52 عاما على “ذُل” العدو في الكرامة

20 مارس 2020آخر تحديث :
52 عاما على “ذُل” العدو في الكرامة
 صدى الاعلام_رام الله:قبل 52 عاما، تمخطر الثائر الفلسطيني، مزهوا بالانتصار، واستعاد الجندي العربي، ثقته بنفسه، وسمعت فلسطين الرصاص عن قُرب، وسحب العدو جثث مقاتليه وآلياته المدمرة من أرض المعركة في مخيم الكرامة للاجئين الفلسطينيين ومحيطه من مناطق غور الأردن.

في معركة الكرامة، أراد الاحتلال إبعاد قواعد الفدائيين قدر الامكان عن حدود فلسطين، لكنهم اقتربوا أكثر، واستشهدوا في القدس وجنين وغزة ورام الله ونابلس وطولكرم، وفوق كل تراب فلسطين.

في الخامسة والنصف من صباح الخميس، 21 آذار 1968، بدأت مدفعية العدو قصفها على مواقع قوات الإنذار والحماية الأمامية التي يطلق عليها في المفهوم العسكري الحديث (قوات الحجاب).. ثم قام بهجومه الرئيسي على الجسور الثلاثة (جسر الملك حسين، وجسر دامية، وجسر الملك عبد الله)، في وقت واحد، فاشتبكت معه قوات الانذار الامامية، واخذت المدفعية الأردنية تركز قذائفها على مناطق العبور، ودمرت الجسور الثلاثة، وجزءا من المجنزرات، وعطلت تقدمها، لتندلع معركة الكرامة، ويُسجل أول انتصار عربي فلسطيني على الاحتلال الاسرائيلي بعد هزيمة حزيران 1967.

يومها تجسدت عبارة: لن تمروا إلا على أجسادنا. وفعلا مرت مجنزرات ودبابات اسرائيلية فوق أجساد المقاتلين الذين ثبتوا في خنادقهم.

في معركة الكرامة، لم يكن من السهولة أن تهبط مروحية اسرائيلية لحمل المصابين، بفعل كثافة نيران الفدائيين الفلسطينيين والجيش الأردني، تجاه كل ما يعبر الحدود برا وجوا.

“وجدوا إصبع أبو الشريف بعد استشهاده معكوفا وكأنه قابض على الزناد، وكان هذا الفدائي مع أبو عمار في الكرامة. واسمه: ربحي محمد حسين حامد من قرية عزون قرب قلقيلية، من مواليد 1947، وقد ترك الجامعة في فرانكفورت في السنة الأخيرة وكان يدرس الهندسة”، من كتاب “معركة الكرامة” لمحمود الناطور.

يقول توفيق أبو بكر في كتابه “شهادة عن معركة الكرامة”: “يفاخر زعيم الليكود بنيامين نتنياهو في كتابة (إسرائيل مكان بين الأمم) أنه ترك أرقى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية) (M.I.T) في ماساشوستس) حين دقت طبول الحرب بين العرب وإسرائيل وسارع للعودة للقتال، ولكننا نملك قائمة طويلة، طويلة جدا، من المناضلين الفلسطينيين الشباب الذين تركوا دراستهم في أرقى جامعات العالم وكانوا في أقصى درجات التفوق، لا ليصبحوا زعماء، إلا ما ندر ومن رحم ربك، ولكن الأغلبية جاءت إلى قواعد الفدائيين في الكرامة وغور نمرين واستعجلت الاستشهاد في ذلك اليوم الأغر: الحادي والعشرين من آذار.”

ويقول عن الراوي: “روى لي أحد مقاتلي الكرامة أنه لم يكن يتوقع من الشهيد ربحي.. الشاب الناعم والهادئ القادم من فرانكفورت ويرخي بشعره على كتفيه أن يصعد برج الدبابة الأولى التي حاولت اغتصاب الكرامة، وفعل ذلك ببسالة وشجاعة بلا حدود”.

في كتاب “معركة الكرامة” لمحمود الناطور، الصادر عام 2009، يذكر: “قامت فتح ببناء قواعد عسكرية ثابتة في غور الأردن، ما أدى إلى تزايد فاعلية الثورة، وتصاعد العمل الإسرائيلي المضاد، فقد أعلنت فتح عن تنفيذ 68 عملية منذ مطلع 1968 وحتى معركة الكرامة، وقدر عدد القتلى من الصهاينة في تلك العمليات، بـ(142). وجرح 179 اسرائيليا، ودمرت 58 آلية وسيارة، و18 مبنى و3 منشآت.

ويضيف الكتاب: “تكبد الاحتلال الإسرائيلي خسائر كبيرة في معركة الكرامة، 250 قتيلا اسرائيليا، و450 جريحا، وتدمير 88 آلية، و27 دبابة، و24 مركبة، و18 ناقلة جند، و19 سيارة شحن، واسقاط 7 طائرات”.

أما الجيش الأردني، فارتقى منه 87 شهيدا، بينهم 6 ضباط، اضافة لـ108 جرحى، وتدمير 13 دبابة و39 آلية.

ومن الفدائيين الفلسطينيين، ارتقى 101 شهيد، 74 منهم من حركة “فتح”، و27 شهيدا من “قوات التحرير الشعبية”. وما يقارب الـ100 جريح.

وهدم خلال المعركة 200 بيت ومنشأة، وأسر 130 من المدنيين والفدائيين.

يُهدي الناطور كتابه، إلى نعمة محمد شحادة (أم يوسف) وهي لاجئة من قرية المشهد، عرفت باسم أم الفدائيين، يعرفها كل من عاش بالكرامة وخاض معركتها، وقد حولت منزلها في الكرامة إلى عيادة لإسعاف الجرحى والمصابين.

أطلق الإسرائيليون على العملية العسكرية في الكرامة التي قادها “قائد الجبهة الغربية عوزي نركيس”، ونائبه العميد (تال)، اسم “توفت” وكان مسرح العمليات ممتد من الطرف الشمالي للبحر الميت إلى جسر دامية شمالا، ومن نهر الأردن غربا وحتى مرتفعات السلط شرقا.

وكان هدف العملية الإسرائيلية المعلن تصفية قواعد الفدائيين. وبحسب “يديعوت احرونوت” فإن “العملية المركزية كانت في قرية الكرامة حيث تقرر العمل ضد ثلاث قواعد لحركة فتح في جنوب البحر الميت البعيدة عن هذه القواعد بـ(15 كيلومترا) في قلب وادي عربة، تلك المواقع التي كانت وما زالت تشكل خطرا كبيرا على دولة إسرائيل”. وفي حديث لـ”رئيس الأركان الإسرائيلي” حاييم بارليف مع الصحفيين قال فيها: “إن عمليات النار والدم التي نفذت في الكرامة وفي كثير من المواقع الأردنية، كانت عمليات انتقام كان هدفها تدمير قواعد المخربين (فدائيو حركة فتح).

شهادات قادة المعركة..

  • الشهيد سعد صايل (1932-1982): “في الساعة 5.35 ــحسب توقيت ساعتي ــ انفجرت أولى قذائف المدفعية ولم ينتظر أحد شيئا، المدفعية الأردنية اشتركت من أول لحظة وللتاريخ أقول.. لقد أصدر قائد الفرقة أمرا بفتح نيران المدفعية دون انتظار أوامر”.وأضاف: “بدأ الانسحاب 3.00 أو 3.30 بعد الظهر حتى الساعة 5.30 ــ 6.00 من غربي النهر وانقطع التماس ما عدا بعض الجيوب، إلا أن الطيران هو الذي أمّن قطع التماس نهائيا الساعة الثامنة والنصف مساءً، لم يستعمل العدو جسور الميدان التي حاول إقامتها لعدم إنهائها، فالمدفعية كانت تكرر قصفها، وطيران العدو حاول عدة مرات إسكات المدفعية، وفي الساعة 8.30 ــ 9.00 كان آخر قصف للطيران على منطقة عيره”.
  • مشهور حديثة (1928-2001) قائد الفرقة الأولى في القوات الأردنية في المعركة: “لأول مرة طلب العدو في الساعة 11.30 وقف إطلاق النار، ولكننا أصررنا أن يستمر القتال حتى خروج العدو من ميدان المعركة وطرده نهائيا غرب النهر، استطعنا في مقاومتنا الأرضية إسقاط إحدى المقاتلات الإسرائيلية قرب الكرامة وسقط قائدها الكابتن “ايفون” صريعا”.ويذكر حديثة: “هكذا تحطمت آمال الجنرال ديان في أريحا من تناول كوب من الشاي على جبال السلط مع الصحفيين الذين تناولوا معي أنا فنجانا من القهوة العربية الأصيلة.. وفي الحال تحول هذا الجنرال إلى هاوي جمع الآثار.. أو بكلمات أدق تحول إلى سارق آثار بعد أن عزلوه من منصبه”.

    “أفشلت المعركة الهدف الإسرائيلي في ايجاد منطقة أمنية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية على غرار ما يسمى بالشريط الحدودي في جنوب لبنان. وفرضت احتراما وتعاطفا شعبيا كبيرا مع الحركة الفدائية، بحيث تطوعت أعداد هائلة من الشباب الفلسطيني والعربي في صفوف الحركة، وكسبت تعاطف الرأي العام العالمي وحازت على الدعم المادي الكبير من الدول العربية”.

  • شهادة اللواء جميل الشمالية: “بقيت آليات العدو التي لم يتمكن من سحبها في أرض المعركة أمام منطقة الرامة على غرب الطريق المؤدي من الكفرين إلى مثلث سويمة، ومنها دبابة كتب على جانبها “v251” وهي رمز لدبابات اللواء المدرع الإسرائيلي الذي يعتبر لديهم من الوحدات المتميزة ويحمل سمعة كبيرة عندهم، وهي الدبابة التي تم نقلها وعرضت في المدرج الروماني مع آليات العدو الأخرى وأسلحته التي تركها في أرض المعركة”.
  • شهادة العميد محمود أبو وندي: “كان جنودنا يرددون: كيف ديان وجيشه ينزلوا وطنا، بالمدافع نشيله ونجلي الضيم عنا”، ويذكر قصة الشهيد حسن عبد ربه الذي جاء من إجازته ولم يكن مطلوبا منه ذلك ليلتحق بزملائه ويكون له شرف المشاركة والاستشهاد”.

يقع “مخيم الكرامة” على بعد 5 كم شرقي نهر الأردن، 7 كم شمال الشونة الجنوبية. ويعيش معظم أهالي الكرامة على الزراعة، حيث المنطقة عبارة عن سهل منبسط، وتنتشر بساتين الموز والحمضيات والخضراوات ومزارع الدجاج في المنطقة المحيطة بالكرامة من الجنوب والغرب والشمال، أما شرقي الكرامة تتبع المرتفعات التي تتصل بسلسلة جبال السلط شرقا. استقر الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين بعد حرب عام 1948 في مخيم الكرامة، وبعد حرب حزيران عام 1967 نزح عدد كبير إلى المخيم حتى وصل عدد اللاجئين والنازحين في المخيم إلى أكثر من أربعين ألفا، وتمتاز المنطقة بدفء الشتاء وهذا يساعد على إنتاج الخضروات الشتوية. كما ازدهرت التجارة أيضا في المخيم.

الاخبار العاجلة