خلفيات الانسحاب الأميركي

13 مايو 2018آخر تحديث :
مقالات مروان طوباس جنين

عمر الغول-الحياة الجديدة

أعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الثامن من ايار الحالي، عن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 5+1)، مع أن الدول الخمس الأخرى عارضت هذا الانسحاب: بريطانيا، فرنسا، المانيا، روسيا والصين، بالإضافة لإيران. وهو ما يشير إلى ان ترامب ينتهج سياسات انعزالية، ومفصلة على مقاس دولة الاستعمار الإسرائيلية، ما سيضاعف من تراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية عالميا. لا سيما وانها لا تستطيع ان تحافظ على دورها الريادي، ولا حتى على مستوى التبادل الاقتصادي مع الدول الأخرى دون تعميق الشراكة معها، ولا يمكنها من مواءمة المواقف المتعلقة بالملفات السياسية الدولية بعيدا عنها، أو من خلال إدارة الظهر لها، لأن للقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية حدودا، أو بتعبير آخر حتى تتمكن دولة من الدول من تعظيم قوتها ومكانتها في المشهد العالمي، يتحتم عليها تعزيز الشراكات مع الدول، أو على أقل تقدير المحافظة على تحالفاتها التاريخية.

لكن من يراقب سياسة الرئيس ترامب وفريقه المؤثر في صنع القرار، يلحظ انه يتجه لانتهاج سياسات أقصوية وعدمية، تتناقض مع مصالح أميركا نفسها. فأولا أعلن الحرب على المسلمين في العالم وداخل الولايات المتحدة، وهو يعكس سياسة عنصرية فاقعة؛ وثانيا أعلن عن إلزام المكسيك ببناء جدار عازل بينها وبين أميركا، لكنها رفضت ذلك، لكنه فتح بوابة صراع مع دولة جارة؛ ثالثا إعلان الحرب على قانون التأمين الصحي “اوباما كير”؛ رابعا الانسحاب من اتفاقية المناخ؛ خامسا التلويح برفع الضرائب على السلع الصينية، وفشل في ذلك؛ سادسا إعلان الحرب الإعلامية على كوريا الشمالية، ثم تراجع عنها، والآن يجري ترتيب اللقاء مع الرئيس الكوري الشمالي؛ سابعا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتلا ذلك الإعلان عن نقل السفارة إلى القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية؛ ثامنا هدد بفرض الخاوة على دول حلف الناتو، خاصة الدول الأوروبية، ما ضعضع ركائز التحالف الإستراتيجي بين دول الغرب الرأسمالي؛ وأخيرا إعلان الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني… وغيرها من القرارات الهوجاء والمتطيرة، التي تشي بأنه يخطف الولايات المتحدة نحو هاوية مجهولة النتائج.

أشار بعض المراقبين، الى ان ترامب ليس الرئيس الأول، الذي يلجأ للتطرف، فقد سبقه الرئيس رونالد ريغان، ولكن على ما حملته قضية حرب النجوم، وغيرها من القرارات الريغانية من طابع تصعيدي وتوتيري في المشهد العالمي، إلا انها حافظت على لغة التوافق مع دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الحلفاء، ولم يلجأ لسياسة كيدية ضد من سبقوه من الرؤساء الأميركيين، وحرص على توجيه بوصلة سياساته ضد الاتحاد السوفييتي، ونجح في تدمير المعبد الشيوعي من داخله. وبالتالي هناك فارق كبير بين السياستين الترامبية والريغانية، لأن الترامبية تعمل بقصدية متغطرسة لعزل أميركا عن حلفائها، وعن دورها المركزي في صناعة السلام في العالم عموما وعلى المسار الفلسطيني الإسرائيلي خصوصا، والآن تنسحب وحيدة من اتفاق (5+1). هذه السياسة تحمل البعدين الشخصي والقومي، وهي لم تأت عن غباء، بغض النظر عن نتائجها السلبية أو الإيجابية، إن كان فيها ملمح إيجابي، بل عن وعي كامل بما يقرره الرئيس وفريقه المصغر، فهو أسير منطقه التجاري العقاري، ولعبة الصفقات تستهويه حتى الثمالة، أضف إلى انه رجل مغرور ومتغطرس، ويعتقد أنه يستطيع أن يفرض ما يشاء على العالم، ولهذا طرح من البداية شعاره “اميركا أولا”. كما انه يخضع لمشيئة الخيار الإفنجليكاني المتصهين، الذي يعتقد ان اللحظة التاريخية حانت لتقريب “عودة المسيح”، الأمر الذي جعله يندفع بقوة وسرعة لخلق الشروط السياسية والأمنية لتقريب حرب يأجوج ومأجوج، التي سيليها ظهور “المسيح”.

ارتباطا بما تقدم، يمكن الافتراض أن اسباب الانسحاب من الاتفاق النووي تعود إلى: أولا خلط الأوراق في منطقة الشرق الأوسط في أكثر من ساحة؛ ثانيا الاستجابة لرغبات دولة الاستعمار الإسرائيلية، في إلغاء الاتفاق مع إيران ولو من جانب واحد. ولتطويق ترامب، قام نتنياهو بلعبته المكشوفة، والتي تشبه لعبة كولن باول، وزير خارجية أميركا عشية الحرب على العراق الشقيق 2003، حينما أعلن عن صور وهمية عن وجود اسلحة الدمار الشامل، لانتزاع قرار أممي، وشن الحرب على العراق، وهو ما فعله رئيس حكومة إسرائيل، عندما عرض أن أجهزته الأمنية تمكنت من الاستيلاء على خمسين الفا من الأشرطة، التي “تؤكد” أن إيران ماضية في خيارها النووي، وذلك لتسريع خطوة الرئيس الأميركي بالانسحاب من الاتفاق، وهو ما حصل؛ ثالثا ذر الرماد في عيون بعض العرب، لامتصاص أموالهم، مع ان الخطوة الترامبية لا تمت بصلة لمصالح دول الخليج العربي؛ رابعا من حيث يدري أو لا يدري جاء انسحابه من الاتفاق بهدف التغطية على وعده المشؤوم بنقل السفارة الأميركية للقدس، وعلى الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني.

وبعيدا عن حسابات الدول الصغيرة، وأجنداتها الضيقة، خطوة الرئيس ترامب، خطوة خطيرة، تهدد أمن الإقليم والعالم، خاصة وان الأقطاب الدولية بما فيها أقرب حلفاء أميركا بريطانيا على سبيل المثال ترفض الانسحاب الأميركي، لأن المستهدف الرئيس من لعبة ترامب العرب وثرواتهم قبل إيران، وتصفية القضية الفلسطينية، وتعزيز مكانة دولة الاستعمار الإسرائيلية على حساب كل دول الإقليم دون استثناء.

الاخبار العاجلة