احتدم النقاش بطابعه السياسي مبكرا في كواليس مهرجان جرش للثقافة والفنون بنسخته الأخيرة في الأردن حول سقف غناء مطرب واحد عمليا، هو التونسي لطفي بوشناق، الذي يعتبر أبرز النجوم العرب من ضيوف المهرجان الحالي.
أغنية «أجراس العودة» وترنيمة «صفقة القرن» المرتبطة بها حضرت وبقوة في نقاشات الكواليس، حتى قبل أن يعتلي بوشناق المسرح، لتقديم حفل كان عمليا الأكثر قدرة على استقطاب الجمهور، دون بقية الحفلات والوصلات.
المطرب التونسي المعروف تحدث لإحدى الفضائيات المحلية قبل ساعات من حفلته، وعندما استفسرت المذيعة عن الخطاب السياسي في بعض أغانيه قال حرفيا إن أغنية واحدة قد تساوي مئة ألف خطاب سياسي، معتبرا أنه ملتزم بقضايا الأمة وبحقوق وحريات شعوب العرب والإنسانية. قبل حفلة بوشناق كان نخبة من كبار المسؤولين في وزارة الثقافة الأردنية، التي تدير المهرجان، تحاول التوصل الى صيغة تتجنب مزالق سياسية حساسة في نشيد العودة وصفقة القرن للمطرب التونسي.
إيماءة وزير الثقافة
قبل ذلك، وفقا لوكالة «مدار الساعة الالكترونية» طلب وزير في الحكومة من بوشناق الحرص على أداء أغنية «صفقة القرن».
عندما حصل حديث بين وزير الثقافة الدكتور محمد أبو رمان وبين ضيف بلاده المطرب بوشناق عن تفاصيل حفلته، صدرت من الوزير إيماءة توحي بأن أداء أغنية «صفقة القرن» على مسارح جرش ليس محظورا.
تلك على الأرجح حالة تمثل ضوءا أخضر لكي تنشد هذه الأغنية المحرجة.
وأدى بوشناق أغنيته، وسط الجمهور الأردني وبضوء أخضر من وزارة الثقافة على الأرجح .
لكن مراقبين فنيين لاحظوا أن الشطب في قصيدة أو أغنية بوشناق المتعلق بإيحاء قد يكون له علاقة بالسعودية تطوع النجم التونسي بخصمه من أغنيته على المسرح، تجنبا للإحراج .
ذلك الجزء من الأغنية يتمثل في العبارة التي يقول فيها المطرب «.. وسليمان العصر الحالي مشغول بملء السلة «.
وعبر ترديد الأغنية الشهيرة على مسارح جرش بيسر وسهولة ودون ضجيج، نجحت حفلة المطرب بوشناق الى حد معقول ماليا وفنيا، في الوقت الذي بقي فيه أي تنديد وفي أي وقت وفي أي وسيلة بصفقة القرن أصلا من السلوكيات، التي تناسب – ليس فقط الشارع الأردني المرتاب – ولكن أيضا نخبه.
جملة بوشناق الغنائية ضد «صفقة القرن» شكلت اللمعة السياسية المحورية في مهرجان جرش، في المقابل تحدث أهالي في مدينة جرش وتجار، وحتى نقاد فنيين عن إخفاق مالي ملموس لهذا الموسم، مع أن افتتاح المهرجان، وللمرة الأولى منذ انطلاقه حصل بإيقاد شعلة المهرجان على أعمدة المدينة الأثرية العريقة بكبسة زر الكترونية، وهي مسألة تحدث في تنظيم المهرجان للمرة الأولى . إصبع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز هو الذي ضغط على الايقاد الالكتروني وكان برفقته مبتسما الوزير أبو رمان وأخرون .
الشرطة والتركيز السياسي
اشتكى إعلاميون ونشطاء ومراقبون من تفاضل عددي في عدد رجال الأمن خلال فعاليات المهرجان وفي مرافقه .
في بعض النشاطات كان عدد رجال الأمن والشرطة أكثر فعلا من عدد المشاهدين، والتركيز كان سياسيا على بعض النشاطات الثقافية، فقد عقدت ندوة على هامش المهرجان لها علاقة بعروبة القدس .
وتم في المقابل تداول شريط في اتجاه الدعاية المضادة يدلل على إخفاق الزخم الجماهيري لهذا العام، حيث فرقة عريضة وكبيرة تعزف أوركسترا وطنية مع وجود مطربين محليين بصورة تظهر عدد الفرقة على المسرح أكبر بكثير من عدد أعضاء الجمهور أو من مشتري التذاكر لهذا النشاط. طبعا، مع غياب نجوم كبار والأزمة الاقتصادية الحادة والخانقة تأثر المهرجان ماليا وفي نطاق الزخم الشعبي والحضور الجماهيري .
لكن إصرار وزارة الثقافة الأردنية كان واضحا على إقامة المهرجان، بسبب رسالة ضمنية لها علاقة بالقدرة على عقده والحاجة لاستمراره والإيحاء ببقائه، رغم ظروف المنطقة والاقتصاد الصعبة، ورغم التحديات الأمنية .