الشيخ جرّاح: حيّ مقدسي في عين النار

2 يونيو 2021آخر تحديث :
الشيخ جرّاح: حيّ مقدسي في عين النار

يشهد حي الشيخ جرّاح في القدس المحتلة منذ 13 نيسان الماضي، أحدث جولات المواجهات بين شرطة الاحتلال الإسرائيلي والمواطنين الفلسطينيين احتجاجا على قرارات إخلاء 12 عائلة مقدسية من منازل شيدتها عام 1956، والتي تزعم جمعيات استيطانية أنها أقيمت على أرض كانت مملوكة ليهود قبل 1948.

ونشبت مواجهات وحركات تركّزت في حي الشيخ جرّاح وعموم القدس وانتشرت في كافة أنحاء الأرض الفلسطينية والعالم رافضة لتهجير العائلات الفلسطينية في الحي.

وقدمت وحدة شؤون القدس في وزارة الإعلام في تقرير صدر عنها، مساء اليوم الأربعاء، إحاطة بتاريخ الحي وواقعه والصراع فيه تتضمن خلفية تاريخية، وتتبع الأهمية الاستراتيجية للشيخ جرّاح.

المؤسس.. طبيب صلاح الدين

أخذت منطقة الشيخ جرّاح اسمها من الطبيب الشخصي للقائد صلاح الدين الأيوبي حسام الدين بن شراف الدين عيسى الجراحي الذي لقب بـ “الجرّاح”. الحي الحديث في المنطقة بدأ تشكّله حوالي عام 1865 حين أنشأت بعض العائلات الثرية بيوتًا لها في الجزء المرتفع منه والعديد من هذه المنازل تحولت لمنشآت عامة.

تبلغ مساحة الحي 808 دونمات، ويتطلب فهم قضيته العودة إلى نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر.

1956 العام الفيصل

عقب نكبة 1948 غادر المستأجرون اليهود الأرض، وفي عام 1956 تم الاتفاق بين الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة الإنشاء والتعمير ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين على توفير السكن لـ 28 عائلة لاجئة في حي الشيخ جرّاح، وقدمت الحكومة الأردنية الأرض وتبرعت وكالة الغوث بتكاليف الإنشاء، كما أبرم عقد بين الوزارة والعائلات الفلسطينية تضمن قيام السكان بدفع أجرة رمزية على أن يتم تفويض الملكية للسكان بعد ثلاث سنوات من اتمام البناء. التزمت العائلات بدفع الأجرة ولكن حالت الظروف دون نقل الملكية.

الجمعيات الاستيطانية: تزوير وقرصنة

في تموز 1972 سجلت جمعيات استيطانية أرض الحي مدّعية أنها تمتلك الأرض منذ عام 1885 ولكن المستندات التي تم جلبها من “الطابو” التركي والأردني أثبتت أن إدّعاء الجمعيات يعتمد على مستندات مزورة. وفي عام 1982 بادرت الجمعيات إلى إقامة “دعوى إجلاء” ضد 24 عائلة تقطن الحي، وتوالت المحاولات وكان الأهالي يعتمدون دومَا على اتفاقية الحكومة الأردنية مع الأونروا، والاتفاقيات بينهم وبين الحكومة الأردنية.

واستمرت محاولات إخلاء الأهالي من منازلهم، وفي 2009 تم إخلاء عائلات الكرد وحنون والغاوي، وفي تشرين الأول 2020 أصدرت محكمة الاحتلال قرارًا بالإخلاء الجبري لـ12 عائلة ونقل ملكيتها إلى مستوطنين بدعم من منظمات استيطانية، مثل منظمة “نحلات شمعون” وهي شركة استيطانية مسجلة في الولايات المتحدة الأميركية، ونتيجة لهذا فإن ما يقارب 500 مواطن فلسطيني مهددين وعرضة لحرمانهم من حقوقهم في الملكية والسكن، ومطالبين بالإخلاء وتسديد 20 ألف دولار من كل عائلة فلسطينية لتغطية الأتعاب القانونية التي تكلفها المستوطنون أثناء المحاكمة.

كما صدر إنذار من محكمة القدس المركزية الاحتلالية موجّه لأربع عائلات بإخلاء منازلهم قبل اخلائها بالقوة في 2 أيار 2021، ولأربع عائلات أخرى بتاريخ 1 آب 2021.

وفي 29 نيسان 2021 زودت وزارة الخارجية الأردنية نظيرتها الفلسطينية 14 وثيقة اثبات ملكية لعدد من عائلات الشيخ جراح، وشهادة تقر فيها الخارجية الأردنية أنه كان هناك فعلا اتفاقية بين وزارة الإنشاء والتعمير القائمة آنذاك ووكالة الأونروا، واتفاقيات مع العائلات الموجودة في الحي.

محاكم الاحتلال.. وجه آخر للاستيطان

في الثاني من أيار الماضي، نظرت المحكمة الاحتلالية العليا في التماس قدمته عائلات مقدسية ضد إخلائها من منازلها في حي الشيخ جرّاح لصالح جمعيات استيطانية، طالبت بتجميد عملية تسجيل قسيمة أرض موجودة في الطرف الغربي من الحي، على اسم يهود يدّعون ملكيتهم للقسيمة، وذلك حيث أن الإجراء القانوني قد تم دون إعلام الساكنين الفلسطينيين القاطنين في المكان منذ عشرات السنوات، ومن دون منحهم إمكانية حماية حقوقهم في العقارات.

وأشار الالتماس إلى عدد من العيوب التي تعتري عملية توزيع الأراضي في كتلة الأرض الموجودة في “أم هارون”، والتي تشمل قسائم كثيرة، ومن ضمن هذه العيوب: عدم نشر إجراءات تسوية الأراضي للمشاركة العامة، وعدم قيام مسؤول التسوية في الحي بزيارة المنطقة، وانعدام وجود توضيحات، وعدم المبادرة إلى إجراء محادثات مع السكان حول عملية التسوية، وحول حقهم في تقديم مذكرات المطالبة، إلى جانب التسجيل السريع والمفرط لعملية التسوية، مقارنة بما حدث في باقي القسائم، بشكل يثير الشبهات حول النية في سلب الأرض بصورة سريعة.

وفي ظل هذه الظروف، طالبت الجمعيات الملتمسة بأن تصدر المحكمة العليا أمرها بتجميد استكمال عملية تسوية ملكية الأرض في القسم المعني، في حي الشيخ جرّاح، إلى حين الاستيضاح بشأن العيوب التي تعتري عملية نشر إجراءات التسوية، إلى جانب مسح جميع التسجيلات المعيبة المتعلقة بالقسيمة، نتيجة لعملية التسوية غير السليمة.

وقال الالتماس إن “إجراءات التسجيل المستعجلة تحت جنح الظلام، التي جرت في الشيخ جراح، تؤكد المخاوف من إساءة استخدام منظومة تسوية العقارات لغرض سلب أراضي سكان الحي. وحقيقة أن الخطوات الأولى في إطار عملية تسوية ملكية الأراضي قد جاءت عبر اختيار قسيمة تقع بالذات في منطقة استراتيجية بالنسبة لجهود السيطرة اليهودية على الشيخ جراح، وتسجيلها أولا بسرعة استثنائية مقارنة بسائر قسائم الأراضي التي تمر حاليًا بعملية تسوية ملكية، في ظل إخفاء المعلومات عن السكان الفلسطينيين، تظهر جميعها الوجه الحقيقي لعملية تسوية الملكية”.

وقررت المحكمة في ردها على الالتماس بإعطاء العائلات المقدسية (الكرد، والقاسم، والجاعوني، وإسكافي)، أصحاب البيوت، والمستوطنين “مهلة” للتوصل إلى اتفاق في ما بينهم بخصوص أوامر إخلاء البيوت، حتى يوم الخميس المقبل.

وعرضت جمعية “نحلات شمعون” خلال المحكمة “صفقة” لأصحاب المنازل المهددة بالإخلاء في الشيخ جراح، تقضي بأن توافق على تسجيل البيوت لأصحابها العرب كـ”مستأجر محمي”، لكن شريطة أن يعترف أهالي الشيخ جراح بملكية الأرض للمستوطنين والقبول بالتعامل معهم “كمستأجرين محميين” حتى الجيل الثالث (الحالي)، وهو ما رفضته العائلات المقدسية.

وفي بيان نشرته، أعلنت ما تسمى المحكمة العليا الإسرائيلية في التاسع من أيار الماضي، تأجيل جلسة لها كان مقرر عقدها في اليوم التالي بشأن طرد عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح إلى موعد لاحق يحدد خلال ثلاثين يوما.

وذكرت المحكمة في بيانها أنه “في ظل السياق الحالي وبناء على طلب النائب العام الاحتلالي ألغيت الجلسة التي كان من المقرر عقدها في اليوم التالي”.

وما زال الصراع قائما، حيث قررت المحكمة الاحتلالية العليا في 25 أيار الماضي، منح مهلة للمستشار القضائي لحكومة الاحتلال حتى الثامن من حزيران/ يونيو الجاري، لتقديم موقفه في ملف إخلاء عائلات فلسطينية من منازلها بحي الشيخ جراح في القدس.

الحي العقبة

ضمن خطّة تطويق البلدة القديمة، يحاول الاحتلال إقامة حزام استيطاني يعزل البلدة القديمة عن أماكن المواطنين الفلسطينيين، لكن حيّ الشيخ جراح (شرقًا) يمثّل حجر عثرة أمام ذلك، ولذا يعمل الاحتلال على تهجير سكّانه منه بحجّة عدم امتلاكهم أوراقًا تثبت ملكيّتهم للأرض، حيث تقع منطقة الشيخ جراح في قلب مخطط الطوق الداخلي الذي يستهدف الأحياء العربية المحيطة بالبلدة القديمة.

وضمن ما يُعرف يهوديا بمنطقة الحوض المقدس أو التاريخي، وهو حي محاط بالأحياء والمستوطنات اليهودية، وهو المنطقة الرابطة بين مستوطنة “رمات أشكول” في الشمال الغربي وجبل المشارف (سكوبس) الجامعة العبرية غربا، ولذلك تُعتبر منطقة استراتيجية. المخطط الاستيطاني الذي يستهدف الشيخ جراح يبدأ من “كرم الجاعوني” ثم “فندق شبرد” ثم “كرم المفتي” ومحيط الجامعة العربية، وهذا تسلسل واضح في عملية القطع والبناء داخل الأحياء الفلسطينية.

ويتطلب تنفيذ هذا العزل نوعين من المشاريع الأول يقوم على تهويد الحي، والثاني يقوم على ربط الحي بعد تهويده مع البلدة القديمة.

%40 من الحي في دائرة الاستهداف

هناك عدة مشاريع تتعلق بتهويد الحي. ومنها أنه عام 2008 قدمت شركة “نحلات شمعون”، مخططًا لإقامة مستوطنة في حي الشيخ جراح قرب ما تدّعي أنه قبر “الصديق شمعون”، مكونة من 200 وحدة استيطانية في الحي، وهو ما اعترض عليه السكان الفلسطينيون؛ لأن تلك المستوطنة ستقام على أرضهم ما يهدد بإخلائهم وهدم منازلهم.

أُحيلت خُطة الأراضي في كانون أول 2008 لما تسمى بلدية الاحتلال في القدس، وقامت بإنشـاء 200 وحدة سكنية على مساحة 18 دونما في هذه المستوطنة، وتقضي الخطة ببناء مبانٍ كثيـرة، وهـدم بناية تابعة للمواطنين الفلسطينيين. وقد فُتح ملف جديد في تموز 2009 ويقضي ببناء 20 وحدة سكنية في موقع علـى مسـاحة 3,6 دونم بإضافة 5,7 دونم ومرآب للسيارات تحت الأرض في كرم المفتي نسبة إلـى مالكها مفتي القدس أمين الحسيني.

كما منحت لجنة القدس للبناء والتخطـيط الاحتلالية في نيسان 2009 التصريح الأخير إلى جمعية “أماناه” الاستيطانية لبناء مقراتها فـي حـي الشيخ جراح، وتم تسييج بقعة أرض خالية مجاورة لموقع “الصديق شمعون” مقابـل فنـدق شـجرة الزيتون وعلّقت لوحة عند مدخل الأرض مكتوب عليها “مبنى ماكس وجيانا غلاسـمن”.

ويخطط الاحتلال لمصادرة نحو 40% من أراضي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، ضمن مخطط استيطاني تهويدي. ففي آذار الماضي، صادقت بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة، على إنشاء موقع تهويدي يتضمن نصبًا تذكاريًا لجنود كتيبة في لواء المظليين في جيش الاحتلال، بحي الشيخ جراح، وبحسب موقع “واللا” الاحتلالي “ستقام نقاط مراقبة وبناء مدرج صغير”، ووفقًا لبلدية الاحتلال، فإن هذا المشروع الاستيطاني يقضي ببناء موقع لتخليد ذكرى جنود كتيبة المظليين 71 الذين قُتلوا خلال احتلال القدس عام 1967. ووفقًا للمخطط، سيتم تسييج المنطقة وإنشاء بوابات ومواقع مراقبة باتجاه “مواقع المعارك” ومقاعد للجلوس، كما سيبنى مدرج ومسرح، ويمول ما يسمى بـ”الصندوق الدائم لإسرائيل”، هذا المشروع الاستيطاني بمليون شيقل (300 ألف دولار) وأشار الموقع وقتها إلى أن المشروع يقع في قلب حي الشيخ جراح، ما يعني أن عشرات العائلات الفلسطينية في الحي، ستواجه دعاوى قضائية تطالبها بإخلاء منازلها، في إطار مخطط استيطاني واسع في الحي.

بلدية الاحتلال: خطط التهويد الكامل

تواصل ما تسمى بلدية الاحتلال في القدس العمل على مخطط تهويدي يستهدف توسيع نفق “المصرارة”، أو ما يسمى نفق “تساهل”، والذي سيتم توسيعه على حساب شريط واسع من الأراضي الفلسطينية شرقا من موقف السيارات والحافلات باتجاه الشيخ جراح، بحجة تخفيف أزمة السير. لكن الهدف الحقيقي من المشروع أن يحدّ من قدرة المواطنين على الوصول إلى أسواق “المصرارة” والبلدة القديمة، لأنه يقضي على الهامش والموقف الوحيد والرئيس المتبقي في باب العامود.

هذا المشروع واسع جدًا، ويشمل كل المنطقة الشمالية للبلدة القديمة من باب العامود وشارع نابلس حتى شارع النفق أسفل الجامعة العبرية إلى شمال المدينة شعفاط والعيسوية وشرقًا حتى وادي الجوز، ويلتف إلى الشيخ جراح.

توسيع النفق الحالي في باب العامود سيكون على حساب محطة الباصات، وكذلك الموقف الرئيس والوحيد لسكان البلدة القديمة في “المصرارة”، إضافةً إلى ابتلاع مساحة واسعة من الأراضي المحاذية لأسوار القدس القديمة قرب دير اللاتين. وهناك خطة لاحقة لإعادة ترتيب مواقف الباصات والمواصلات الثلاثة لشركة المواصلات الموحّدة، وتركيزها في منطقة أُخرى، أي نقل الموقف للمرة الثانية من منطقة باب العامود بحجة تحسين منطقة “المصرارة” لتكون تجارية وسياحية. لكن الهدف الحقيقي هو تهويد كامل المنطقة بين البلدة القديمة والشيخ جراح.

ـــــــــــ

الاخبار العاجلة