز بين الوجود الطبيعي والوجود الاستعماري. ثانيا- غيِّب عن سابق تصميم وإصرار دعم دولة الانتداب البريطاني غير المحدود للحركة الصهيونية تنفيذا لوعد وزير خارجيتها بلفور في نوفمبر 1917 في بناء “الوطن القومي” لليهود في فلسطين العربية، ولم يشر لتسهيلات بريطانيا الممنهج لموجات الهجرة الصهيونية من دول العالم لفلسطين، وإسهامها في إنشاء المؤسسات الأكاديمية والصناعية والزراعية في فلسطين في ثلاثينيات القرن العشرين وقبل نشوء إسرائيل ذاتها بعقدين. ثالثا- وتجاهل بشكل متعمد التطور المجتمعي الحضري في أوساط الشعب العربي الفلسطيني، الذي كان يعتبر منارة وعلى كل الصعد والمستويات التربوية والثقافية والفنية والإعلامية والصناعية في الإقليم عموما. وكأنه أراد بقوله عن بناء الإسرائيليين الصهاينة “لمجتمع حديث”، على اعتبار أن الفلسطينيين كانوا في طور البداوة. رابعا- لم يميز رئيس مجلس أمناء مركز بن خلدون التعايش، الذي كان سائدا بين ابناء الشعب الفلسطيني على أرض وطنه الأم فلسطين من اتباع الديانات المختلفة قبل قيام دولة إسرائيل، وبين صراع الشعب الفلسطيني مع المشروع الكولونيالي الصهيوني منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى يوم الدنيا هذا. خامسا- أغمض سعد الدين إبراهيم عينيه عن دور أهل النظام العربي الرسمي في نكبة الشعب العربي الفلسطيني، ولم يحاول إنصاف الشعب الفلسطيني. سادسا- تطاول على الحقائق بشكل سافر، حين تجاهل دعم الأقطاب الدولية لإقامة دولة إسرائيل على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، ومنحوا الصهاينة، الذين لم يتجاوز عددهم عام 1948 ال600 ألف صهيوني مساحة تصل ل56% من فلسطين التاريخية، وفرضوا على ابناء الشعب العربي الفلسطيني أصحاب الأرض والتاريخ والهوية، وهم الأكثرية، حيث كان عددهم آنذاك يصل إلى ما يزيد عن المليون و200 الف فلسطيني مساحة بالكاد تصل إلى 43%. ومع ذلك لم يطبقوا قرار التقسيم، وسمحوا لإسرائيل بالتمدد لتقيم دولتها الاستعمارية على مساحة 78% من فلسطين، مع أن النقطة (ج) من قرار التقسيم، تقول إن الأمم المتحدة ستتصدى بالسلاح لأي دولة تعتدي على أراض الدولة الأخرى. ولكن عندما تمددت إسرائيل صمتت الأمم المتحدة صمت القبور. بتعبير آخر ايها المتواطئ مع إسرائيل لم تكن هناك إرادة دولية ولا إرادة عربية لإقامة الدولة الفلسطينية. سابعا- قلبت الحقائق رأسا على عقب، ولم تسعفك الشجاعة، لأنك لا تمتلكها، عندما ادعيت زورا وبهتانا “أن الإسرائيليين يريدون أن يعيشوا مع الفلسطينيين، إلآ ان الآخرين يرفضون”، كيف؟ وعلى أي أساس تدعي ذلك؟ وأنت تناقض نفسك في الشق الأخير، حينما قلت “ولكن للأسف الآن نسعى إليه، وتسعى إليه الدول العربية”. إذا من الذي يرفض التعايش؟ وهل كان مطلوبا من الفلسطينيين في العام 1947 القبول بقرار التقسيم؟ بأي معيار وأي اساس أخلاقي أو سياسي او ديني يمكن لشعب من الشعوب قبول تقسيم وطنه الأم، ولصالح حركة استعمارية رجعية؟ ورغم ذلك ارتفع صوت في اوساط الفلسطينيين، وطالب بقبول التقسيم، ولكن حتى لو قبل كل الشعب العربي الفلسطيني آنذاك التقسيم، لما قامت الدولة الفلسطينية العربية، لأن العديد من قادة العرب في ذلك التاريخ وقبله تنازلوا وباعوا فلسطين، ولم تكن الإرادة الدولية معنية بإقامة الدولة الفلسطينية، بقدر ما هي معنية بإقامة دولة الاستعمار الإسرائيلية. ولكن هذا شيء والواقع الآن شيء آخر، فمنذ 1974 والشعب الفلسطيني يقبل ليس بقرار التقسيم عام 1947، ولكنهم يقبلون بقرار 242 و338 وآخرها 2334 الصادر نهاية عام 2017، اي يقبلون بدولة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، ومع ذلك ترفض إسرائيل، وترفض دفع استحقاق السلام والتسوية السياسية وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

سعد الدين إبراهيم- رئيس مجلس أمناء مركز ابن خلدون- جانبت الصواب، ولم تملك ناصية العلم والوقائع التاريخية للدفاع عن تساوقك مع المشروع الصهيوني الاستعماري، ولم يخطئ ابناء الشعب الفلسطيني، عندما هتفوا ضدك في جامعة تل ابيب قبل شهر من الآن، واتهموك بالتطبيع، ونسوا اتهامك بما هو أكثر من ذلك، ولكن نترك للتاريخ أن يحدد مكانك بين أقرانك من باعة الأوطان، الذين ارتضوا أن يكونوا أدوات رخيصة بيد المستعمرين، لأن ما قدمته ليس وجهة نظر، بل مرافعة سياسية، دفاعا عن المستعمر الإسرائيلي

الاخبار العاجلة