قراءة أولية للمسيرة

3 أبريل 2018آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

عمر الغول-الحياة الجديدة

مسيرة العودة يوم الجمعة الماضي حملت في طياتها عددا من الدروس الإيجابية والسلبية، التي تحتاج إلى إضاءة، والاستفادة منها وتعميق الإيجابي فيها، وتجفيف السلبي إن أمكن. حيث لا يجوز ان يمر الحدث الوطني العظيم دون وقفة ولو سريعة لتعميم الفائدة الوطنية.

النقاط الإيجابية: أولا أكدت الجماهير الشعبية الفلسطينية في الوطن والشتات، انها عميقة الولاء لذاتها ولإهدافها الوطنية، وحريصة كل الحرص على إيصال رسالتها لكل القوى في الداخل الفلسطيني، ولإسرائيل الاستعمارية، والولايات المتحدة والغرب الأوروبي ولكل ذي صلة في العالم، بأنها لا ولن تحيد عن حقوقها ومصالحها الوطنية، ولا مجال للمساومة عليها، أو التنازل عن الحد الأدنى الممكن والمقبول به من الحقوق، التي أجمع عليها الفلسطينيون، وبذات القدر وأكثر حسما قالت، لا للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولا لصفقة ترامب المشؤومة، ولا لكل مشاريع التوطين، ولا للحل الإقليمي، ولا للإملاءات والضغوط العربية والأميركية وغيرها.

ثانيا عمدت الجماهير الفلسطينية في كل التجمعات، في الوطن والشتات والمهاجر الوحدة الميدانية لكل قوى الشعب ونخبه السياسية. ونبذت الانقساميين والانقلابيين. وأكدت أن خروجها، لم يكن لحساب تجار المزاودة اللفظية والشعاراتية الفارغة وأصحاب الأجندات الخاصة والأقليمية، انما للدفاع عن الأهداف الوطنية الجامعة، وعن الشرعية الوطنية، التي أرسلت لها رسالة عنوانها “نحن معك في السراء والضراء” و”لن نحيد للحظة عن خيارنا الوطني مهما كانت التعقيدات والإرباكات الداخلية، أو التضحيات الجسام” وقالت بشكل عميق ورصين “قطاع غزة ليس حاكورة لحركة حماس أو للجماعات التكفيرية، غزة ورفح وخان يونس وجباليا وبيت حانون والوسطى وكل خربة في محافظات الجنوب، هي جزء لا يتجزء من فلسطين ومشروعها الوطني، وهي رافعة للوطنية الفلسطينية”.
ثالثا ومن خلال تجسيدها للوحدة الوطنية، ردت على قوى الانقلاب الحمساوية ومن لف لفها، وقالت بالممارسة العملية وبشعاراتها، التي رفعتها، نحن مع خيار الوحدة والمصالحة، الذي لا بديل عنه إلا الوحدة وتكريسها في الميدان، وأرسلت رسالة لمقاولي الانقلاب الحمساوي، عودوا إلى رشدكم، وحاضنتكم الوطنية منظمة التحرير الفلسطينية، وسلموا حكومة التوافق مهامها كاملة، لإنها مصلحة إستراتيجية للشعب ومشروعه الوطني.

رابعا أكدت بشكل قاطع على أهمية النضال الشعبي السلمي، حيث فضحت وعرت وجه دولة إسرائيل الاستعمارية البشع، وكشفت عن عار جريمة الحرب الإسرائيلية، وعن تواطؤ وتساوق إدارة ترامب وحكومة ماي البريطانية مع الدولة الخارجة على القانون والشرعية الدولية ومواثيقها ومعاهداتها. وظهر تضليلها وكذبها جليا أمام شاشات الفضائيات العربية والعالمية، ما أوقعها في شر أعمالها. ولعل الدعوة الأممية لتشكيل لجنة تحقيق دولية يمثل الخطوة الضرورية والهامة لتعميق عملية الفضح لإسرائيل المغتصبة للأرض الفلسطينية.

خامسا أعادت القضية الفلسطينية إلى سطح المشهد الدولي والعربي. وأكدت للعالم دونما استثناء، ان القضية الفلسطينية، هي أم القضايا، ودونها لا يمكن أن يكون هناك استقرار أو تعايش في المنطقة، ودون حلها لا يمكن نزع فتيل الإرهاب الإسرائيلي والتكفيري.

سادسا وجهت رسالة للأشقاء العرب عشية القمة العربية مضمونها: إعادة تذكيرهم، ان قضية فلسطين، هي قضية العرب المركزية شاء من شاء وأبى من أبى. وهي بوصلة الصراع مع الأعداء، وحلها على اساس مبادرة السلام العربية وفق أولوياتها المعروفة والمحددة ومرجعيات عملية السلام، هو الخيار الأمثل، وليس مسموحا لأي عربي أو غير عربي التذاكي والالتفاف على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية، فإما الحقوق الممكنة والمقبولة فلسطينيا، أو ليتحمل الجميع مسؤولياته عما ستؤول إليه الأمور.

سابعا فتحت الأفق واسعا أمام انتفاضة شعبية جديدة، ولا يكمن ربط الاستنتاج بارتفاع عدد الشهداء والجرحى، لأن ذلك العامل على أهميته في إبراز وحشية وجريمة دولة الاستعمار الإسرائيلية، إلا انه كان من الدروس السلبية، حيث كان يفترض خفض عدد المصابين والشهداء إلى الحد الأقصى، ولكن هناك عوامل: فقدان الأمل بالتسوية، مواصلة إسرائيل خيار الاستعمار الاستيطاني، تساوق أميركا معها، اعتراف ترامب بالقدس العاصمة، تراجع اهتمام العرب بالقضية الوطنية، كقضية مركزية للعرب، ومحاولة التفاف بعضهم على المصالح الوطنية لصالح أميركا وإسرائيل، وأيضا ردا على الانقلاب الحمساوي الأسود.. إلخ.

السلبيات والأخطاء: 1- استسهال تقديم الشهداء أمام وحشية جيش الموت الإسرائيلي. مع أن الواجب كان يملي قيام المسيرة بمهمتها دون سقوط نقطة دم واحدة. لا سيما وأن قادة دولة الاستعمار الإسرائيلي كانت معنية باستباحة الدم الفلسطيني، تقديرا منها، بأنها تستطيع كي الوعي الفلسطيني. ورغم غباء قياداتها السياسية والأمنية، وعدم تعلمها الدرس من تجربة الصراع على مدار مئة عام، إلا انها نجحت في استهداف سبعة عشر شهيدا، ومئات الجرحى والمصابين وخاصة على الحدود الفاصلة على الحدود الشرقية للمحافظات الجنوبية؛ 2- محاولة استغلال حركة حماس للمسيرة والمتاجرة بها، وهو ما ردت عليه الجماهير من خلال تمسكها بالشرعية وعبرت عن ذلك بالشعارات الوطنية الجامعة، وبالتالي أسقط في يدها؛ 3- نعم استطاعت حركة حماس أن تحول الانفجار مع العدو، بعد أن كان سينفجر في وجهها، ولكن ذلك لا يعني أن حماس خرجت من أزماتها وإرباكاتها، لا سيما وان الشارع الفلسطيني، أكد وقوفه الكامل إلى جانب الخيار الوطني الجامع، وتحت راية منظمة التحرير، وبالتالي الخروج من الأزمة مؤقت وآني، لأن الخروج الكلي يتمثل بالالتزام بخيار المصالحة الوطنية بشكل كامل وكلي، وتسليم ما على الأرض وما تحتها لحكومة الوفاق الوطني، غير ذلك يبقى نوعا من الهدر الزائد للوقت، ومواصلة لعبة التسويف والممطالة، والدفاع عن تجار الأنفاق وأصحاب الامتيازات والملايين الجدد من خلال نهب الشعب في القطاع؛ 4- تركز الجهد الأساسي لمسيرة العودة على جبهة قطاع غزة، في حين كانت الضرورة تملي توزيع الجهد الوطني على كل الساحات والميادين؛ 5- إنخفاض الصوت السياسي والإعلامي العربي في تغطية وإعلاء صوت ودور مسيرة العودة، ووقوع بعض الإعلام المحلي في إرباكات وأخطاء والتلكؤ في تغطية المسيرة من اللحظة الأولى؛ 6- وقوع عدد من المراقبين سياسيين وإعلاميين وحزبيين في خطأ التقدير لمسيرة العودة، واحتسابها على حركة حماس، وفي هذا خطأ فادح وكبير، لأن المسيرة كانت للدفاع عن الأهداف والمصالح الوطنية، وللدفاع عن الشرعية ومنظمة التحرير.

هذة ابرز النقاط، التي استرعت انتباهي، وبالتأكيد هناك الكثير من الإيجابيات والسلبيات الأخرى، ويمكن العودة لها ثانية بشكل أعمق.

الاخبار العاجلة