“شعنينة” بدون “زينة”

4 أبريل 2020آخر تحديث :
“شعنينة” بدون “زينة”

عماد فريج

لن يزيّن الأطفال “شعنينتهم” هذا العام، ولن يتمكنوا من الذهاب إلى الكنيسة التي أغلقت بابها استثنائيا، لحمايتهم وحماية عائلاتهم من وباء كورونا المستجد، أو ما بات يعرف بـ “العدو الخفي” الذي يتفشى في العالم أجمع.

و”الشعنينة” تصنع من سعف النخيل أو أغصان الزيتون، وتزيّن بالورود، يحملها الأطفال كل عام في “أحد الشعانين” للمشاركة في الدورات التقليدية التي تحيي هذه المناسبة الدينية عند المسيحيين.

وتحتفل الكنائس المسيحية التي تسير حسب التقويم الغربي في فلسطين والعالم، يوم غد، بأحد الشعانين، وهو الأحد السابع من زمن الصوم الأربعيني، والأخير قبل عيد الفصح المجيد.

ويحيي المسيحيون خلال “أحد الشعانين”، “ذكرى دخول السيد المسيح عليه السلام إلى مدينة القدس واستقباله من أهالي المدينة بسعف النخيل وأغصان الزيتون المزينة، قبل البدء بأسبوع الآلام الذي يتضمن قداديس خميس الأسرار والجمعة العظيمة وسبت النور، قبل الاحتفال بعيد الفصــح أو ما يعرف بـ”أحد القيامة”.

وفي ظل جائحة كورونا، وما تبعها من حالة طوارئ وإجراءات وقائية واحترازية للحد من انتشار الوباء بين أبناء شعبنا، أغلقت الكنائس أبوابها لمنع التجمع والاختلاط، الذي يعد أحد المسببات الرئيسية لنقل العدوى، ويجري بث الصلوات والقداديس التي يترأسها المطارنة والكهنة وحدهم بدون جمهور المؤمنين، من عدة كنائس عبر محطات التلفزة والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي.

في مدينة القدس المحتلة، مركز الاحتفال بعيد الفصح لجميع المسيحيين في مختلف أنحاء العالم، أغلقت كنيسة القيامة وسائر الكنائس أبوابها، ومنعت الحركة في “طريق الآلام”، وخلت المدينة من الحجاج الذين يأتوها من كل حدب وصوب للاحتفال بالعيد في موطن السيد المسيح فلسطين وعاصمتها المحتلة.

وأعلن عن إلغاء الدورة التقليدية لأحد الشعانين، والتي تنطلق من دير بيت فاجي في جبل الزيتون، باتجاه دير القديسة “حنة” في باب الأسباط، والتي تشهد بالعادة مشاركة واسعة من الحجاج الفلسطينيين والأجانب، الذين يحملون سعف النخيل المزينة وأغصان الزيتون والأعلام الفلسطينية، ويرددون التراتيل الخاصة بالمناسبة، قبل أن تختتم الدورة بصلاة في ساحة دير القديسة حنة، لتنطلق بعدها الفرق الكشفية من أمام الدير وتجوب شوارع القدس العربية وصولا إلى “الباب الجديد” احتفالا بالمناسبة.

وبحسب البطريرك ميشيل صباح، البطريرك الأسبق للاتين في القدس، فإنها المرة الثالثة التي تلغى فيها الدورة التقليدية لأحد الشعانين، بعد عامي 1989 و1990، حيث ألغيت بسبب الانتفاضة الأولى.

وكانت الدورة التقليدية لأحد الشعانين في تلك الفترة، تتحول إلى مسيرة شعبية وطنية ضد الاحتلال للتأكيد على الوجود الفلسطيني، الإسلامي والمسيحي، المتجذّر في القدس.

كما تحرم إجراءات الاحتلال التعسفية كل عام الآلاف من أبناء شعبنا المسيحيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، من الوصول إلى مدينة القدس للاحتفال بالعيد وزيارة كنيسة القيامة والأماكن المقدسة.

وفي سياسة تتنافى مع حقوق الإنسان والقوانين الدولية، يصدر الاحتلال تصاريح خاصة لأبناء شعبنا، المسلمين والمسيحيين، كي يتمكنوا من عبور حواجزه والوصول إلى أماكن العبادة، ويحرّم بهذه السياسة العنصرية، الآلاف من أبناء شعبنا من الوصول إلى المدينة المقدسة بحجج واهية، في محاولة منه لإفراغ المدينة واحتفالاتها وتقاليدها الدينية من صبغتها العربية الفلسطينية، والإمعان في ممارساته التهويدية.

هذا العام، يضاف إلى الاحتلال وباء جديد هو “فيروس كورونا”، الذي سيحرم الفلسطينيين من المشاركة في احتفالاتهم الدينية بالقدس.

وأعلنت البطريركية اللاتينية في القدس، عن برنامج الاحتفالات بالأسبوع المقدس 2020، ابتداءً من أحد الشعانين المصادف يوم غد الأحد، ولغاية الأحد المقبل 12 نيسان الذي يحتفل به بعيد الفصح المجيد، وستكون الاحتفالات هذا العام موحّدة بنقل مباشر من كنيسة البطريركية اللاتينية.

رئيس اللجنة المسؤولة عن ترتيب الاحتفالات الدينية الأب عزيز حلاوة، قال: “نعيش أسبوعًا مميّزًا وفريدًا في هذا العام، وهو أن الاحتفالات الليتورجية الطقسية الرائعة والتي ينتظرها شعبنا في كل عام، ستقتصر على الشعائر الدينية الضيقة بدون حضور جمهور، وذلك حفاظًا على صحة الناس، وهذا أمر ضروري”.

وأضاف ” محظوظون من الناحية الايجابية بوجود وسائل الإعلام المتطورة، عبر الفضائيات وشبكات الانترنت والتي تتيح لعائلاتنا أن تشترك معنا في الصلاة”.

وستبث الصلوات عبر شاشة فضائية “فلسطين مباشر”، التابعة للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ليتمكن أبناء شعبنا وكافة المسيحيين في مختلف أنحاء العالم من المشاركة بالصلاة من بيوتهم.

وسيترأس الاحتفالات بالأسبوع المقدس، المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية المطران بييرباتيستا بيتسابالا، والنائب البطريركي في القدس المطران بولس ماركوتسو.

وحثّ الأب حلاوة أبناء شعبنا المسيحيين إلى “تكثيف المشاركة الروحية، وإلى ترتيب البيت بطريقة توحي بالصلاة الفعلية.

الأب رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام ورئيس تحرير موقع “أبونا”، قال: “غدًا أحد الشعانين في الكنيسة الكاثوليكية… ستقرع الأجراس في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، وفي كنيسة القيامة في القدس… لكنّ التاريخ سيسجّل، انّ سعف النخل وأغصان الزيتون ستشتاق إلى حامليها… وستحمل البشرية كمامات وكفوف وهايجين… كلها تدعو بالشفاء للجسم الإنساني المصاب برمته.

وستصيح الحناجر وهي تشاهد القداديس عبر شاشات التلفزة، وستصرخ حناجر المصابين الأحباء من خلف أجهزة التنفس، مع الأطباء والممرضين، وتلوّح الناس في شمال ايطاليا، من خلف الزجاج لأحبتهم الراحلين، بموكب الجثامين… ومن خلف شبابيك البيوت الحاجرة لسكانيها، تصرخ أسرة البشر الموحدة أكثر من ذي قبل على الألم وعلى الأمل جميعها: هوشعنا… رحماك يا مخلص… هوشعنا… ارحمنا وخلصنا!”

وبهذه المناسبة، وجّه الحبر الأعظم البابا فرنسيس رسالة عبر الفيديو للمسيحيين الكاثوليك حول العالم، قال فيها: “في هذه المرحلة من الصعوبة والألم. أتخيّلكم في عائلاتكم فيما تعيشون حياة غير اعتيادية لكي تتحاشوا انتقال العدوى. أفكر في حيوية الأطفال والأولاد الذين لا يمكنهم الخروج أو الذهاب إلى المدرسة أو عيش حياتهم. أحمل في قلبي جميع العائلات، لا سيما تلك التي لديها شخص عزيز مريض أو تلك التي وللأسف تعيش حدادًا بسبب فيروس الكورونا أو لأسباب أخرى. أفكر في هذه الأيام غالبًا بالأشخاص الوحيدين الذين يصعب عليهم مواجهة هذه المرحلة، أفكر بشكل خاص بالمسنين العزيزين جدًّا على قلبي”.

وأضاف: “لا يمكنني أن أنسى مرضى فيروس الكورونا والأشخاص الموجودين في المستشفيات. أفكر بسخاء الذين يخاطرون من أجل علاج هذا الوباء أو من أجل ضمان الخدمات الأساسية في المجتمع. كم من الأبطال، أبطال الحياة اليوميّة! أذكر أيضًا الذين يعيشون في ضيق اقتصادي وهم يقلقون بسبب العمل والمستقبل. يتوجّه فكري أيضًا إلى الموقوفين في السجون الذين يُضاف إلى ألمهم الخوف على أنفسهم وأحبائهم بسبب الوباء، أفكر أيضًا بالمشرّدين الذين ليس لديهم بيتًا يحميهم”.

تابع: “إنها مرحلة صعبة لنا جميعًا، وصعبة جدًّا بالنسبة لكثيرين. إن البابا يعرف هذا الأمر ويريد من خلال هذه الكلمات أن يعبِّر للجميع عن قربه ومحبّته. لنحاول، إذا أمكن، ان نستفيد من هذا الوقت بأفضل شكل ممكن: لنكن أسخياء ولنساعد المحتاجين الذين يعيشون بقربنا، ولنتواصل، ربما عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، مع الأشخاص الوحيدين، ولنرفع صلاتنا إلى الرب من أجل جميع الذين يُمتحنون في إيطاليا والعالم. حتى وإن كنا معزولين يمكن لفكرنا وروحنا أن يذهبا بعيدًا بفضل إبداع المحبة. وهذا ما نحتاج إليه اليوم: إبداع المحبة”.

وتجاوز عدد الوفيات بفيروس كورونا حول العالم الـ61 ألف شخص، ووصل عدد المصابين إلى أكثر من مليون و140 ألف مصاب، في الوقت الذي يواصل فيه الباحثون والعلماء جهودهم لإيجاد لقاح أو دواء.

وعاجلا أم آجلا، ستثمر هذه الجهود في الحد من هذا الوباء، كغيره من الأوبئة التي ضربت البشرية، وسينعم سكان العالم أجمع بالسلامة والحماية من مخاطره، إلا الشعب الفلسطيني الذي سيواصل معاناته مع وباء من نوع آخر، وباء الاحتلال المستمر منذ عشرات السنوات وسط صمت دولي حيال ما يقوم به من قتل وهدم واستيطان واعتقال في مخالفة واضحة للشرائع الأرضية والسماوية، لكن شعبنا سيواصل مسيرة نضاله ضد هذا الوباء حتى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

الاخبار العاجلة