الاقتلاع والاستيطان يلاحقان عائلة العامر منذ النكبة

13 أكتوبر 2019آخر تحديث :
الاقتلاع والاستيطان يلاحقان عائلة العامر منذ النكبة

صدى الإعلام – سلفيت: يكاد بيت هاني العامر في قرية مسحة غرب سلفيت، يكون من أضيق وأغرب أماكن العيش في فلسطين والعالم، نتيجة وقوعه خلف جدار الضم والتوسع العنصري، وعلى أرض مستولى عليها وعليها مستوطنة إسرائيلية أقيمت عنوة هناك!.

البيت الذي يعيش فيه ثمانية أفراد، محاط ببيوت المستوطنين، والأسلاك الشائكة وكاميرات المراقبة والأقفال والأبواب الحديدية الضخمة، وأذونات الدخول والخروج، ما جعل حيات العائلة قاسية جداً، فلا توجد مواصلات، وهناك صعوبة في الوصول للمراكز الصحية والمدارس.

لا يجد أطفال العامر أصدقاء يلعبون معهم كرة القدم أمام المنزل، وحتى الكبار يخشون ذلك، حتى لا تصل الكرة إلى بيت أحد المستوطنين فيتعرض الجميع للمساءلة والعقاب من الاحتلال.

في بداية السبعينات اشترى المواطن هاني العامر(62 عاما)، قطعة أرض بمساحة 3 دونمات، إلى الغرب من القرية، وأقام عليها بيتاً آملاً في بناء حياته من جديد.

يقول العامر في تلك المرحلة، كانت كرفانات مستوطنة “الكاناة”، تبعد ما يقارب كيلو متر واحد عن منزلي، لكنها سرعان ما بدأت تقترب وتزحف باتجاهنا، وبدأ الاحتلال بإجراءاته التعسفية بهدم ملحق المنزل، وتكرار هدم مشتل زراعي كان مصدر رزقي الوحيد، حتى جاءت مرحلة بناء الجدار، فنسفوا المشتل تماماً.

وتابع: بعد هدم المشتل اتجهت إلى أرضنا في قرية عزون عتمة جنوب قلقيلية، وأسست فيها مزرعة دجاج، فلحقني الجدار إلى هناك، وهدمت جرافات الاحتلال المزرعة.

وأوضح: المعاناة في عزون كما في مسحة، حيث كنت ممنوعاً من الدخول إلى مزرعتي التي تبلغ مساحتها نصف دونم، وتتسع لـ 4500 دجاجة بياضة، منوها إلى أنها كلفته الكثير مادياً، بسبب افتقار المنطقة للبنى التحتية، فاشترى مولد كهرباء، وأسس بيوتا شبيهة بالبيوت البلاستيكية لتفادي الهدم، ومع ذلك تم هدمها، فخسر الكثير.

لم يرحل العامر عن عزون عتمة، واستمر بالتحدي والبناء ومقاومة الجدار إلى أن نجح مع الأهالي بإزاحته عن أرضه.

وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني، فإنه في العام 1978، أقيمت أول مستوطنة وهي “الكاناة” على أراضي منطقة سلفيت، وكانت من نوع الناحل (مستوطنة شبه عسكرية)، على مساحة 50 دونماً، قبل أن تتوسع وتسيطر على آلاف الدونمات من أراضي قرية مسحة.

واستذكر العامر اللحظات الصعبة في مسيرة بناء الجدار وضم منزله للأراضي المستولى عليها داخل المستوطنة: في العام 2003-2004 تم إبلاغي بالرحيل من المنزل تمهيداً لهدمه، أو وضعه داخل الجدار، وأخبروني أن حياتي ستكون مأساوية، فقلت لهم: لا مكان آخر أذهب اليه.

وأضاف: كان المتضامنون ينامون في منزلي وحديقته، لمنع الاحتلال من بناء الجدار، وفي إحدى الأيام حضرت قوة راجلة من الجيش الاسرائيلي، تبعتها حافلات تقل ما يقارب الـ500 جندي، اعتقلوا المتضامنين، بقيت وحدي، ساوموني كثيرا على ترك المنزل، بالمال والقوة، ورفضت.

وتابع: في البداية عرضوا علي فتح البوابة ربع ساعة فقط في اليوم من أجل توفير كامل مستلزمات البيت، رفضت الفكرة نهائياً، كل احتياج يختلف عن الآخر وكل لحظة يطرأ جديدا، أرادوا فرض الموت البطيء علي وعلى عائلتي، وهددوني بالقتل، ولم أتنازل.

تقول زوجة هاني، منيرة العامر (55 عاما)، في أول يوم بعد وضع البوابة والانتهاء من بناء الجدار أغلق الاحتلال البوابة، كانت نصف عائلتي خارج  الجدار ونصفها الآخر في الداخل، لحموا الأبواب بالحديد وذهبوا وتركونا على هذا الحال.

وفي اعتداء آخر، يقول العامر، في ذات الليلة أفقت على ضرب حجارة على خزانات السطح، وصوت ضجة في الخارج، عرفت أنهم مستوطنين، كانوا ما يقارب 30 مستوطناً، وكان الجيش متواجدا، لكنه لم يصنع شيئاً، بقيت حتى الصباح أحاول إبعادهم عن المنزل.

 “ما دمنا موجودون في هذا البيت نحن في خطر”. يقول العامر.

ويذكر، عندما كان أحد أبنائي بعمر الـ 3 سنوات بعد بناء الجدار، دخل من أسفل الباب الذي يفصل بين المنزل والمستوطنة، (والذي يرتفع عن سطح الأرض 30 سم)، وسار باتجاه المستوطنة، رآه جنود الاحتلال، ولم يردوه إلى المنزل، ومنعوا والدته من الدخول لجلبه، تركوه يدخل المستوطنة، وقاموا بإغلاق بوابة المستوطنة، في تلك اللحظة كنت محتجزاً خلف الجدار في عزون عتمة، حيث يحددون لنا وقتاً للدخول والخروج، فكان الواقع أن زوجتي محبوسة خلف الجدار في مسحة، وأنا خلف الجدار في عزون والطفل داخل المستوطنة، وخوفنا يزداد كل دقيقة على الطفل من المركبات والجيش والمستوطنين.

“بقينا ساعة كاملة عاجزين عن التصرف، حتى اتصل أحد العمال العرب في محطة البنزين داخل المستوطنة، والتي تبعد مسافة 500 مترا عن المنزل، وأعادوا الطفل، ورغم ذلك حاول الاحتلال معاقبتي على دخول الطفل للمستوطنة”. قال العامر.

وأضاف، يفصلني عن القرية بوابتان، مفتاح إحداهما معهم والآخر معي، في الأعياد والمناسبات افتح الباب طوال الوقت لكل الناس، حاولوا منعي من ذلك لكنني تغلبت عليهم.

وبيّن: مطلبي الوحيد أن أعيش بمنزلي وبين التراب والزرع، لا يلزمني للاستمرار في الحياة هنا أكثر من الخبز والماء.

وبحسب رئيس مجلس مسحة، نضال عامر، التهمت المستوطنات ما يقرب 4000 دونم من أراضي القرية، والتهم الجدار ما يقارب 500 دونم أيضا.

ومنذ العام 1948، وعائلة “العامر” تعيش مرارة النكبة، 72 عاماً والاحتلال يهجرها من مكان إلى آخر، ويحاصرها، ويهدم منشآتها، ويتحكم في حياتها. حيث هُجرت عائلة الجد عبدالله عامر العامر من كفر قاسم، وفقدت كل ما تملكه من مال وأرض، وفقدت معيل الأسرة الوحيد إثر استشهاده على الطريق.

وبدأت العائلة المكونة آنذاك من ولدين وثلاث بنات، لملمة أوضاعها بإيجاد قطعة أرض قريبة من كفر قاسم، سكنت فيها وعمل أفرادها بالزراعة لتوفير لقمة العيش، وكان الأبناء ينامون أيام الحصيدة على “الغمر”، يحصدون في النهار، وفي الليل يرعون البقر، ويحرصون الأطفال من الضباع والحيوانات.

يقول هاني العامر، خلال التهجير تركت العائلة المنزل وآبار المياه والأثاث، وسارت وحيدة بلا مال ولا مقومات حياة، اعتقد الجميع أنه سيبدأ حياة مستقرة وهادئة، قبل أن يأتي الاستيطان وتبدأ المستوطنات بسلب الأراضي ومصادرة حقوقنا في الأرض.

الاخبار العاجلة