بقلم: خليل حسين عن الخليج الإماراتية
لم يتغير بنيامين نتنياهو منذ عشرين سنة، بل الأقرب إلى القراءة المنطقية، أن العالم تغيّر من حوله، ومنها موسكو تحديداً. كما أن العلاقات «الإسرائيلية» – الروسية، لم تكن يوماً ذات طابع توتري، أو حتى غير دافئة، ولو في عز تشابك المصالح. وليس مصادفة أو لظروف عرضية أن يقوم نتنياهو بزيارته الرابعة إلى موسكو في خلال عام واحد، وهي زيارات لافتة في زمانها ومعانيها، في ظل أزمات المنطقة ومنها الأزمة السورية تحديداً.
فروسيا التي ابتعدت في العقد الأخير من القرن العشرين عن السياسات الفاعلة في الشرق الأوسط، ظلت فيها موسكو العين الشاخصة نحو تل أبيب، بالنظر لحجم الهجرة اليهودية السابقة إلى «إسرائيل»، كما لم تخفِ «إسرائيل» اندفاعها غير المعلن نحو روسيا، ذلك لإمكانية تقاطع العلاقات والمصالح المشتركة. وما عزز هذا التوجه «الإسرائيلي» الحالي، نوعية وحجم التدخل الروسي الأخير في الأزمة السورية، بعدما باتت روسيا لاعباً مقرِّراً في ثنايا الأزمة السورية، ومجموعة الأزمات الإقليمية المتفرعة عنها.
فما يهم تل أبيب، وبحسب التصريحات «الإسرائيلية» المعلنة، هو من مستوى المطالب التكتيكية العادية في أي علاقات ثنائية، كرسم أطر المصالح المشتركة مثلاً في سوريا، ورسم بعض الخطوط الحمر في دوائر الحراك الثنائي في الشق الأمني والعسكري، وغيرها من القضايا والمسائل ذات الطابع التكتيكي الذي تفرضه بعض المتغيرات غير الرئيسية الجارية حالياً.
إلا أن المعلن من هذه الزيارات شيء والمضمر فيها شيء آخر، ف «إسرائيل» عملياً، ليست بحاجة ماسة لهذا الحجم من الاندفاع الدبلوماسي باتجاه موسكو، إلا إذا كانت ثمة مطالب من الوزن الاستراتيجي، المتعلق بمستقبل «إسرائيل» ودورها، وحتى حجم الفواعل التي تحكم جغرافيتها السياسية، ومنها سوريا على سبيل المثال لا الحصر؛ أي بمعنى آخر، إن مجمل الوضع المتفرع عن الأزمة السورية منضبط وفقاً للقراءة «الإسرائيلية»، لكن ما هو مجهول أو ما ترغب به «إسرائيل»، هو التأثير في الدور الروسي في الأزمة السورية ومستقبل النظام فيها. وبالتالي إن أحد أهداف نتنياهو الاستراتيجية، هو تأمين صورة واضحة حول هوية ودور النظام مستقبلاً، وقراءته للصراع العربي – «الإسرائيلي» ومندرجاته.
إن الحجم الذي تموضعت فيه موسكو في سوريا، وتحديداً عبر القرار الدولي 2254، أعطاها دفعاً مقرِّراً في مستقبل هوية النظام المستقبلية، بخاصة ما سُرِّب في الأسابيع الماضية عن صياغات دستورية ترسم ملامح النظام السياسي السوري داخلياً، وبالتالي ما سيتركه من انعكاسات على السياسات الخارجية، كل ذلك، جذب نتنياهو إلى موسكو في رحلته الرابعة علَّه يتمكن من التأثير في الموقف الروسي في الجانب المتعلق ب «إسرائيل» ومستقبل التسويات المفترضة.
ف «إسرائيل» اليوم وروسيا أيضاً، هما غير ما كانتا عليه قبل نصف قرن من الزمن، كانت «إسرائيل» في عز عزلتها الدولية بعد نكسة العرب العام 1967، وكان الاتحاد السوفييتي الداعم الأول للعرب في اللاءات الثلاث المشهورة، (لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف). اليوم موسكو وتل أبيب هما أقرب من أي وقت مضى للتفاهم إن لم يكن التحالف حول قضايا استراتيجية مشتركة، بصرف النظر عن بعض العلاقات الروسية – العربية التي يحلو للبعض قراءتها بأصوات وردية مرتفعة.
يقف العرب اليوم عند مفترق حساس في علاقاتهم الدولية مع بعض القوى الكبرى ومنها موسكو، في وقت لم يعد للعرب القدرة على التأثير لا في السياسات الإقليمية ولا حتى في السياسات المتعلقة بهم، في حين تمكنت «إسرائيل» في خلال نصف القرن نفسه، من التفلت من العزلة وفرض سياساتها ومشاريعها، حتى على قوى كان العرب حتى الأمس القريب يعتبرونها حلفاء تقليديين كموسكو مثلاً.
في الأسبوع الماضي، وبمناسبة زيارة نتنياهو إلى موسكو، قدمت هذه الأخيرة أيقونة التحف العسكرية العربية إلى نتنياهو كهدية ذات دلالات رمزية هائلة، وهي إحدى دبابات الميركافا التي غنمها الجيش السوري في البقاع اللبناني، إبان الاجتياح «الإسرائيلي» في العام 1982، أهداها الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد إلى القيادة السوفييتية، فهل مازال العرب يعتقدون ويتمسكون بالمثل القائل «إن الهدية لا تُهدى»، لقد تغيّر العالم كله حول العرب، لكنهم مازالوا يعتقدون عكس ذلك!