خطة ليبرمان… ايجاد قيادة فلسطينية بديلة مصيرها عدم النجاح

27 أغسطس 2016آخر تحديث :
خطة ليبرمان… ايجاد قيادة فلسطينية بديلة مصيرها عدم النجاح

بقلم: راجح ابو عصب عن صحيفة القدس

قدم وزير الدفاع الاسرائيلي افيجدور ليبرمان مؤخرا ما اسماه خطته للتعامل مع الشعب الفلسطيني , وتعتمد الخطة اساسا على تجاوز القيادة الشرعية الفلسطينية المنتخبة التي يقف على رئاستها الرئيس محمود عباس , وهي القيادة التي تعترف بها دول العالم اجمع , بما فيها اسرائيل نفسها . وقد تم اعتراف اسرائيل رسميا بالقيادة الشرعية الفلسطينية في اتفاق اوسلو الذي وقعته حكومة اسرائيل بقيادة رئيس وزرائها انذاك اسحق رابين , مع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .

وقد نصت اتفاقية اوسلو عام 1993 التي وقعت برعاية اميركية في حديقة البيت الابيض في عهد الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون على ان تقيم منظمة التحرير الفلسطينية اول سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة .

على ان يبت الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي في القضايا الشائكة في مرحلة الحل النهائي التي حددتها الاتفاقية بخمس سنوات .

وقضايا الحل النهائي تشمل وضع مدينة القدس الشرقية والحدود وقضية اللاجئين , ولكن جاء اغتيال المتطرف اليميني الاسرائيلي يجئال عمير لاسحق رابين في الرابع من تشرين الثاني من عام 1995 خلال مهرجان خطابي اقيم تأييدا للسلام مع الشعب الفلسطيني في ميدان ملوك اسرائيل في مدينة تل ابيب الذي اطلق عليه بعد اغتيال رابين ميدان رابين , جاء ذلك الاغتيال ضربة موجعة لكل قوى السلام في المنطقة والعالم , حيث توقفت عملية السلام خاصة بعد ان شكل رئيس وزراء اسرائيل الحالي بنيامين نتنياهو حكومته الاولى في عام 1996 والتي ضمت وزراء من احزاب اليمين الاسرائيلي واليمين الاسرائيلي المتطرف .

وقد سعى نتنياهو منذ تأليف حكومته الاولى وحتى حكومته الرابعة اليوم الى ايقاف مسيرة السلام باختلاق اشتراطات يعلم مسبقا ان الجانب الفلسطيني لن يقبل بها مطلقا لانها تمس بالثوابت الفلسطينية , وتتجاوز الخطوط الحمراء الفلسطينية , من ذلك رفضه بحث قضية اللاجئين ودعوته الى توطينهم في الدول العربية المقيمين فيها كضيوف , ومنها ايضا رفض البحث في وضع القدس الشرقية , بادعائه انها مع القدس الغربية عاصمة اسرائيل الابدية الموحدة , علما ان العالم كله بما فيه الولايات المتحدة , الحليف الاستراتيجي الاول والوحيد لاسرائيل في العالم لا تعترف بضم اسرائيل القدس الشرقية عدا دول صغيرة لا يسمع بها احد مثل دولة مكرونيزيا .

ويعلم نتنياهو ان الجانب الفلسطيني لن يوقع اي اتفاقية سلام مع اسرائيل لا تتضمن الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية , وهذا ما يؤكده الرئيس عباس باستمرار مع اعلانه ان القدس الشرقية ستبقى مفتوحة امام الجميع خاصة امام اتباع الديانات السماوية الثلاث حيث يستطيعون اداء شعائرهم الدينية براحة وامان ودون اي معوقات .

كما ان نتنياهو , ومن شروطه التعجيزية يطالب الجانب الفلسطيني بالاعتراف بيهودية الدولة العبرية وهذا ما يرفضه الجانب الفلسطيني باعتباره تهديد لمستقبل اكثر من مليون فلسطيني يعيشون في اسرائيل ما قبل العام 1948 ولآن هذا الشرط يعني الغاء بحث قضية اللاجئين .

وما زالت مسيرة السلام متوقفة جراء التعنت الاسرائيلي والشروط الاسرائيلية التعجيزية , وبسبب اصرار حكومة نتنياهو على الاستمرار في سياسة التوسع والاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس الشرقية . وان كان الجانب الفلسطيني دخل خلال الاعوام السابقة مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع الجانب الاسرائيلي ترجمة لموقفه الساعي لتحقيق سلام عادل وشامل يقوم وفق رؤية حل الدولتين : دولة فلسطينية الى جانب دولة دولة اسرائيل .

ولكن الجانب الفلسطيني انسحب من تلك المفاوضات , عندما لمس عدم جدية الجانب الاسرائيلي , الذي اتخذ من تلك المفاوضات وسيلة للاستمرار في سياساته التوسعية الاستيطانية وليس هدفا لتحقيق السلام العادل والشامل وقد وصفها الرئيس محمود عباس وبحق بأنها مفاوضات عبثية .

والامر المستغرب انه بعد اكثر من عشرين عاما على اعتراف اسرائيل من خلال اتفاقية اوسلو , بالقيادة الشرعية الفلسطينية وبالسلطة الفلسطينية التي اقيمت بناء على تلك الاتفاقية وبعد اعتراف العالم كله بتلك السلطة وبعد افتتاح سفارات فلسطينية في اكثر من مئة وثلاثين عاصمة عربية وغربية , يأتي وزير الدفاع الاسرائيلي ليبر مان ليلغي كل ذلك ويسعى لايجاد قيادة فلسطينية بديلة ويريد اعادة عجلة التاريخ الى الوراء الى ثمانينات القرن الماضي عندما انشات اسرائيل روابط القرى في الضفة الغربية وقد فشلت تلك الخطة خطة جعل روابط القرى ممثلا للشعب الفلسطيني فشلا ذريعا ويريد ليبرمان الان احياء الموتى بعد ان اصبح رفاتا وفي عالم اخر .

وقد اوضحت القناة العاشرة الاسرائيلية بنود خطة ليبرمان , التي تعتمد سياسة العصا والجزرة اي معاقبة المدن والقرى التي يسميها ليبرمان ” المناطق الساخنة ” التي يخرج منها من دعاهم بالمخربين , اي يعاملون بسياسة العصا , واما من اسماهم بالمناطق الهادئة فيعاملها بسياسة الجزرة , اي يمنحها تسهيلات في عدة مجالات وذكر منها : اقامة مشاريع تطويرية فيها في عدة ميادين مثل : اقامة ملاعب لكرة القدم ومناطق صناعية , ومشاريع تطويرية اخرى .

ومن بنود خطة ليبرمان , انه سيبدأ حوارا مع شخصيات فلسطينية من خلال منسق اعمال الحكومة الاسرائيلية في الضفة الغربية الجنرال يؤاف مردخاي رئيس الادارة المدنية وجاء اعلان ليبرمان خطته بعد ايام من اعلان الادارة المدنية الاسرائيلية عن اقامة وحدة الاعلام الجديد التي تهدف الى التواصل المباشر مع الفلسطينيين وتقديم خدمات لهم من خلال وسيلة التواصل الجديدة , من ذلك مثلا منح تصاريح عمل اضافة الى خدمات اخرى لم توضح طبيعتها , وذلك سعيا من الادارة المدنية , وبناء على تعليمات الوزيرليبرمان الى تجاوز القيادة ا لشرعية الفلسطينية حيث كانت تلك الاتصالات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي تتم من خلال وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية .

كما ان خطة ليبرمان تتضمن اقامة موقع اخباري باللغة العربية , وذلك ليشرح للمواطن الفلسطيني التوجه الجديد للحكومة الاسرائيلية , وقد رصد لاقامة هذا الموقع مبلغ عشرة ملايين شيكل وقال ليبرمان معللا اقامة ذلك الموقع يعتبر في حد ذاته تحديا ولكنه اعلن انه صادق على الميزانية المخصصة للموقع وعلى كافة الملاكات , اي الوظائف التي تتبع ذلك الموقع .

وادعى ليبرمان في تبريره لطرح خطته تلك انه يعتزم التواصل مع المجتمع الفلسطيني بدون وسطاء زاعما ان الرئيس عباس يعتبره حاجزا بوجه الاتفاق , وكان ليبرمان قد ادعى في عام 2014 ان الرئيس عباس ” ارهابي دبلوماسي ” وقال ليبرمان ان البلدات التي يخرج منها منفذو عمليات ستتزايد فيها حملة اعتقالات والتطبيق الاداري فيما اسماه البناء غير القانوني في تلك البلدات وكذلك ما يخص السيارات المسروقة , واضاف ان المناطق التي لا يخرج منها من اسماهم بالمخربين , ستحصل على مشاريع مدنية في مناطق “سي ” وطرح مثالا على ذلك موافقة اسرائيل على اقامة مستشفى في بلدة بيت ساحور ومنطقة صناعية غرب مدينة نابلس اضافة الى تجديد العمل في كازينو مدينة اريحا .

وبرر ليبرمان سعيه لتجاوز القيادة الشرعية الفلسطينية بقوله : اذا كان هناك كتابا وادباء ورجال اكاديميون فلسطينيون بارزون على المستوى المحلي فلماذا يتواصل اولئك معنا عن طريق الرئيس عباس , واذا كان عباس يخاطب المجتمع الاسرائيلي , فلماذا لا نخاطب نحن المجتمع الفلسطيني .

وذكرت مصادر اسرائيلية ان خطة ليبرمان هذه تغطي العاملين القادمين , وقدرت تلك المصادر حجم تكلفتها باربع مئة مليون شيكل , وقالت تلك المصادر ان الجيش الاسرائيلي بدأ بتنفيذ خطة ليبرمان في الضفة الغربية متجاوزا السلطة الفلسطينية , وقد تمثل ذلك في زيادة نشاط الجيش الاسرائيلي في مناطق “ا” والغاء تصاريح لابناء عائلات من ينفذون عمليات ضد اسرائيل والغاء تصاريح الشخصيات العامة لمسؤولين فلسطينيين يدعي الجيش انهم شركاء في التحريض على اسرائيل اضافة الى زيادة التشديد على فحص سيارات المواطنين الفلسطينيين وهدم منازل فلسطينية بادعاء انها غير قانونية .

واكدت تلك المصادر الاسرائيلية ان الادارة المدنية الاسرائيلية وضعت قائمة اسماء شخصيات فاعلة فلسطينية و تضم اكاديميين ورجال اعمال ورجال دين من اجل اجراء حوار مباشر معهم دون الرجوع الى السلطة الفلسطينية . وقد لاقت خطة ليبرمان هذه التي تسعى لتجاوز القيادة الشرعية الفلسطينية رفضا واستنكارا واسعين في الاوساط الفلسطينية الرسمية والشعبية . فقد نددت حركة ” فتح ” بالخطة واعتبرتها تكرارا لتجربة روابط القرى في مطلع ثمانينيات القرن الماضي , وقالت الحركة : ” ان مشروع ليبرمان الهادف الى اعادة انشاء روابط القرى لن يمر ومصيره الفشل , ورأت ان اسرائيل تحاول ايجاد قيادة بديلة للسلطة الفلسطينية .

وقال اسامة القواسمي الناطق باسم حركة فتح : ان الحركة سترد على مخطط ليبرمان من خلال تعزيز الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام , وسنقيم تلك الوحدة التي ستكون من ركائزها الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشراكة المبنية على اساس ديمقراطي ومنظمة التحرير ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني .

وفي ذات الاطار قال احمد مجدلاني , العضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير , ان خطة ليبرمان هي تجديد لخطة قديمة وان اسرائيل لا تتعلم من اخطائها , واعتبر ان كل من يتعامل مع هذه الخطة من الفلسطينيين يعتبر خارج عن الصف الوطني الفلسطيني , وشدد على ان منظمة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني .

كما ان حركة حماس رفضت خطة ليبرمان ودعت الى انهاء الانقسام واقامة حكومة وحدة وطنية للتصدي لتلك الخطة , خاصة وان الخطة تكرس على اعتبار قطاع غزة منفصلا عن الضفة الغربية ويريد ليبرمان اعفاء اسرائيل من تحمل مسؤولياتها ازاءه واعتباره دولة او كيانا قائما بذاته .

وقد انتقدت صحيفة هأرتس الاسرائيلية خطة ليبرمان , وتساءلت عما يريد ان يتحدث ليبرمان مع الفلسطينيين , عندما تواصل حكومته بناء المستوطنات , واعتقال نشطاء بسبب نشاطهم السياسي فقط واحتجاز اسرائيل جثامين فلسطينية في ثلاجات , خلاف لقرارات محكمة العدل العليا , واضافت الصحيفة : ان تجربة روابط القرى كانت باءت بفشل ذريع .

وان على ليبرمان بدلا من اطلاق افكار عديمة الغاية عليه ان يدرس من جديد في ممارسات اسرائيل التعجيزية في الضفة الغربية وان يقترح خطة سياسية مقبولة , ويأمر بسلسلة من الخطوات الانسانية .

والواقع ان خطة ليبرمان هذه ولدت ميتة لانها لن تجد احدا من ابناء الشعب الفلسطيني يتعامل معها , ولن يتجاوز اي مواطن فلسطيني قيادته الشرعية المنتخبة , وان على الحكومة الاسرائيلية ان تنتهز المبادرات المطروحة للسلام وفي مقدمتها المبادرة العربية التي طرحتها قمة بيروت عام 2002 والتي تؤكد الجامعة العربية انها ما زالت على الطاولة وكذلك المبادرة الفرنسية التي رفضها نتنياهو بشدة لانها تدعو الى تطبيق رؤية حل الدولتين .

كما انه من المطلوب ان تتجاوب اسرائيل مع مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والتي جدد خلال لقائه يوم الاثنين الماضي مع رؤساء تحرير الصحف المصرية القومية الثلاث : الاهرام والاخبار والجمهورية , دعوة اسرائيل الى التجاوب مع مبادرته , خاصة وان وفدا اسرائيليا زار القاهرة يوم الاحد والتقى مسؤولين مصريين وبحث معهم المبادرة المصرية وكما اعلن السيسي ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرحب بدعوة السيسي الداعية الى استضافة روسيا لقاء بين الرئيس عباس ونتنياهو برعاية بوتين لبحث احياء عملية السلام ذلك ان السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل وانهاء الصراع انما يتم فقط من خلال رؤية حل الدولتين بمشاركة مباشرة بين الحكومة الاسرائيلية والرئيس الشرعي المنتخب للشعب الفلسطيني محمود عباس , والله الموفق..

الاخبار العاجلة