من صموئيل الى فريدمان.. الهدف ذاته

26 مارس 2018آخر تحديث :
من صموئيل الى فريدمان.. الهدف ذاته

بقلم: باسم برهوم – عن الحياة  الجديدة 

موقف الرئيس محمود عباس القوي والواضح من سفير ترامب الصهيوني المتطرف دافيد فريدمان، لم يكن تعبيرا عن احباط أو يأس، بل هو تعبير عن عدم رضوخ وخضوع الشعب الفلسطيني لادارة أميركية تتبنى فكرة تصفية القضية الفلسطينية وتعمل على تحقيقها. الرئيس بهذا المعنى اتخذ موقفا من تاريخ استعماري جاوز مئة عام، تاريخ ينكر وجود فلسطين، وينكر وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية في وطنه.

الرئيس أراد في موقفه هذا ان يختصر به زمنا حالك الظلمة حل على الشعب الفلسطيني، زمنا بدءا بوعد بلفور، وتعيين بريطانيا للصهيوني هاربرت صموئيل مندوبا ساميا لها في فلسطين ليقود عملية تنفيذ هذا الوعد. هذا الزمن يتواصل اليوم بأبشع صوره مع سفير ترامب الصهيوني فريدمان، الذي جاء الى فلسطين ليحاول تصفية القضية الفلسطينية نهائيا هذه المرة.

موقف الرئيس بهذا المعنى هو رفض للظلم والامعان بالظلم، هو تعبير عن موقف تاريخي في لحظة مصيرية، إما ان نكون من خلالها أو لا نكون، فالموقف الحاد موجه للمستقبل أكثر ما هي للحاضر.

من صموئيل الصهيوني البريطاني الى فريدمان الصهيوني الأميركي الهدف واضح وهو ذاته، الغاء وجود الشعب الفلسطيني سياسيا وانسانيا وحضاريا. دور صموئيل في حينه لم يبدأ من لحظة تسلمه لمنصبه في فلسطين عام 1920، فهذا الصهيوني شارك في صياغة وعد بلفور وعمل على اصداره، ولاحقا ساهم بصياغة “صك الانتداب” الذي تبنى الوعد وشرعن تنفيذه في فلسطين. صموئيل لعب دورا كبيرا في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919 الى جانب الوفد الصهيوني برئاسة وايزمان، كل ذلك من أجل ان يكون هدف انتداب بريطانيا لفلسطين هو تنفيذ وعد بلفور، واقامة الوطن القومي اليهودي.

خلال السنوات الخمس التي كان فيها مندوبا ساميا، حرص صموئيل على سن كل التشريعات والقوانين التي من شأنها تسهيل الهجرة اليهودية ومصادرة الأراضي الفلسطينية وبناء المستعمرات عليها. في زمنه ارتفع عدد المستعمرات الصهيونية في فلسطين من 44 الى 100 مستعمرة. هذا الصهيوني وحتى بعد تركه لمنصبه الرسمي عاد الى فلسطين ليرأس الجامعة العبرية التي كلفت بصياغة الرواية الصهيونية التاريخية، وعاد ايضا ليرأس شركة كهرباء فلسطين، ليشرف بنفسه على توفير البنى التحتية في المستعمرات.

اليوم يكمل الصهيوني دافيد فريدمان المهمة نفسها، فهذا المستوطن كان له دور في اصدار اعلان ترامب باعتبار القدس عاصمة لاسرائيل، ودور في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس. جاء فريدمان الى فلسطين سفيرا أميركيا لينفذ اعلان ترامب فعليا على أرض الواقع، جاء وأمام عينيه مهمة واحدة هي تصفية القضية الفلسطينية، عبر تصفية عناصرها الرئيسة، القدس واللاجئين، واعطاء الشرعية الكاملة للاستيطان، وإنهاء حل الدولتين.

في مطلع عشرينيات القرن العشرين ادرك الشعب الفلسطيني خطورة وجود هاربرت صموئيل على أرضه، فأعلن رفضه لوعد بلفور والهجرة اليهودية والاستيطان الصهيوني. جسد الفلسطينيون رفضهم هذا في هبات وانتفاضات وثورات، قاوموا الاستعمار المزدوج البريطاني الصهيوني بكل ما لديهم من قوة، وقدموا في سياق ذلك التضحيات الجسيمة الى ان حلت نكبة عام 1948. بعد النكبة اعتقد أصحاب المشروع الصهيوني وأعوانهم ان فلسطين وشعبها قد شطبا عن الخارطة، وفاجأهم هذا الشعب بثورة عام 1965 ليعلن عن حضوره القوي مجددا.

ما يميز الشعب الفلسطيني انه شعب عنيد، متمسك بأرضه لا يعرف اليأس، يتلقى الضربات والمؤامرات، وفي كل مرة ينهض من جديد من بين الرماد. موقف الرئيس القوي من سفير ترامب هو تعبير عن عناد الشعب الفلسطيني وتحديه للواقع الصعب، وهو رفض للرضوخ، وبهذا المعنى موقف الرئيس هو رسالة للأجيال الفلسطينية اللاحقة التي ستكمل المسيرة.

قد يرى البعض في حدة الرئيس ووضوحه، مغامرة غير محسوبة مع ادارة أميركية متهورة ومتطرفة، وهي مغامرة في ظل واقع عربي متهالك. الرد على هؤلاء، ان القضية الفلسطينية تجري اليوم محاولة تصفيتها أمام أعيننا وفي لحظة تاريخية مصيرية كهذه يبدو من المهم تسجيل موقف تاريخي، ليس لخدمة الحاضر، وإنما لخدمة المستقبل، فالصراع لا يزال طويلا ومريرا.

الاخبار العاجلة