الفلسطينيون وكوشنير والحكم

9 يونيو 2019آخر تحديث :
عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول-الحياة الجديدة

لم يعد مطلق فلسطيني ينتظر شيئا من إدارة الرئيس دونالد ترامب، لأنهم فقدوا الأمل بوجود الحد الأدنى من اللغة المشتركة بينهم وبينها، خاصة وأن الرئيس الأميركي وفريقه الصهيوني برئاسة صهره جاريد كوشنير، المختص بالملف الفلسطيني الإسرائيلي لم يبق عنوانا من عناوين صفقة القرن العارية إلا وسلط الضوء عليه، رغم أنهم جميعا لم ينشروا صفقتهم المشؤومة كوثيقة رسمية. وبالتالي ما يتفوهون به من خلال إدلائهم بتصريحاتهم المتناثرة والمتواصلة، بات من باب تعميق رؤيتهم الاستعمارية، وإعلان عدائهم الصفيق لمصالح وأهداف الشعب الفلسطيني، والتنكر لمواثيق وقرارات ومعاهدات الأمم المتحدة ذات الصلة بعملية السلام ومرجعياتها الأميركية والدولية. 


مع ذلك بعض المقولات والمواقف تستدعي التوقف أمامها، وفضحها، وتشريحها إلى جزئيات بهدف إعادتها إلى اصولها التخريبية والمشوهة للحقائق، والمتناقضة مع الف باء حق تقرير المصير للشعوب المكافحة من أجل حريتها واستقلالها الوطني. والتي كان آخرها تصريح قبل أيام لزوج إيفانكا، ابنة الرئيس ترامب، والذي أعلن فيه مع موقع “إكسيوس” الأميركي مساء الأحد الموافق 2 حزيران/ يونيو الماضي، عن تشككه عما إذا كان يمكن للفلسطينيين أن يتحرروا من التدخل العسكري والحكومة الإسرائيلية (حتى صيغة سؤال القائمين على الموقع، فيها التفاف على الحقائق، فلم يستخدم الصحفي الكلمات والمفاهيم الدالة على الواقع الاستعماري الإسرائيلي) فجاء جواب صهر رئيس الولايات المتحدة كالتالي: إن الفلسطينيين يستحقون “تقرير المصير”، ولكنه غير متأكد من قدرتهم على حكم أنفسهم”. ومتى يمكن ان يتأكد كوشنير من إمكانية حكم الفلسطينيين لأنفسهم؟ وما هي معاييره، ومعايير إدارته لإعطائهم شهادة حسن سيرة وسلوك بحكم أنفسهم؟ وهل إذا قبلوا وتساوقوا مع صفقة قرنكم يمكن أن يحصلوا على الشهادة؟ وهل في ما طرحتموه حتى الآن من أفكار، وما اعلنتموه من قرارات، واتخذتموه من إجراءات، وما مارستموه من انتهاكات خطيرة  بحق الملفات الأساسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتكم من تل ابيب للعاصمة الفلسطينية، وتجفيف أموال دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وشطب قضة عودتهم إلى ديارهم، وقطع المساعدات عن موازنة السلطة الوطنية، والتماهي مع الرؤية الاستعمارية الإسرائيلية في الاستيطان الاستعماري في الضفة الفلسطينية، وإطلاق يد حليفتكم في الأغوار الفلسطينية والسماح لها بضم مساحات وأراض من الضفة كما أعلن سفيركم وشريكك في الفريق الصهيوني أمس السبت، والشد على يد حكومة نتنياهو المنحلة بالقرصنة على أموال ورواتب ذوي الأسرى والشهداء، هل يمكن بعد ذلك الموافقة على منحهم حق تقرير المصير وحكم أنفسهم؟ وما هو شكل هذا الحكم؟ وهل بقي للفلسطينيين من أرض دولتهم ووطنهم وحقوقهم التاريخية مكان ليحكموا أنفسهم عليه؟ أم أن حق تقرير المصير وحكم أنفسهم سيكون خارج الأرض الفلسطينية، التي لا وطن للفلسطينيين غيرها؟


وإضافة لما تقدم، وضع رئيس الفريق الصهيوني معايير لحكم الفلسطينيين لأنفسهم، عندما رد على ذات السؤال، منها: “إن الفلسطينيين بحاجة لوجود نظام قضائي عادل (…) وحرية صحافة، وحرية تعبير، والتسامح مع كل الأديان قبل أن تصبح المناطق الفلسطينية “أماكن قابلة للاستثمار”. لاحظوا في البداية، أنه لم يعد يركز حول ذات السؤال، وخلط بين حكم أنفسهم والاستثمار، حتى تتأكدوا انه أمي وجاهل في علم السياسة. وسؤال على السريع للسيد كوشنير: ورغم معرفتي بمن تكون، ودورك في دعم الاستيطان الاستعماري، أيهما القضاء العادل والمقبول، القضاء الإسرائيلي، الذي اختطفته شاكيد ونتنياهو وبينت وليبرمان، وألبسوه ثوب الفضائح، والتغطية على جرائم الفساد النتنياهوية، وحولوه لقضاء استعماري بشكل كامل وفاقع، وأزالوا عنه كل المساحيق ومستلزمات وأدوات المكياج، أم القضاء الفلسطيني، قضاء الشعب، والمستند إلى ركائز العدالة والمواثيق الدولية؟ وهل رأيت تسامحا أكثر من تسامح ابناء الشعب الفلسطيني، الشعب الذي ينادي ببناء دولة كل مواطنيه، بعيدا عن الدين والعرق واللون والجنس. عن أي تسامح تتحدث؟ هل دققت فيما يجري داخل دولة الاستعمار الإسرائيلية من تناقضات وتمزق بين الإشكناز والسفارديم؟ بين الحريديم والعلمانيين؟ بين المرجعيات الدينية المتنافرة والمتناقضة؟ بين المستعمرين الأوائل، الذين أقاموا إسرائيل بعد نكبة الـ1948، والمستعمرين الجدد في القدس والضفة؟ هل دققت فيما تنادي به جماعة ناطوري كارتا وبين الجماعات الدينية الصهيونية؟ 


النتيجة أيها الصهيوني المستعمر، والجاهل في علوم ومبادئ السياسة، حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، حق كفله القانون الدولي، وليس منِة منك، ولا من رئيسك، ولا من صفقتك المفضوحة، ومن يقرر إن كان الفلسطينيون يمكنهم حكم أنفسهم بأنفسهم، هم الفلسطينيون، أصحاب الأرض والتاريخ والهوية، ولديهم الجدارة والكفاءة، التي شهد العالم أجمع بها بما في ذلك مؤسسات البنك وصندوق النقد الدوليين والاتحاد الأوروبي وغيرهم. وهم الأقدر على تقرير مستقبلهم أيا كانت الخلافات والتناقضات الموجودة بينهم، أخرُجوا وأخرِجوا جيش الموت الإسرائيلي، وقطعان المستعمرين من أراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران 1967، وهم كفيلون بحكم أنفسهم بأنفسهم. لا أنتم ولا الإسرائيليون أوصياء عليهم. 

الاخبار العاجلة