تحقيق صحفي – حين تصبح العضوية في المجلس التشريعي مصدراً للدخل الإضافي!

29 ديسمبر 2018
تحقيق صحفي – حين تصبح العضوية في المجلس التشريعي مصدراً للدخل الإضافي!

تحقيق للصحفي محمد عثمان – غزة

يُمارس 18 % من نواب قطاع غزة الـ 48 مهناً أخرى حرّة ويتقاضون دخولاً إضافية في خرقٍ واضح لقانون واجبات وحقوق أعضاء المجلس التشريعي ولنظامه الداخلي الذي يحظر عليهم العمل في أي مهنةٍ أخرى أثناء عضويتهم بالمجلس

النواب الذين ينتمون إلى كتلتي التغيير والاصلاح (حماس) وكتلة فتح يعمل غالبيتهم في الطب والتدريس الجامعي.ما يجنيه النائب من عمله غير التشريعي يُضاف إلى ثلاثة آلاف دولار يتقاضاها شهرياً.

في ظل حال المجلس التشريعي المنقسم على نفسه والمعطل، اتفقت قبل نحو عام مع شبكة أريج ومشرفي الدكتور عبدالله السعافين على أن أُنجز تحقيقاً استقصائياً حول مكافآت وميزات نواب المجلس التي يتلقونها مقابل عضويتهم فيه دون أن يقوموا بواجبهم الدستوري المناط بهم، وبالفعل بدأت بالعمل في التحقيق وبإطار الفرضية التي قمنا بتحديدها.

بعد فترة من العمل اكتشفت وبطريق الصدفة وجود نواب من المجلس التشريعي في قطاع غزة يعملون بأعمالٍ أخرى يتقاضون عليها مبالغ مالية، وتحديداً الصدفة قادتني إلى اكتشاف عمل نائباً من إحدى الكتل النيابة طبيباً في عيادته الخاصة، وجدت أن ذلك مخالفاً لقانون واجبات وحقوق أعضاء المجلس التشريعي رقم (10) لسنة (2004)، وتحديداً المادة (7) منه والتي تنص على :”لا يجوز للعضو تولّي أي أعمال وظيفية أو استشارية لدى أية جهة كانت مقابل أجر”.

ومن هنا تواصلت مع مشرفي الدكتور عبدالله وقمنا باعادة بلورة الفرضية من جديد لتصبح كالتالي “أعضاء في المجلس التشريعي بقطاع غزة يمارسون اعمالا خاصة مقابل اجر رغم تمتعهم بالمزايا المادية والمعنوية في خرق واضح لقانون حقوق وواجبات اعضاء المجلس التشريعي”.

التقاطي للخيط الاول، النائب الذي يعمل في عيادته الخاصة في احدى مدن قطاع غزة، دفعني للبحث عن خيوط جديدة ونواب اخرين، ومن خلال متابعة مستمرة ومضنية في قائمة اعضاء المجلس بقطاع غزة، وبعد صعوبات كثيرة عثرت على مجموعة من النواب الذين يعملون كاساتذة جامعات ومشرفي ومناقشي ابحاث دكتوراه وماجستير من نفس الكتلة، اضافة الى نائب اخر ومن كتلة اخرى يعمل بشكل علني في عيادته الخاصة وسط مدينة غزة.

النواب، الاكاديميين، بعد التاكد من عملهم في الجامعات قمت باعطائهم حقهم في الرد حتى لا أكون قد ظلمتهم ولأن ذلك حقهم بعد ان كشفت لهم فحوى وهدف التحقيق، الا انهم انكروا على الرغم من وجود ادلة واعترافات منهم بذلك.

اثباتي لعمل النائبين الطبيبين في عيادتهما الخاصة لم يكن سهلا، فهما لن يعترفا بسهولة طبعا لي كصحافي انهما يعملان بمقابل مادي فيما لو توجهت لهما لعمل حوارا صحفيا، وهذا ما اثبته احد النواب حينما قمت بعمل لقاء صحفيا معه تحت قبة البرلمان حول عمل اعضاء التشريعي باعمال اخرى الا انه استنكر عملهم نافيا ايضا عمله في وظيفة اخرى على الرغم من كونه طبيب، وهنا كنت على يقين انني سرت في الطريق الصحيح حينما قمت بلعب دور المريض في عيادة كل من الطبيبين واثبتت عملهما وأجرهما اللذان يقاضيانه على عملهما ووثقت ذلك بالكاميرا الخفية.

الصعوبات:

لم يكن العثور على نماذج من النواب المخالفين سهلا اطلاقا، ولا حتى طريقة الاثبات، فالخيط الاول (النائب الطبيب) والذي عثرت عليه صدفة دفعني للبحث عن مجموعة اخرى، لانه من غير المنطقي الكتابة في الموضوع والتعميم فقط لوجود نائب واحد يخالف، فبحثت لفترة طويلة من خلال سجل نواب التشريعي في قطاع غزة وسيراتهم الذاتية ومهنهم، ومن ثم نزلت الى الارض كي اثبت ما اصبح لدي من فرضيات وشكوك كعملهم مثلا في الجامعات، وقمت بسؤال طلاب الجامعات وبعض الاكاديميين والاداريين بالجامعة الاسلامية وبعض الجامعات الفلسطينية، اضافة الى انني حصلت على وثائق من موقع الجامعة الاسلامية الالكتروني تثبت عمل النواب كمشرفين ومناقشين ابحاث ماجستير ودكتوراه اضافة الى التدريس.

اما فيما يتعلق باثبات عمل النائبين- الطبيبين- تواصلت معهما عبر الهاتف (موثقة) لتحديد مواعيد للعلاج لديهما في عيادتيهما الخاصتين، وبالفعل توجهت اليهما بعد تحديد الموعدين متمارضا، اثبت ان لديهما عيادة، وقاما بعلاجي من مرضي المزعوم وتقاضيا مني (الكشفية)، وكل ذلك موثقا من خلال الكاميرا الخفية… وحينما قمت بمواجهتهما لاعطائهما حق الرد عبر التلفون (موثقة)، النائب الاول والذي كان الخيط الاول لي والذي نفى تحت قبة البرلمان عمله واستنكر عمل النواب، نفى ان يكون لديه عيادة أساسا، واصفا الكشفية التي يأخذها من المواطنين انها كي يعودوا اليه للعلاج والمراجعة مرة اخرى ولا يخجلون، لأنه يرغب في علاج الناس ومساعدتهم، ونفى ان تكون كشفية.

الطبيب الثاني، من كتلة نيابية اخرى، حينما واجهته، أكد عمله في عيادته، وبكل بساطة تحدث ان ذلك ليس ممنوع وفق مدير الدائرة القانونية للمجلس التشريعي برام الله، والذي أحالني اليه، والذي بدوره أكد قانونية عمل نائب التشريعي في مهن ثلاثة (المحاماة، التدريس الجامعي، الطب)، وهو ما لا يوجد في القانون.

وكوني أقوم بأول تحقيق استقصائي له علاقة بكشف انتهاكات ومخالفات قانونية ومالية وسياسية، في ظل سقف الحرية المتدني جدا لدينا، فان التجربة نوعا ما كانت صعبة.

الاخبار العاجلة