مسيرات العودة: بين التفاؤل ورؤية الضرورات

19 مايو 2018آخر تحديث :
مسيرات العودة: بين التفاؤل ورؤية الضرورات

بقلم صادق الشافعي عن جريدة الأيام 

كل رمضان وأنتم بخير

مسيرات العودة الكبرى وإنهاء الحصار تشكل محطة نوعية في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني. إنها تعيد وضعه على سكته الأكثر طبيعية وأساسية، سكة النضال الجماهيري على اتساعه وتنوع أشكاله وتعبيراته.

هذه المسيرات تفتح الطريق واسعاً لكي تستعيد الجماهير دورها وفعلها الرائدين والمقررين في صدارة أشكال النضال الوطني الأُخرى وتوفر، في نفس الوقت، لتلك الأشكال  الأخرى الأساس الطبيعي الذي تقوم عليه.

اذا ما تحققت استعادة الدور بهذا الشكل فإنها تدفع الى الوراء أشكالاً نضالية فرضت صدارتها لسنوات مضت لأسباب وظروف لم تعد قائمة او تراجعت كثيراً.

مسيرات العودة  بتمسكها بسلميتها، باستمرارها وتواصلها،  بانتشارها وتوسعها، باحتضانها من كل الشعب الفلسطيني على اختلاف مناطقه وتنوع فئاته وبمشاركات متفاوتة منه حسب الظروف وفي كل مناطق تواجده وكلها تحت راية العلم الوطني،  بالتحدي العظيم الذي أظهرته أمام جبروت العدو المحتل وإجرامه والذي دفعت ثمنه غالياً من الدماء الغزيرة والتضحيات، بآيات البطولة والجرأة والاقتحام والابتكار.

بكل ذلك وغيره من المعاني والقيم والأفعال أكدت مسيرات العودة على مجموعة من الحقائق ومن النتائج وفي مقدمتها:

 – أعادت التأكيد بشكل لا يقبل الجدل ان تمسك الفلسطينيين بحق عودتهم الى أرض وطنهم هو مبدأ حياتي لم يبهت ولن يبهت لا بعد سبعين سنة ولا بعد مئات أُخرى من السنين. المسيرات نقلت العودة الى أرض الوطن من موقع الحق والمبدأ المتجذرين في الوجدان والأعماق الشعبيين الى نور الفعل ووضوحه كما شمس الحق.

ان حق العودة لم يكن بجلاء الوضوح وقوة الحضور، بشكل خاص على المستوى الدولي، كما ظهر وتأكد في مسيرات العودة ومجرياتها.

وهذا ما يجعل فرضه على أجندة المجتمع الدولي وهيئاته برسم التنفيذ وبرسم محاسبة دولة الاحتلال، إمكانية واقعية يمكن العمل عليها وتحقيق نجاحات هامة فيها.

 –  مسيرات حق العودة، فتحت على كل الوطن وعلى كل أهل الوطن، بالرغم أن منطلقها ومركزها وارض فعلها الأساسية هي حتى الآن أرض غزة، ووقودها هم أهل غزة أفعالاً ومبادرات وبطولات وتضحيات. المسيرات لم تدخل في جدل الضفة وغزة والمثلث والجليل والنقب، ولا في جدل الداخل والخارج وتجمعات الشتات وبلدان المهاجر، فحق العودة هو لكل فلسطيني اينما تواجد، والكل مدعو للنضال لانتزاعه.

المبهج ان الكل الوطني سارع الى تلبية الدعوة، وكان جاهزا ومستعدا لذلك، كل حسب الظروف التي يعيش فيها:

مدن الضفة انخرطت، من نابلس وجنين، الى رام الله والبيرة، الى الخليل وبيت لحم، الى …والى. ولم  تتأخر مناطق 1948، ولا التجمعات الفلسطينية في معظم بلاد الشتات ولا المتواجدون في المهاجر.

الدفاع عن القدس تناغم تماما مع مسيرات العودة. وكان انخراط القدس في الحدث ذا معنى متميزا وكان تعبير مشاركتها هو الأوسع في المساحة والأعمق بالمعاني والدلالات الوطنية والدينية والمجتمعية. وفي فعالياتها، بالذات تظاهرها ضد احتفال نقل السفارة الأميركية الى حرمها، حضر كل الوطن فعلياً حسياً، وروحياً.

كل ما تقدم يبعث في النفس التفاؤل مقترناً بالأمل وإرادة الصمود والاستعداد العالي للعمل وتقديم التضحية. خصوصا وانه يقوم، رغم استمرار الانقسام، على وحدة في الرؤية للاخطار المحدقة بالقضية الوطنية الفلسطينية، في الفترة الاخيرة بالذات، ووحدة الارادة للتصدي لها ومجابهتها.

لا يلغي التفاؤل والامل، ولا يقلل من ألقهما، المشاعر الإنسانية الصادقة بالحزن على الأحباء والأعزاء الذين فقدناهم ولا أولئك الذين أصيبوا، ولا التعاطف العميق مع عوائلهم.

لكن التفاؤل والأمل، لا يمنعا ضرورة رؤية عدد من الامور تبدو بشكل عام ضاغطة وملحّة، وربما منغصة :

–  رؤية بلوى الانقسام والمخاطر المهلكة لاستمراره، ولا يوفرا العذر عن واجب وضرورة الارتفاع الى مستوى المسؤولية الوطنية التي تحتم على كل الأطراف امتلاك الإرادة السياسية الوطنية وتقديم التنازلات المطلوبة للانتهاء منه والخروج من إسار قيوده الى فضاء الوحدة الوطنية الجامعة.

–  رؤية تراجع الوضع العربي بشكل عام تجاه القضية الوطنية الفلسطينية، الرسمي منه كما الشعبي أيضاً.  فالحقيقة ان عواصم الدول العربية لم تعلن من المواقف او تتخذ من الإجراءات السياسية ما يخرج عن دائرة الروتيني ورفع العتب، وشوارع عواصم ومدن الدول العربية لم تشهد من الفعاليات والتظاهرات الشعبية ما يتناسب مع  مستوى الحدث. وهذا لا يعفي من مسؤولية البحث بجرأة وصراحة عن الحصة الفلسطينية في مسؤولية الوصول الى هذا الحال، ومن ثم العمل على تدارك وتصحيح ما يلزم وحيث يلزم.

 –  المطالبة بالخروج السريع، النهائي والكامل من اي ارتباطات أو اتفاقات أو ترتيبات مع دولة الاحتلال، خصوصا بعد أن بادرت هي إلى نسفها أو إفراغها من اي محتوى وقيمة.

–  رؤية المحدودية والضعف في تشكيلات وهيئات جالياتنا في بلاد الاغتراب بما ينعكس على دورها وفاعليتها، ولا يعفو من الإقرار بمسؤولية سياسات الإهمال والتجاهل التي مارستها القيادة السياسية والقوى والتنظيمات والاتحادات الشعبية والنقابية الفلسطينية تجاهها لسنوات طويلة، ولا من مسؤولية وضرورة تجاوز هذا الوضع.

– التخوف من تسلل الانقسام الى مسيرات العودة وهيئاتها القيادية والمنظمة، في محاولة للاستقواء بها والسيطرة عليها وتوجيهها بما ينقل بلاوى الانقسام وخلافاته وصراعاته الى صفوفها

المصدر جريدة الايام
الاخبار العاجلة