الأمة في مستنقع الدم.. فمن ينقذ الإسلام من التحريف..؟

3 أغسطس 2016آخر تحديث :
الأمة في مستنقع الدم.. فمن ينقذ الإسلام من التحريف..؟

صدى الاعلام

3-8-2016

الكاتب – صالح عوض

استقرت في الأمة تيارات كبيرة وهي مختلفة في تناولها للمسألة الدينية وجاء كل واحد منها للرد على تحد معين وتحولت مع الزمن الى كيانات كبرى، من هذه التيارات: السلفية بفروعها والصوفية بزواياها واتخذ كل منها مرتعا مستندا الى سلطة تحميه أو تأوي إليه فمثلا لئن كانت السلفية وبطبعتها الوهابية تركزت في الجزيرة العربية فإن الصوفية تجذرت في المغرب العربي لاسيما الجزائر والمغرب الاقصى كما السودان وكثير من الدول الافريقية والاسيوية ولقد قدمت السلفية لاسيما الوهابية نماذج عديدة من التمسك بالمظاهر والتشدد في النوافل والسنن فيما استسهلت القاء التهم بالتكفير والتفسيق والولوج في دم المخالفين فحلت الكارثة في اكثر من مكان، وفي جهة اخرى انتهى حال كثير من الزوايا الصوفية الى الطقوس وابتداع اشكال من العبادات تفسد روح الدين المتوازن وحدثت مبالغات افقدت الاتباع تقديم الشرع على التهويم لكنها بقيت في منأى عن التذابح والاقتتال.. لقد سقطت السلفية الوهابية في افك تكفير الناس ومنهم علماء كبار واستباحة الدم والتضييق على الحريات وسقطت الصوفية في سحب الناس بعيدا الى الطقوس والنمطية المقيدة فهل تستطيع الصوفية الرد على التشويه الحاصل جراء التنطع والتطرف والتشدد المضر؟ الصوفية تشمل مئات ملايين المسلمين في شتى بلاد الله وهي من هنا تمثل معبرا مهما ان صلح فيما لو استطاعت ان تتجاوز مرحلة التحنيط للعقل والتهويم في السلوك؟ هل تستطيع الصوفية ان تتحرر من “تحويل الجانب الروحي الى حركات مادية فاقدة للعمق الروحي”؟

لابد من الاقرار انه في لحظة نشأتها كتيار اجتماعي سياسي خاضت الصوفية غمار النهضة والتجديد في الفكر الاسلامي والسلوك الاسلامي فاعطت المسيرة الاسلامية دفعا اضافيا ونفخت بروحها في جسد الأمة فكانت الانتصارات العظيمة التي توجت بتحرير القدس على يد صلاح الدين الأيوبي حيث كان الصوفيون من رفع الرايات من كل جهة لاسيما رايات الغوث شعيب سيدي بومدين الجزائري الذي اندفع في معركة تحرير القدس بما يقارب ربع جيش صلاح الدين الايوبي.. وفي الجزائر أيضا حققت الصوفية انجاز دولة الموحدين التي كان لشروحات وافكار الامام ابوحامد الغزالي الدور الرئيس في نشوئها..وبعد ذلك كان للحركة الصوفية الدور البارز والكامل في مواجهة الاستعمار الفرنسي وخاضت الحركات الصوفية الجهاد الصعب على مدار عشرات السنين واظهرت جلدا قويا وعطاء متميزا على رأسها الامير عبدالقادر وبوعمامة وبوبغلة والشيخ حداد وبوعبدالله وسواهم كثير.. كما كان لها في السودان “المهدية” دورا بارزا في مواجهة الاستعمار الانجليزي وابدت مقاومة نوعية والامر نفسه يمكن ملاحظته في القوقاز والامام شامل في القرن التاسع عشر عندما واجه الغزو الروسي ببسالة نادرة.. كما قاومت الحركات الصوفية بشجاعة واقدام الاستعمار الايطالي لليبيا وفي فلسطين نهض الشيخ عز الدين القسام تيجاني الطريقة بثورة نوعية في مواجهة الاستعمار البريطاني في 1935، كما قامت الحركة النورسية الصوفية في تركيا بمواجهة علمنة المجتمع وتمييعه حتى استطاعت محاصرة التيار العلماني الاتاتوركي واعادت تركيا من جديد الى حضن الأمة وفي مصر تحرك البنا منبعثا من روح صوفية ومفاهيم صوفية في الجانب الاخلاقي والسلوكي والتنظيمي ليشكل اكبر حركة اسلامية تتصدى للعلمنة والغزو الثقافي الغربي وتشارك في الجهاد في فلسطين وقناة السويس والامر متكرر في كل ديار العرب والاسلام حيث ارتفعت رايات الصوفيين في جهاد باسل لرد الغزو الاجنبي.. وهنا يتضح بجلاء دورها : 1الجهادي ضد الغزاة الاجانب اي تبنيها للصراع على جبهة الخارج، و2 دور كبير في نشر الاسلام في افريقيا واسيا، و3 التزكية المستمرة والارتقاء بالاخلاق وتوطيد السلم الاجتماعي.. الا ان الهزائم العسكرية التي لحقت بالحركات الصوفية في أكثر من مكان ألحقت أذى نفسيا كبيرا باتباعها وشيوخها فحصل لبعضها انحرافات سياسية او انحرافات عقائدية..

هنا ولدت الحركات السلفية في عملية تصحيح لما حل بالواقع الاسلامي من انتشار للبدع ومظاهر الشرك وتنوعت المدارس السلفية فمنها المعتدل مثل سلفية محمد عبده و رشيد رضا المجددان لمعالم الدين وبعث روح العلم في طريقة فهم الاسلام وازاحة التاويلات الفاسدة عن معانيه وسننه وتبعهم ابن باديس والثعالبي وطاهر بن عاشور، ومنها المتطرف القاس والحاد بطبعه الذي حول المسألة كلها الى شكليات اغرق في تفسيق الناس وتكفيرهم وتوسع في التحريم والتحوط والاتهامات في العقيدة والدين لمن يخالف فحرم كثيرا مما احل الله وطعن في عقائد من خالفه من المسلمين وكان على راس هؤلاء الوهابيون.

وما عدا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لم تقم الحركة السلفية باي مواجهة مع العدو الخارجي وانصبت معركتها في الداخل الاسلامي ضد البدع والشركيات والقبوريات والتماثيل والغناء لدرجة تدمير قبور الصحابة وتسويتها بالارض ورموز المعمار الاسلامي كبيت السيدة ام المؤمنين خديجة، وفي معركتها الداخلية المحتدمة اصبح سيف الاتهام بالبدعة والحرام يطال كل ما اعتقده السلفيون فاقد السند من قول لاحد اقطابهم من التابعين وتابعيهم فحرموا التصوير والموسيقى والسينما وسياقة المرأة وافتوا بفتاوى مفرطة في التشدد أصبحت مثار التندر والاستغراب.

جنح تيار من السلفيين الى تطبيق متطرف بفهم خاص لـ”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” والى فهم متناقض للحاكم بين طاعته والخروج عليه وفهم العلاقة بينه وبين الامة ، وفلسفة الولاء والبراء بنمطية شكلية مهلكة ضد كل من يختلف معهم في تأويل في العقيدة او في السياسة نمطية تتسبب الان في حروب الفتن والترعيب للمجتمعات البشرية واوغل القوم في وضع السيف في رقاب المخالفين داخل الامة مكررين بذلك نمطية الخوارج.

اصبح وضع المسلمين الان بالغ الحرج بل طال الحرج الاسلام ذاته لاسيما وسيل الاعلام الغربي ومنظرو العنصرية الغربية منهمكين في صناعة الاسلامفوبيا لوضع الحواجز بين الغربيين والاسلام.. مروجين الصورة الموزعة عبر وسائل الاعلام الحديثة من قبل القتلة بافتخار.

اصبح لابد من نهوض المسلمين من خلال جمعياتهم وحركاتهم المعتدلة واعلامهم الى اظهار الاسلام على حقيقته حيث تخضع كل الاوامر والتوجيهات فيه الى العنوان الابرز المتمثل في قوله تعالى : ” وما أرسلناك الا رحمة للعالمين”،”مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، “يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر” وكل القواعد الاساسية التي تقوم عليها حياة الناس.

فهل تقوم الحركات الصوفية المعتدلة التي تنهج اسلوب التربية الاخلاقية بما لها من رصيد تجربة واتساع بتقديم صورة الانسان الكريم المتعالي عن الاحقاد والشرور وذلك للاسهام في انجاز الاستقرار والامن في البلاد.. كما ان تفعيلها يمنح بلداننا العربية عمقا افريقيا حقيقيا في مواجهة الاختراقات الصهيونية والغربية للجوار العربي.

ان تنشيط الحركات الصوفية عمل استراتيجي لصالح الامة في الحين الذي ينبغي فيه ان تلتفت هذه الحركات على الانفتاح على وسائل العصر وعلوم العصر وتجدد نفسها بما يجعلها على مستوى التحديات المطروحة ..لكن هل يكفي ذلك؟

بلاشك هي مطلوبة وضرورية لاسيما الان في هذه المرحلة ولكن لا تمتلك الحركة الصوفية بديلا حضاريا منهجيا معاصرا كافيا مما يعني بوضوح ضرورة قيام تيارات الوعي والتجديد في الامة بدور بارز في تقديم الاسلام بصورة جديدة غير نمطية تسهم الاسهام الاوفر في تكريس الامن الاجتماعي والارتقاء بالطاقات وتقديم بديل انساني للبشرية..

ان تيارا حضاريا منتشرا الان في كل بلداننا العربية والاسلامية غير ملوث بالبترودولار ولا بالمعارك الجاهلية ولا بالثقافة التفسيخية ولا مقيد بقوانين حزبية ولامعايير التخندقات المخلة هو وحده الذي ينتظر منه تقديم الاجابات الكاملة على التحدي الحضاري المتنوع.. تيار يؤمن بالامة الواحدة الملتقية على ربها وقرآنها ورسولها “إن امتكم هذه امة واحدة…” ويرفض التجزئة والتفرقة “ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” ويؤمن بالنهضة والاخذ باسبابها: “واعدوا لهم..”،”وقل اعملوا..”،”قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون” ويرفض التخلف والهوان والذل “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين” ويؤمن بزوال الإحتلال وحتمية استرداد فلسطين ويعمل لذلك: “وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا”.. انه تيار يربط كل قضايا الامة بعضها ببعضها ويرى الناظم الواحد بينها جميعا كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد…” وعلى الصعيد الانساني ينطلق من ادراك وحدة الاسرة الانسانية ويستشعر بعميق مسئوليته نحوها مؤمنا بقوله صلى الله عليه واله وسلم: “اقربكم منزلة من الله انفعكم للناس” وقوله سبحانه وتعالى: “وما أرسلناك الا رحمة للعالمين”.

وهذا التيار سيعرف كيف يفعل ادوات العصر في ترجمة افكاره واحداث التطور المطلوب للافكار والوقائع بما يمثل حالة نموذجية لمشروع تحتاجه الامة وتحتاجه البشرية وهو سيدخل معاركه بقدر وبحاسية البصيرة الفطنة فهو لايتحرك بردات فعل ولا بحسابات ثأرية ولا بانحيازات قومية او جهوية او طائفية انما بروحه الانساني النبيل وبحسه الفطري العميق وبجهاده في سبيل الله فقط..ان بذور هذا الجيل تكتنز الحيوية والحياة صحيح انها تحت الارض لكن الارض تهتز بها وتربو لتخرج سهولا من الزرع يغيظ الاشرار اللصوص الكبار ولينصرن الله من ينصره..تولانا الله برحمته.

ج . القدس

الاخبار العاجلة