قيادات في حماس فتحت اتصالات مباشرة مع الجهاد الإسلامي حول التصعيد الأخير لعدم تكراره مرة أخرى، وضرورة تنسيق المواقف في الفترة المقبلة، خوفا من إفشال الجهود التي تبذلها مصر مع إسرائيل لإقرار تهدئة في غزة.
وقال مصدر فلسطيني إن قيادة حماس بدأت مشاورات حثيثة مع أعضاء المكتب السياسي لحركة الجهاد حول جهود التهدئة، ونقلت رسالة رافضة لتحرك “سرايا القدس” (الجناح العسكري للجهاد) بقصف مستوطنات إسرائيلية دون التنسيق مع غرفة العمليات المشتركة، وهو ما رفضته الجهاد، مؤكدة أن ردها العسكري جاء من أجل الثأر للشهداء الذين سقطوا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأرجع منصور أبوكريم، مدير الدراسات والأبحاث بمركز رؤية للدراسات السياسية والاستراتيجية في تصريحات لـ“العرب” سبب الخلاف بين حماس والجهاد إلى إطلاق “سرايا القدس” صواريخ متوسطة المدى رداً على قتل الجيش الإسرائيلي 5 من المتظاهرين يوم الجمعة من دون العودة إلى غرفة العمليات المشتركة التي تقودها حماس، الأمر الذي اعتبرته الثانية “تجاوزا بحق قيادتها للواقع السياسي والأمني في غزة”.
وترى حماس أن التصعيد العسكري لحركة الجهاد منح الجيش الإسرائيلي ذريعة استهداف المواقع التي تتبع كتائب القسام (الجناح المسلح لحركة حماس) من دون منح حماس القدرة على اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وإضعاف موقفها في الجهود الهادفة إلى إقرار التهدئة حتى بدت كطرف غير قادر على السيطرة على الفصائل في غزة.
وحاول زياد نخالة الأمين العام الجديد لحركة الجهاد الإسلامي، تبرير موقف حركته من التصعيد العسكري بأنه يأتي ردا على الجرائم الإسرائيلية المستمرة في القطاع، نافيا تحريض إيران والنظام السوري لفصيله المسلح على تسخين جبهة غزة من خلال التصعيد ضد إسرائيل.
وبعث نخالة برسالة ضمنية إلى حماس تؤكد تمسك حركته بالتصعيد العسكري ضد إسرائيل، وأكد في حوار مع صحيفة القدس المحلية أخيرا أن “غزة أمام صراع مفتوح وسيكون الصراع المسلح هو الأصل”.
واتهمت قيادات حمساوية حركة الجهاد بالانجرار وراء رغبة إيران في اندلاع حرب عسكرية في غزة، ورغبتها في استخدام الأوضاع الراهنة لخدمة مصالح طهران في سوريا ولبنان، دون التفات لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي عانى من ويلات 3 حروب شنتها إسرائيل على القطاع.
وانتقد خالد الخالدي -أكاديمي ينتمي إلى حماس- عبر صفحته على فيسبوك نهج الجهاد قائلا “أتمنى أن يكون قرار الحرب والتهدئة مشتركاً ومنسقاً مع الفصائل، ويتناسب مع إمكانات غزة وظروفها ومصالحها، وليس مع مصالح إيران”.
وانتشرت بعض المظاهر التي تروج للفكر الشيعي في قطاع غزة، وبيع ملابس شتوية تحمل شعارات “لبيك يا حسين” لأول مرة في القطاع، ما أثار غضب الشارع الفلسطيني الذي يرفض في معظمه التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي.
وقال مصدر في وزارة الداخلية التابعة لحماس في غزة لـ“العرب” “الأجهزة الأمنية بدأت في التحري عن التجار المتورطين في إدخال تلك الملابس إلى القطاع، والتوصل إلى الجهة التي تقف وراء تلك التحركات المشبوهة في غزة”.
ويرى مراقبون أن الخلاف الجديد بين حماس والجهاد يتقاطع مع اتهامات للأخيرة بأنها تقف خلف بعض المظاهر الشيعية، مدعومة في ذلك من طهران، التي تحاول الاستفادة من الجناح المؤيد لها في الجهاد الذي خفت صوته نسبيا عقب تنحي رمضان شلح قائد الجهاد مؤخرا بسبب مرضه.
وتريد طهران توظيف التناقضات في غزة وتسخيرها لتصعيد الوضع فى القطاع، بغية تخفيف الضغوط الأميركية عليها.
ومعروف أن طهران تمد حركة الجهاد الإسلامي بدعم مادي منذ زمن، وتدعم أيضا الجناح المسلح لحركة حماس، وعملت مؤخرا على تقديم دعم كبير لجماعة “الصابرون” التي تروج للفكر الشيعي بشكل علني في القطاع، فيما تدعم قطر جماعات السلفية الجهادية التي تنشط في غزة.
وأكد منصور أبوكريم لـ“العرب” أن رد الجهاد الإسلامي يعيق جهود التوصل إلى تهدئة بين حركة حماس وإسرائيل، ويساهم في توجيه الجيش الإسرائيلي ضربات مركزة لمواقع القسام التابعة لحماس.
واتهم الباحث الفلسطيني أطرافا إقليمية (إيران وقطر) بالسعى للإمساك بورقة غزة لاستخدامها في مصالحها الدولية والإقليمية، لأن طهران والدوحة تسعيان إلى وضع عقبات أمام عملية تثبيت التهدئة التي تحاول القاهرة الوصول إليها. وأشار أبوكريم إلى أن إسرائيل غير راغبة في إعطاء تهدئة بأفق سياسي واقتصادي يسمح بتحسين حكم حماس بغزة، فما تسعى إليه حاليا هو شراء الوقت عبر تقديم تسهيلات إنسانية محدودة تساعد على عدم انفجار الأوضاع شرط عدم إخراج حماس من مأزقها.