عن الانقسام في ذكراه

22 يونيو 2019آخر تحديث :
حماس
حماس

بقلم  صادق الشافعي عن جريدة الأيام

في الخامس من حزيران كانت ذكرى «النكسة»، أما في الثاني عشر منه فكانت ذكرى انقلاب حركة حماس على السلطة الوطنية وطرد وزاراتها وإداراتها وأجهزتها من غزة وإقامة حكمها فيها.
وإذا كانت الذكرى الأولى، رغم اسم التدليع التبسيطي الذي اطلق عليها، شكلت مصيبة على المقاس القومي العربي، فان الذكرى الثانية مثلت مصيبة الافتتاح للانقسام الفلسطيني. 
في يوم المصيبة الفلسطينية، سال دم فلسطيني بأيد فلسطينية. وهو ما لم يحصل قبل ذلك في النضال الوطني منذ انطلاقة مرحلته المعاصرة،
وفيه انزل العلم الوطني الفلسطيني ذو الألوان الأربعة ورُمي ارضاً، ورفع بدلاً عنه العلم الفئوي ذو اللون الواحد، (لروحك الرحمة يا محمود درويش). 
وفيها تم احتلال مقرات ومكاتب منظمة التحرير والسلطة الوطنية، وفيها أقيمت صلاة النصر (على مَن؟).
ومنذ ذلك اليوم، ما زال الانقسام مستمراً، وقد تكرس وتجذر واتسعت مجالاته وفشلت كل محاولات الخروج منه: سواء الوطنية منها، او ما تم التوصل لها برعاية اكثر من عاصمة عربية. بل إنه تشكل في نظام انقسامي موازٍ، أو أنه آخذ بالتشكل والاكتمال السريعين.
لم يكن قرار الانقلاب عفوياً ومحدداً بهدف وضرورة آنيين. بل جاء بقرار واع ومدروس، يشهد على ذلك ان وقائع الانقلاب وسرعة وسهولة نجاحه أكّدا أن «حماس» كانت تملك من القوة ووسائلها ما يمكنها من السيطرة على أي انفلات او عدم انضباط وانصياع، او أي نوايا ابعد من ذلك، بسهولة ويسر.
ويؤكده أيضا، أنها كانت هي السلطة الشرعية الحاكمة لغزة، ولكل مناطق السلطة الوطنية بقبول وموافقة من الكل الوطني، وأنها جاءت عبر انتخابات تشريعية ديمقراطية عامة.
ولم يكن في نية أصحاب الانقلاب ولا بتفكيرهم التشارك مع احد بعد نجاحهم.
وهذا ما أكدته مسيرة 12 عاماً على الانقلاب.
ولا كان بتفكيرهم السماح بأي خروج على خطهم وإرادتهم.
وهذا ما أكدته معالجتهم القمعية لأي تحرك جماهيري وديمقراطي واي نشاط يأتي من خارجها، من أي جهة أتى وبأي محتوى وشكل كان.
كان الانقلاب والكيانية الإدارية الانقسامية التي نتجت عنه مفصّلين بالضبط على مقاس تنظيم الانقلاب. وجاءت إدارة شؤون المجتمع والسياسات التي أديرت بها في كل المجالات محكومة تماماً لفكره. 
ويبقى الأهم، ان الدوافع وراء الانقلاب لم تكن آنية، تريد فرض بعض التصحيحات او تعديل بعض المسارات والسياسات او التغيير في الموقف او العلاقات في مؤسسات العمل الوطني الفلسطيني لتعود الأمور الى وضعها الطبيعي بعد تحقيق ذلك.
يؤكد هذا، استمرار الانقسام 12 سنة، وفشل كل المحاولات والاتفاقات العديدة لإنهائه واستعادة الوحدة الوطنية.
ويؤكده أن أصحاب الانقلاب كانوا هم المسؤول الأول عن هذا الفشل.
لا ضرورة لاستعراض أضرار مصيبة الانقسام على كافة الأصعدة الوطنية والنضالية والمجتمعية والتحالفية و.. و.. فالفلسطيني يعيشها ويتجرع سمها كل يوم.
 ولا ضرورة لاستعراض ما يقدمه الانقسام من منافع لدولة الاحتلال، ولاستمرار احتلالها.
يكفي التذكير أن الانقسام وفصل غزة عن الضفة كان أساسياً في خلفية قرار «شارون» الانسحاب من غزة، وأن «بيريس» اعتبره من اهم الإنجازات او اهمها، وان «نتنياهو» يكرر في كل مناسبة ان استمرار الانقسام والحفاظ عليه مصلحة لدولة الاحتلال.
وان نفس الخلفية والانجاز والمصلحة تقع في صلب قناعة قوى اليمين واليمين المتطرف والفاشيين في دولة الاحتلال، وهم يشكلون الأغلبية الواسعة فيها.
لا تقف أخطار وأضرار الانقسام عند ما تحقق منها وهو كثير، أهمها اضعاف القدرة على مواجهة المؤامرات وكل أشكال العدوان التي تهدد أساسيات النضال الوطني والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
بل إن التطور المتسارع للانقسام، والمجالات والتشعبات التي يدخل فيها ومحاولات قوى دولية نافذة تجييره لصالح خططها ومشاريعها، تنذر بآلام اكثر قسوة.
إنها تنذر بترسيم الانقسام والاعتراف به والتعامل معه كأمر سياسي كياني سلطوي واقع، ومستمر أيضاً.
خصوصاً وأن ذلك يترافق مع هجمات غير مسبوقة بعمقها واتساعها من كل لون ونوع وعلى كل مستوى ضد الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني وارضه وآماله، ولصالح تأبيد الاحتلال وتقوية دولته وتوسعها وامنها والقبول بها دولة أساسية في المنطقة.
في مثل هذا الحال لا يبقى للنوايا الحسنة، وهي بالتأكيد موجودة وحقيقية، قيمة او تأثير يذكران. وكذلك يصبح حال التأكيدات الحماسية والمخلصة فعلاً، حول التمسك بالمواقف المبدئية الوطنية والنضالية والوحدوية والحقوقية والتاريخية. 
وفي مثل هذا الحال لا يبقى هناك بريء وغير مسؤول عما حصل ويحصل من كل قوى وتنظيمات النضال الوطني الفلسطيني.
ولا يعفي أياً منها من المسؤولية تبادلُ اللوم والاتهامات، ولا التحجج بصغر او محدودية دوره وحصته فيها.
في التعامل مع مصيبة الانقسام ومواجهتها ومحاولات إنهائها، فإن الدور الغائب – او المغيب – هو دور الجماهير وقواها المجتمعية بكامل تنوعها واتساعها، كتجلٍّ لحالة غياب أو تغييب الدور الجماهيري بشكل عام. 
اما لماذا الغياب او التغييب والمسؤولية عنه، فتلك قضية كثيرة التفاصيل ومتنوعة الظروف تتوزع المسؤولية عنها على أطراف عدة وبنسب متفاوتة. 
الأهم الآن، إعادة المبادرة الى حضن الجماهير وقواها المجتمعية والشعبية والنقابية، فهو الحضن الأقدر على احتواء الكل وحل الخلافات والتناقضات بينها…… فمن يعلق الجرس؟
 

الاخبار العاجلة