الذكرى الحادية عشرة لرحيل (الحكيم)

26 يناير 2019آخر تحديث :
الذكرى الحادية عشرة لرحيل (الحكيم)

رام الله – صدى الاعلام

تصادف اليوم السبت، الذكرى الـ11 لرحيل القائد الوطني والقومي والأممي، مؤسس حركة القوميين العرب، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الحكيم جورج حبش.

وولد (الحكيم) في 12 آب/ أغسطس 1926 في مدينة اللد، لعائلة مسيحية ميسورة الحال مؤلفة من سبعة أفراد، وتعرض للتهجير عام 1948 إثر النكبة.

أنهى حبش دراسته الابتدائية في مدينة اللد، وتابع دراسته الثانوية في مدينتي يافا والقدس، وتخرج من مدرسة ترسنطا في القدس، وعاد إلى يافا مدرساً قبل التحاقه بالجامعة.

انتقل إلى بيروت عام 1944 للالتحاق بكلية الطب في الجامعة الأمريكية، وتخرج منها طبيبا عام 1951، وخلال مرحلة دراسته الجامعية، تبلورت أفكاره وتعزز انتماؤه القومي، فساهم في إعادة صياغة جمعية “العروة الوثقى” وتحويلها إلى منتدى سياسي وفكري، لتناول الحالة السياسية الفلسطينية، وتعزيز العلاقات بين الشباب العرب.

قام بتشكيل “كتائب الفداء العربي”، حيث التف حولها جمع من الشباب العرب ونفذت عدة عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية في الأرض المحتلة.

هجر جورج حبش الطب واتجه الى ميدان السياسة والمقاومة، فأسس مع مجموعة من رفاقه “حركة القوميين العرب” عام 1951، وكان من بين المؤسسين وديع حداد، وهاني الهندي، وكانت الحركة تسعى لخلق حالة نهوض عربي شامل.

وانتقل الحكيم إلى الساحة الأردنية ليكون مع رفاقه في ساحة النضال الميداني، وواصل حراكه السياسي في الأردن دون أن يغفل متابعة ساحات العمل الأخرى في المنطقة العربية، وغادر الأردن إلى سوريا، ثم الى بيروت بهدف تشكيل خلايا لحركة القوميين العرب في الدول العربية.

وأسس حبش “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” وأعلن عن انطلاقتها في11/12/1967، وتشكلت الجبهة كنواة لحزب ماركسي لينيني، مع التركيز على البعد القومي العربي كميدان ورابطة للعمل الجبهوي.

واصل حبش قيادته للجبهة الشعبية، أمينا عاما حتى عام 1999، وترك موقعه طوعا وخلفه مصطفى الزبري (أبو علي مصطفى)، الذي اغتالته إسرائيل في 27/8/2001 في رام الله.

وقد قال الشاعر الكبير محمود دوريش شهادته في الحكيم …جورج حبش في المخيّلة الفلسطينية مكانة الأيقونة، حتى الذين اختلفوا معه على معالجة المعقّد بالبسيط والبداهة، أحبوه واحترموه، وأصيبوا في صحبته بعدوى الأمل من فرط ماهو صادق وشفاف، كان كثيراً مايحيل السؤال السياسي المركب إلى مسألة أخلاقية، وموعظة تبشيرية في فقه الحقوق والكرامة الوطنية. فلا شيء في نظره يبرر المساومة مع الظلم التاريخي الذي اقتلع شعباً من وطنه، وطالبه بتقديم البرهان على وجوده. كان علماني التفكير والسلوك.. وأصولياً وطنياً، بالمعنى المعاكس لما هو رائج الآن، في الدفاع عن هويته الوطنية التي لم يجد لها معنى خارج هويته القومية. ومتحصناً بثبات المبادئ وتحولات الوسائل، كان من اشد المدافعين عن التعددية والوحدة الوطنية، وحل الخلاف في الرأي بالحوار..بالحوار فقط. لا بالسلاح والانشقاق.

 كانت بنيته الفكرية والأخلاقية الواضحة شديدة الإحكام والتماسك والعناد. تمتع بكاريزما قيادية نادرة تستعصي على التفكيك. وحين ينزل عن المنبر الملتهب بكلماته الناريّة، وتجلس إليه في خلوة حميمية تستشعر بأنك في رفقة أب حنون ٍ أو صديق حميم .. هادئ وشديد الدماثة.. يتقن الاستماع إليك، وكأنه يريد ان يعرف منك أكثر ما تريد أن تعرف منه . إنه تواضع الكبار الذين ينصتون إلى إيقاع الزمن المتغير.

عاش (الحكيم) بعد استقالته في العاصمة الأردنية عمان متفرغا للإشراف على مركز للدراسات والأبحاث الى أن توفي يوم 26 كانون الثاني/ يناير 2008، في عمّان ودفن فيها.

تزوج حبش عام 1961 من هيلدا حبش، وهي فتاة مقدسية، وأنجبا فتاتين.

عام 1964، غادر حبش إلى القاهرة، لمقابلة الرئيس عبد الناصر، وتكونت بينهما علاقات صداقة، وطرح على عبد الناصر موضوع الكفاح المسلح في جنوب اليمن، والكفاح المسلح في فلسطين، ودار نقاش طويل حول الموضوعين كانت نتيجته بدء الكفاح المسلح في جنوب اليمن الذي انتهى بطرد القوات البريطانية، وكذلك الاتفاق على بدء الإعداد للكفاح المسلح الفلسطيني على أن تتم عملية التنفيذ في اللحظة المناسبة.

كان حبش هدفا لجهاز الموساد على مدى سنوات طويلة، وحاول الموساد الإسرائيلي عام 1973 اختطاف حبش حين اعترضت مقاتلات إسرائيلية طائرة مدنية عراقية وأجبرتها على الهبوط في مطار “بن غوريون”، ومن ثم سمحت لها بالإقلاع والمغادرة بعد أن تبين خطأ المعلومات الاستخبارية، وأن حبش لم يكن على متنها.

وفي هذه الذكرى لا ان بد وان نشير الى  ابرز مواقف (الحكيم ) التي لا تنسى ذات يوم وفي قاعة اليونسكو في العاصمة اللبنانية بيروت ، وقف أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني وقال أمام الحضور: والآن مع كلمة الثورة الفلسطينية ، مع كلمة الشعب الفلسطيني، مع كلمة الثورات العربية المعاصرة وضمير الثورات ، يلقيها الرفيق جورج حبش .

وفي هذه اللحظة غضب بعض قادة فتح وهمسوا للزعيم عرفات وقالوا له : ان هذه اهانة ما بعدها اهانة، وكيف ستسمح لجورج حبش ان يلقي كلمة الثورة الفلسطينية وان تجلس وتسكت ، انها اهانة لحركة فتح وللشباب واقترحوا عليه ان يقف على رجليه ويغادر القاعة … ولكن عرفات همس لهم بالحرف الواحد ( لن اسجّل في تاريخي انني خرجت من قاعة اثناء كلمة حكيم الثورة جورج حبش ) ورفض الخروج وجلس مثله مثل غيره يستمع الى كلمة حبش 

المفاجئة الكبرى كانت حين صعد (الحكيم) على المسرح وقال : ان كلمة الثورة الفلسطينية ، ان كلمة الشعب الفلسطيني ، ان كلمة الثورات العربية المعاصرة وضمير الثورات ، لا يلقيها الا اخي ورفيق دربي القائد العام للثورة الفلسطينية ياسر عرفات .

وهنا وقفت كل القاعة وكادت الدموع تنسكب على وجوه المقاتلين فقفز ابو عمار الى المسرح وعانق جورج حبش وظل الجمهور يصفق ويهتف تحيا الثورة ووحدة وحدة وطنية.

سيبقى (الحكيم) حاضراً بفكره وتعاليمه وأخلاقه الثورية ومبادئه الثابتة وكل ما تركه من إرث نضالي ضخم، الضمير الحيّ للثورة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.

 

الاخبار العاجلة