فليتسيا لانغر.. محامية أممية افتقدها أبطال الزنازين

24 يونيو 2018آخر تحديث :
فليتسيا لانغر.. محامية أممية افتقدها أبطال الزنازين

رام الله-صدى الاعلام

“كيف أخرس وأنا أرى هذا الظلم وأسمع هذا الضحك؟”، عبارة وجهتها المحامية اليهودية فليتسيا لانغر لسجانين إسرائيليين يوثقان يدي شابين فلسطينيين بواسطة “قيد بلاستيكي”، في ساحة سجن نابلس في سبعينيات القرن الماضي.

في ذلك اليوم الماطر، تقول لانغر: استقبلني السجانون بقولهم: ماذا؟ ألا تحترمين عيدهم “عيد الأضحى”!؟ أجبت: بسبب احترامي للعيد جئت اليوم إلى هنا بالذات.

المحامية اليهودية، الأممية، المناضلة، الشيوعية والانسانية، فليتسيا لانغر، المولودة في تارنوف ببولونيا، يوم 9 كانون الأول 1930، رحلت قبل يومين (22 حزيران 2018)، بعد أن تركت خلفها إرثا انسانيا وحقوقيا عمره عشرات السنوات، وهي السنوات التي تبعت مباشرة احتلال الضفة الغربية في حزيران 1967، وتولت آلاف القضايا المتعلقة بحقوق الفلسطينيين، ودافعت عن آلاف الأسرى في سجون الاحتلال، لتستحق بذلك ألقابا كثيرة، منها: الحاجة فولا، أم الأسرى.

أبطال الزنازين في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، افتقدوا لانغر، التي روت قصصهم، عذاباتهم وبطولاتهم، عن عتمة الزنازين وأقبية التحقيق، عن القيد الذي قاتل.

في كتبها، تروي لانغر حكايات عشرات البيوت التي هدمت وتلك التي هددت وأخطرت بالهدم، وحكايات أخرى عن عشرات الأسرى الذين دافعت عنهم، وذكرياتها مع الأسرى، مع السجانين والسجون، والظلم الذي تعرضت له شخصيا، عبر تهديدها بالإيذاء الجسدي، إلى أن قررت عام 1990 الرحيل إلى ألمانيا مع زوجها، هربا من العيش في ظل الاحتلال الهمجي.

الكاتب المقدسي جميل السلحوت، كتب راثيا لانغر: من شاهد صفحات التّواصل الاجتماعي في 22 حزيران 2018 يوم وفاة المحامية لانغر، لاحظ دون عناء فجيعة مئات المناضلين الفلسطينيين بوفاة المدافعة عنهم بإخلاص أثناء اعتقالهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ويضيف: ذاع صيت المحامية الشيوعيّة منذ احتلال اسرائيل للأراضي العربيّة في حرب حزيران 1967، وانخراط آلاف الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، ودفاع لانغر عمّن وقعوا في الأسر.

كانت صحافة القائمة الشيوعيّة الجديدة “راكح” “الاتحاد، الجديد والغد” تنشر أخبار المعتقلين، وما يجري في المحاكم ودفاع المحامين الشّيوعيّين تحديدا المشرّف عن المعتقلين الفلسطينيّين والعرب، وفي مقدّمة هؤلاء المحامية لانغر.

ويقول السحلوت: “لانغر كانت في دفاعها عن موكليها تؤكد أنّهم أسرى حرب، وأنّ من حقهم مقاومة الاحتلال، وأنّ من تجب محاكمتهم هم قادة الاحتلال. ومن أشهر القضايا التي دافعت عنها قضيّة المرحوم نبيل القبلاني وهو من أوائل المبعدين إلى الأردن، وما لبث أن عاد على رأس دوريّة مسلّحة، ووقع في الأسر في معركة غير متكافئة في وادي عربة، وقد لقيت محاكمته صدى اعلاميا واسعا، ومن تلك الحادثة التصق اسم المحامية لانغر بذاكرتي”.

ويضيف: عرفت لانغر عندما اعتقلت في آذار 1969 كان الطّقس حينها ماطرا، وبعد عدّة أيام من اعتقالي قال لي أحد المحققين في معتقل “المسكوبية في القدس مهدّدا بأنّهم “سيتسامحون” معي إذا أوكلت محاميا عربيّا –ذكر اسمه لي- ليدافع عني، وإنّني سأندم إذا وكلت المحامية الشيوعيّة لانغر!”.

ويتابع: “بعد وقت قصير دخل محام عربيّ، وبعد أن ذكر اسمه، مدّ ورقة لأوقع على وكالة ليدافع عني! فأجبته بأنّه لا توجد عندي قضيّة تستحق توكيل محام! ورفضت التوقيع. وعاد المحقق يهدّدني. بعد حوالي نصف ساعة دخلت امرأة حسناء ترتدي بدلة زرقاء، فحسبتها شرطيّة، قالت لي أنّها المحامية لانغر، وطلبت منّي أن أوقّع لها على وكالة، فقلت لها: وما يدريني أنّك لانغر؟ وذكرت لها تهديدات المحقق، فأخرجت بطاقة هويّتها وهي تقول مبتسمة: هذه هويّتي تأكّد منها”.

ويستذكر السحلوت: “عندما عُرضت على قاضي الصلح لتمديد توقيفي، كانت لانغر قد شاهدت بعض آثار التّعذيب على جسدي، طلبت من القاضي أن ينظر إلى وحشيّة التّعذيب، وطلبت منّي أن أخلع قميصي، وعندما شاهدت الجزء العلوي من جسدي، بكت بمرارة وهي تحتضنني بأمومة بائنة، وتصرخ بالقاضي وبالمدّعي العام”.

ويقول: “بعد أن تحرّرت من الاعتقال في نيسان 1970، خرجت من المعتقل بتقرّحات في القولون، وانزلاق غضروفيّ في الرقبة وأسفل الظهر، وتوجّهت لمستشفى المقاصد في القدس، والذي كان حديث العهد، فأخطأ الأطباء بتشخيص تقرّحات القولون، وظنّوها أوراما سرطانيّة، فعالجوني بالكيماوي الذي أسقط شعري وبشرة جلدي، ونقص وزني من 82 الى 49 كغم خلال ثلاثة وثلاثين يوما، وفي اليوم الثالث والثلاثين علمت لانغر بوجودي في المستشفى، فزارتني ومدير مكتبها يونا سلمان، والشّاب الفلسطيني الياس نصر الله، وطالب طبّ يهوديّ لا أذكر اسمه، ولمّا رأت وضعي الصحي جنّ جنونها، وأصرّت على ضرورة نقلي إلى مستشفى هداسا، وهناك تمّ التّشخيص من جديد، وأعطيت العلاج الصحيح، وتماثلت للشفاء، لذا فإنني مدين بحياتي للمحامية لانغر”.

ويضيف: “لانغر، التي تعادي الصهيونيّة تعاطفت بقوّة مع الفلسطينيين، وأصدرت كتابين عن المعتقلين هما” “بأمّ عيني، وأولئك اخواني” فضحت فيهما ما يتعرض له الأسرى من عذابات”.

وقد أحسن الرّئيس محمود عباس صنعا عندما منح المحامية لانغر قبل سنوات قليلة وساما فلسطينيا رفيعا سلمه لها السفير الفلسطيني في ألمانيا.

ناصيف معلم، من برقة في نابلس، يقول: “وصلتني عبر فيس بوك، صورة تذكارية من اللواء عدنان الضميري، تجمعنا بالمحامية لانغر في مقر مجلس الطلبة في جامعة النجاح عام 1982، خلال اجتماع للحديث والاتفاق حول آليات الاتصال معها ومع المحامي جواد بولس من اجل الدفاع عن الأسرى من طلبة جامعة النجاح الوطنية آنذاك. كنت أصطحب أهالي المعتقلين إلى مكتبها ومكتب الصديق المحامي جواد بولس الذي كان يعمل معها في نفس المكتب، وكانا ثنائيا رائعا للدفاع عن معتقلينا وعن أراضينا المسلوبة وعمليات القتل التي يتعرض لها شعبنا.

ويضيف: عرفت فليتسيا بدفاعها عن المناضلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وفضحها للسياسات الإسرائيلية الفاشية، كتبت الكثير من المقالات في الصحف العالمية والفلسطينية، وأصدرت عدة كتب أهمها كتاب “بأم عيني” وهو عبارة عن شهادات حية عن جرائم الاحتلال، وكتاب “أولئك اخواني”، الذي تطرقت من خلاله لمجموعة من المناضلين في سبعينيات القرن الماضي.

وختم: برحيل لانغر يفتقد شعبنا محامية اممية ناصرت قضيتنا الوطنية، محامية تطوعت للقيام بزيارات الى عواصم الكرة الأرضية للحديث عن الاحتلال والقضية الفلسطينية، ومع اشتداد القبضة الحديدية من اليمين الإسرائيلي رحلت فليتسيا خوفا من الاغتيال. ارقدي بسلام، لن ينساك شعبنا، هناك من يحمل ارثك، وهناك من يسير على دربك من امثال جواد بولس الذي يوصل الليل بالنهار وهو يتابع اعدادا مهولة من قضايا معتقلينا في سجون الاحتلال، وستبقى مدرسة فليتسيا ناقوسا يدق فوق رؤوس الاحتلال حتى نرى بهم يوما يحاكمون امام محكمة مجرمي الحرب.

عطا قيمري من القدس، يقول: “هذه أمي الثانية، الرحمة على فليتسيا الإنسانة الرقيقة والرفيقة الفاضلة، أول من دافع عن الاسرى الفلسطينيين، وكانت أما واختا ورفيقة لهم، في كتابها “بأم عيني” سجلت فيه اول القصص عن البطولة الفلسطينية في سجون الاحتلال وفي مواجهة محاكم البطش والظلم، فكانت اول السائرين على درب كشف اللثام عن وجه الاحتلال البغيض”.

ويضيف: “كانت تحبني كابن لم تلده، تعانقني وتقبلني كلما رأتني، كتبت عني فصلا كاملا في كتابها، الذي شهرها وجعلها صوت الحق والحرية على المستويين المحلي والعالمي، لم تنس ابدا انها انسانة قبل ان تكون شيوعية او يهودية”.

نعمات خمرة من حيفا، قالت: “منذ نعومة أظافري تعرفت إلى المناضلة لانغر، وقرأت كتابها “أولئك اخواني”، اعجب والدي الذي رحل سنة 1979، بطريقة عملها ودفاعها عن الأسرى، وطالما تحدث عنها وعن شخصيتها الفذة، شكرا لك والدي علي خمرة، إذ دفعت إليّ بكتابها لاقرأه في عمر لم يتجاوز الـ12 عاما”.

عبلة جابر، من القدس، قالت: لم أكن أعلم انها ما زالت على قيد الحياة، فقد تعرفت عليها في السبعينيات من خلال قراءة كتابها “أولئك إخواني”، الذي يروي معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال .

مصطفى القاسم: كانت لانغر وكيلة أخي وشقيقي عمر القاسم “مانديلا فلسطين”، طوال فترة اعتقاله على مدى 22 عاما، وقبل استشهاده في الأسر، كانت تساعدها المحامية ليئا تسيمل، التي ? تقل شأنا عنها في محاولة ا?فراج عن شقيقي بتبادل الأسرى والعلاج بالخارج، على أن يطلق سراحه بالقدس قبل المغادرة ليتمكن من العودة مجددا، لم تجر ا?مور على ما يرام، وطوبى للمدافعين عن الكرامة الفلسطينية.

مؤلفات لانغر: “بأم عيني” 1974، هؤلاء “إخواني” 1979، “من مفكرتي” 1980، “القصة التي كتبها الشعب” 1981، “عصر حجري” 1987، “الغضب والأمل” 1993، “الظاهر والحقيقة في فلسطين” 1999، “تقرير ميتسيو، “الشباب بين الغيتو وتيريزينشتادت” 1999، “الانتفاضة الفلسطينية الجديدة” 2001.

كتبت المحامية لانغر الرئيسة الفخرية للتحالف الاوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، رسالة إلى النائب خالدة جرار، قالت فيها: “عزيزتي النائبة خالدة جرار.. أنت يا عزيزتي معتقلة سياسيا، مما تسمي نفسها بالديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط. أنت عضو في البرلمان الفلسطيني واعتقالك فقط لأنك تتضامنين سياسيا مع أخواتك وإخوانك المعتقلين في السجون الإسرائيلية بسبب نضالهم المشروع ضد الاحتلال”.

وجاء في الرسالة: “لقد تم اعتقالك إداريا ومن دون محاكمة حتى يتم التمويه على اعتقالك دون ذنب وفقط لرأيك السياسي، وكما كتبت صحيفة هآرتس فلم يستطيعوا لحد الآن توجيه أي تهمة ولا حتى إجراء. أي محكمة هزلية!؟ إنني على معرفة تامة بقوانين الاحتلال يا عزيزتي، وأكاذيبهم معروفة حتى ولو لبسوا لباس القضاة. عزيزتي خالدة أنت كأخت مناضلة لي وبالرغم من تقدمي بالسن فانا أقف إلى جانبك وأعلن التضامن معك ومع عائلتك من القلب”.

وتضيف: “إن اعتقالك الظالم سينقلب عليهم وستكون نتائجه عكسية على الاحتلال، فستتصاعد حملة التضامن معك ويزداد الضغط عليهم وستشوه صورة هذا الاحتلال البغيض… عزيزتي النائبة خالدة.. كل ذي ضمير حر يقف إلى جانب قضيتك ومع الشعب الفلسطيني من اجل إحقاق الحق، والحرية”.

تقرير:يامن نوباني/وفا

الاخبار العاجلة