فريدمان يستبق الضم

28 مارس 2019آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول عن الحياة الجديدة


أعلن السفير الأميركي، فريدمان أمس الأول، أنه من المرجح ان يتم ضم جزء كبير من الضفة لإسرائيل في إطار ما يسمى صفقة القرن، أو كما وصفها السفير اليهودي الصهيوني بـ “أحقية إسرائيل بالأمن على الضفة”. وهو استمرار لنهج الإدارة الأميركية القائمة، المندفعة بشكل أهوج، وغير مسبوق في دائرة المزاودة على حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، والتقدم عليها في الحرب على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية.


والسفير المستعمر، فريدمان منذ تولى مهامه في دولة الاستعمار الإسرائيلية- قبل عامين بالضبط من الآن- (موافقة الكونغرس على توليه المنصب في 29 آذار/ مارس 2017)، وهو يعتبر بمثابة المبشر بالسياسة الأميركية تجاه مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويستبق المواقف الرسمية للإدارة الأميركية، لا بل يكاد هو وباقي الفريق الصهيوني، كوشنير وغرينبلات، يضع المواقف المتماهية مع السياسة الإسرائيلية في فم الرئيس دونالد ترامب. وبالتالي ما أعلن عنه امس الأول يمثل استباقا لقرار الضم بشكل رسمي للمنطقة (ج)، وتكريسا لما كان أعلنه جيسون غرينبلات سابقا، أن مصالح إسرائيل الأمنية، هي التي تحدد حدودها، وبتعبير اوضح ان فريق رئيس الولايات المتحدة (الترويكا الصهيونية)، المعني بملف صفقة القرن المشؤومة، هو الذي يرسم السياسات، ويخطط البرامج والتوجهات الأميركية وفق ما يشاء، وبما ينسجم ويخدم برنامج حكومة الائتلاف اليمين المتطرف، ليس هذا فحسب، بل ويسبقه بمسافات كبيرة لتمهيد الطريق لانتهاكات أعظم وأعمق مما ينادي به نتنياهو الفاسد.


ومن يعود للخلف قليلا، ومنذ المباشرة في التنفيذ الفعلي لصفقة القرن منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 عندما رفضت الإدارة التجديد لمكتب ممثلية منظمة التحرير في واشنطن، وتلت ذلك بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2018، ونقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس في أيار/مايو 2018، وملاحقة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين … إلخ من الهجمات المتلاحقة في حربها على ثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني، وهي تتخندق في خنادق حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وتتبنى توجهاتها، كما فعلت عندما أقر الكنيست “قانون أساس القومية للدولة اليهودية” في تموز/ يوليو 2018، الذي قرر تقرير المصير على أرض فلسطين العربية المغتصبة لـ”ليهود الصهاينة” فقط، وأسقط هذا الحق عن أبناء الأرض والوطن الأصليين الفلسطينيين. وهو ما يعني أن ما أعلن عنه فريدمان، ليس سوى تجسيد لما يجري تطبيقه على أرض الواقع من قبل دولة الاستعمار الإسرائيلية.


وهذا أيضا ما أكده بن كسبيت في مقالته في صحيفة “معاريف” قبل يومين، عندما اشار، إلى ان نتنياهو يعمل عمليا على ضم الضفة، ويسعى لفصل القطاع عن باقي الوطن، ويحابي حركة الانقلاب الحمساوية، في الوقت الذي يعادي فيه القيادة الفلسطينية الشرعية، المتمسكة بخيار السلام، وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. وهو ليس الوحيد في الأوساط الإعلامية الإسرائيلية، الذي يفضح سياسات رئيس الحكومة المستقيل، المدعوم من قبل إدارة ترامب المعادية للسلام والتعايش والأمن في المنطقة، التي تصوت له عبر منحه الهدايا، وكان آخرها قبل يومين الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية العربية، بل هناك العديد من كتاب الرأي، والقادة السياسيين وغيرهم من أنصار السلام، الذين يتحفظون على سياساته، وحتى على سياسات وتوجهات الرئيس ترامب.


مع ذلك، يمكن الجزم، ان ما أعلن عنه السفير الأميركي، وقبله الممثل الشخصي للرئيس الأميركي، وقائد الفريق المكلف بصفقة القرن، وباقي أركان الإدارة الأميركية لن يمر مرور الكرام، وستكون له ارتدادات عميقة السلبية على مجرى الصراع، ليس لأنها تتناقض مع مواثيق وقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، إنما لأنها تفتح ابواب جهنم في ساحة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كونها تمنح القيادات اليمينية المتطرفة والفاشية الصهيونية الضوء الأخضر لارتكاب جرائم حرب ضد القيادة الشرعية برئاسة الرئيس محمود عباس، وضد أبناء الشعب الفلسطيني عموما، وهو ما ستكون له عواقب وخيمة على الأمن في الأقليم والعالم ككل.


ولعل الفرصة المؤاتية لنا مع اقتراب التئام القمة العربية في تونس لإشراك الأشقاء العرب في تحمل المسؤولية لصد الهجمة الأميركية، ووقف التغول الإسرائيلي على الحقوق والمصالح الفلسطينية، وفي ذات الوقت، اتخاذ ما يلزم لفضح دور حركة حماس التخريبي، والمدمر للمصالحة الوطنية، وممارسة الضغط عليها لإلزامها باستحقاقات الوحدة الوطنية، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني.

الاخبار العاجلة