نقطة نظام- الفلتان الأمني والفوضى الوصفة النموذجية لاستحضار الإرهاب (2)

4 فبراير 2017آخر تحديث :
نقطة نظام- الفلتان الأمني والفوضى الوصفة النموذجية لاستحضار الإرهاب (2)

بقلم أنور رجب- جريدة الحياة الجديدة

رام اللهصدى الإعلام– 4/2/2017 بالعودة لظاهرة الفلتان الأمني، وما يمكن أن ينتج عنها من مخاطر جدية على قضيتنا ومشروعنا الوطني في حال تمكنها واستفحالها، فانه بات لزاماً علينا أن نتناولها أيضا بشيء من الجدية والجرأة وأن نحاول بموضوعية الخوض في ظروف وملابسات ظهورها من جديد وطبيعة منتسبيها، وأهداف مموليها ومن يقف خلفها، والجهات التي تعمل على تغذيتها سواء كانت داخلية أو خارجية بهدف توظيفها واستثمارها في خدمة أجنداتها الحزبية والسياسية.

بادئ ذي بدء لابد من التذكير أن هذه الظاهرة قديمة جديدة، وهي واحدة من إفرازات الانتفاضة الثانية “المسلحة” المعروفة باسم “انتفاضة الأقصى”، وتحديداً في السنوات الثلاث الأخيرة ما قبل 2008، وهو العام الذي بدأت فيه السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية تستعيد عافيتها بعد أن تعرضت لتدمير شبه كامل بفعل استهدافها من جيش الاحتلال، وباشرت بوضع حد لتلك الظاهرة وتمكنت من ذلك، ولكن بعد أن قادت الفوضى التي كانت سائدة لخسارة قطاع غزة وسيطرة حركة حماس عليه بالقوة المسلحة في يونيو 2007 بعد أن لعبت دوراً محورياً ورئيسياً في انتشارها وتغذيتها في الوقت الذي كانت تحضر وتعد العدة لانقلابها الدموي. أما في الضفة الغربية فقد بدأت مجموعات الفلتان المسلحة وبالتدريج تأخذ مكان المجموعات العسكرية التي تشكلت في سياق مواجهة جيش الاحتلال بعد أن سقط معظم المنتمين لها شهداء في أرض المعركة ومن تبقى منهم تعرض للاعتقال، ودون الخوض في التفاصيل فان المحصلة كانت سطوة وتغول مجموعات الفلتان على المواطنين في الضفة، فعاثت في الأرض فساداً وإفساداً، حتى بات بعض مسؤولي تلك المجموعات ينصبون أنفسهم مرجعيات في مناطقهم، بعد أن منحوا أنفسهم ألقاباً مستوحاة من قاموس العصابات وقطاع الطرق، من شأنها أن تثير الرعب في نفوس المواطنين لمجرد ذكرها أو التهديد بها، فثمة قصص وروايات تعج بها ذاكرة المواطنين عن تلك الفترة، وربما هذه الذاكرة هي من ساهمت وما زالت في قطع الطريق على محاولات هؤلاء استعادة واستحضار ماضيهم التليد.

في الآونة الأخيرة بدأت هذه الظاهرة تطل برأسها من جديد محاولة تلبيس نفسها رداء وطنياً أو منح نفسها بعداً اجتماعياً أو تنظيمياً، ومن هنا جاءت الحاجة لإعادة تصنيف وتوصيف هذه الظاهرة حتى لا يختلط الحابل بالنابل. فمن ناحية هل يمكن تصنيفها كظاهرة وطنية كما يروج لها البعض؟ كيف يمكن ذلك وهي مجموعات تحمل السلاح خارج الإطار الشرعي في مخالفة واضحة لما نص عليه القانون الفلسطيني، والأهم أن هذا السلاح لا يستخدم في مواجهة جيش الاحتلال والتصدي له، بل يتم توجيهه ضد المؤسسة الأمنية الفلسطينية وفي نشاطات مشبوهة وإثارة الفتن ونشر الفوضى “لهدف في نفس يعقوب”، وإلا ماذا يمكن تفسير لقاءاتهم مع قنوات التلفزة الإسرائيلية (حتى أن بعضهم وكانوا يدعون أنهم مطلوبون لسلطات الاحتلال، تم اعتقالهم والإفراج عنهم بعد ساعات)، وإن كانوا غير ذلك، فأفيدونا بنشاطاتهم الوطنية والمجتمعية والخيرية وما إلى ذلك من سلوك ينفي ما تسوقه المؤسسة الرسمية بحقهم، وما يتناوله المواطنون من روايات حول ممارساتهم، والحديث بأن الغالبية العظمى منهم هم من أصحاب السوابق والمطلوبين بتهم جنائية (حيازة وتجارة سلاح – إطلاق نار على قوات الأمن – قتل كما اعترف أحدهم– ترهيب المواطنين وابتزازهم)، وقد يكون بينهم من هو غاضب أو ضحية لظرف اجتماعي ما.

كما أن واقع الحال يشير إلى أنها مجموعات منظمة يوجد من يوجهها ويديرها ويمولها، وذلك بالنظر لكمية ونوعية السلاح التي يمتلكونها وكمية الذخيرة التي يستنزفونها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن غالبيتهم ذو مستوى معيشي متواضع لا يمكَنهم من دفع الثمن الباهظ لذلك السلاح، ومن جانب آخر فإن ما يسوقونه من ادعاءات وتبريرات بنفس النسق والسياق، فنجدهم يتحدثون بنفس العبارات والمطالب والاتهامات وكأن هناك من يلقنهم، مع أن مستوى وعي غالبيتهم الثقافي والأكاديمي لا يؤهلهم لذلك، ناهيك عن أن العديد من المواقع الإعلامية الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي المحددة الاتجاه والتوجه تتبنى الدفاع عنهم وتسويقهم بما ليس فيهم “ولغرض في نفس يعقوب أيضاً”. ثم لماذا إصرار هؤلاء على عدم تسوية قضاياهم وتسليم أنفسهم للقضاء بالرغم من سعي الحكومة لذلك أكثر من مرة عبر وساطات من شخصيات وطنية ومجتمعية، بل إن الحكومة ذهبت بعيداً في محاولاتها لعلاج هذه الظاهرة واحتوائها من خلال استيعاب عدد لا بأس به منهم في صفوف الأجهزة الأمنية، إلا أنهم أصرَوا على ما هم فيه فنالوا جزاءهم وفق القانون.

إذاً واستناداً لما سبق لا يمكن لنا أن نصنف ونصف تلك الظاهرة ضمن الإطار الوطني، أو أن نمنحها بعداً تنظيمياً أو اجتماعياً، والوصف الدقيق لها بأنها مجموعات خارجة عن القانون تسعى لنشر الفوضى في مدن الضفة الغربية، وهذا ما سيكون في حال تعاظمها واستفحالها إذا ما استخففنا بها وبأبعادها وتراخينا في مواجهتها واجتثاثها، والفوضى كما تشير التجربة في العديد من بلدان المنطقة هي الوصفة النموذجية لاستحضار الإرهاب وجماعاته، فنحن لسنا أكثر أمناً أو قوة أو استقراراً من سوريا أو ليبيا قبل انتشار الفوضى فيهما، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تعقيدات قضيتنا الفلسطينية وما يحيط بها من أزمات وتجاذبات، الأمر الذي من شأنه أن يمنح البعض منفذاً لاستثمار ذلك في خدمة أجنداته دون الالتفات لما يمكن أن يلحق بشعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني من أذى ومصائب، ومن ضمن هذه الجهات:

أولا: إسرائيل، وهي صاحبة المصلحة الأولى في نشر الفوضى وإبقاء السلطة الوطنية الفلسطينية في حالة من الضعف وعدم الاستقرار وتزاحم الأولويات، وربما استدعاء الجماعات الإرهابية ودعشنة الضفة الغربية، الأمر الذي يمنحها وتحت غطاء محاربة الإرهاب إعادة احتلال الضفة الغربية وتمرير مشروعها بشرعنة الكتل الاستيطانية وضمَها ضمن حدود دولة إسرائيل، واعتماد الرؤية التي يروج لها اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيام دولة فلسطينية في غزة، ومجالس بلدية في ما تبقى من أراضي الضفة.

ثانياً: حركة حماس، التي ما زالت ترى في نفسها بديلا عن السلطة الوطنية، وبديلا لمنظمة التحرير بكل مكوناتها، وقد أثبتت التجربة انها لا تراعي أي اعتبارات وطنية أو أخلاقية في سياق صراعها على السلطة، ولا تكترث بما تلحقه سياساتها من أذى ومعاناة للمواطن الفلسطيني كما نراه واقعاً في غزة، ولا يفوتنا التذكير هنا بسلوك حركة حماس في استحضار ودعم وتقوية الجماعات الإرهابية في إطار صراعها مع حركة فتح والأجهزة الأمنية في الفترة التي سبقت سيطرتها على قطاع غزة وفي مقدمتهم جماعة جيش الإسلام التي يترأسها ممتاز دغمش، وكيف تعاونت معها في تصفية واغتيال عدد من قيادات وضباط الأجهزة الأمنية، فما الذي يمنعها من تكرار ذلك في الضفة؟ خاصة وأن أحد أركان مشروعها بإقامة دولة في غزة يقوم على انتشار الفوضى وانهيار السلطة في الضفة، كمدخل لشرعنة وجودها وتصدرها للمشهد السياسي الفلسطيني بحكم الأمر الواقع، وثمة دول في المنطقة ستدعم وتروج وتتبنى ذلك في حال حدوثه.

كلمة أخيرة نوجهها لمن يرى في تبني ظاهرة الفلتان ودعمها مدخلاً لتحقيق طموحات شخصية أو تنظيمية أو سياسية: إن ذلك لا يعدو كونه واحداً من أساليب رجال العصابات، ولا يمكن فهمه في أي سياق غير ذلك، أيا كانت المبررات أو الحجج، أو اليافطات التي يتم باسمها وتحت غطائها استثمار هذه الظاهرة، وبالتالي فانه من الطبيعي أن يتم استخدام الإجراءات التي يكفلها القانون في مواجهة أساليب رجال العصابات بما فيها القوة، التي تمتلك الدولة الحق في احتكار استخدامها وفق النظريات السياسية والقوانين الدولية، فالوطن فوق الجميع، وحماية المواطن وأمواله وممتلكاته وكرامته فوق كل اعتبار.

الاخبار العاجلة