الأوضاع النفسية… خطوط متقدمة في مواجهة “كورونا”

6 أبريل 2020آخر تحديث :
الأوضاع النفسية… خطوط متقدمة في مواجهة “كورونا”

تشكل الحالة النفسية في أي مرض، خط الدفاع الأول عن المصاب، والتقليل من الأعراض، عبر توفير مناخ ملائم للتقليل من حجم الاصابة وتداعياتها، والحديث الدائم عن الشفاء، ودعم المحيطين الذين تشكل نظرتهم وأسلوب معاملتهم للمصاب درعاً منيعاً أمام الأعراض والخوف الذي يشعر به.

وفي ظل انتشار فيروس “كورنا”، الوباء العالمي المخيف، الذي يحصد يوميا آلاف الضحايا وعشرات الآلاف من الاصابات، والذي لم يجد له الطب والعلم حتى اليوم، تفسيراً واضحا، أو مصلا يعالجه ويقي منه، بات التوجه إلى الرعاية النفسية والعاطفية دواء ناجعا للتقليل من آثاره النفسية والسلبية على شخص المصاب، بدلاً من الفزع منه أو محاولة الاستهزاء والتخويف، وهي حالات فردية، أما بشكل عام وخصوصا على مستوى فلسطين، فقد أثبت الناس وجهات الاختصاص الوعي الكامل بطريقة التعامل مع المصاب، وتقديم ما يلزم من الرعاية الخاصة والأمان.

وحول الأوضاع النفسية للمصاب، وطرق التخفيف من حدة العزل والحجر الصحي، وكيفية تعامل الآخرين معه حتى التعافي، حاورت “وفا” الاخصائية والمعالجة النفسية، الدكتورة أريج عياش.

ما هي الآثار والأعراض النفسية التي تصيب مريض “كورونا” أثناء المرض وبعد التعافي؟

هناك مجموعة من الاعراض النفسية التي قد تظهر لدى المصاب بفايروس كورونا تتمثل بالشعور بالعجز نتيجة الاصابة بهذا المرض الوبائي، وهذا الشعور نتيجة عدم قدرة المرضى وخصوصاً اذا كانوا من مقدمي الرعاية لآخرين كالأب او الأم على القيام بأدوارهم ومسؤولياتهم العائلية تجاه ابنائهم برعايتهم أو بإعالتهم مادياً، فهذا المرض يقتضي بقاءهم محجورين عاطلين عن العمل بعيدين عن عائلاتهم لفترة من الزمن، بالاضافة للشعور بالعجز المرتبط بضعف الجسد وعدم توفر العلاج الشافي وحاجتهم للمساعدة، وبعض من المشاعر قد تكون مرتبطة بالشعور بالذنب تحديدا في حال كان المريض هو من نقل العدوى لافراد عائلته أو لاسمح الله في حالة وفاة احد افراد العائلة من الكبار بالسن بسبب نقله العدوى له، ما قد يؤدي بمريض الكورونا للاكتئاب، كذلك يمكن أن يسبب  المرض بعض الاثار النفسية اللاحقة أثناء التعافي وبعد التعافي كأن يصاب المريض بما يسمى اضطراب الضغط الحاد الذي تظهر أعراضه خلال فترة شهر من الاصابة بالفيروس أو اضطراب مابعد الصدمة (PTSD ) والذي تمتد أعراضه من شهر الى أشهر عديدة، وقد تظهر في سنوات متأخره أيضاً بعد التشافي من الفايروس، حيث أن كلا الاضطرابين يحدثان نتيجة تعرض الفرد لحدث صادم كالإصابة بالفيروس، والحدث الصادم هو حدث مفاجئ، وشديد، وغير مألوف، لايستطيع الفرد التعامل معه باستخدام وسائل الدفاع النفسية، فالشعور بالعجز يمكن أن يصيب الفرد نفسه أو أحد اقربائه وفيه تهديد بالموت.

ما هي الطريقة المثلى للتعامل مع مريض كورونا لمساعدته نفسيا على التعافي؟

في البداية من المهم جداً أن لا يتم التعامل مع مريض “كورونا” بسلوكيات متحيزة عنصرية تندرج تحت مفهوم (الوصمة) سواء بالنسبة له أو لأسرته، لما لهذا المفهوم من ضرر كبير وانعكاس سلبي على الحالة النفسية للمريض وهذا يؤخر شفاءه، فالنفس والجسد يؤثر كل منهما على الآخر، كذلك آثار الوصمة على المجتمع ككل، حيث قد تكون سبباً لعدم التوجه للطب الوقائي من قبل بعض الاشخاص الذين يشكون باحتمالية إصابتهم، أو الذين خالطوا مصابين، مطلوب من المجتمع تقديم كل أنواع الدعم الاجتماعي المتاحة والمساندة والتقبل غير المشروط لهم، ويجب على المحيطين من الأهل والاصدقاء تقديم المساندة والاحتواء والتعاطف والتشجيع والاستماع إليهم، وإشعارهم بالأمن عبر وسائل التواصل الالكتروني المتاحة المرئية والمسموعة، وبالامكان العمل على مساعدتهم للتغلب على مشاعر الملل بعمل مجموعة من الأنشطة معهم عبر وسائل الاتصال الالكتروني، وإشراكهم باتخاذ بعض القرارات اليومية التي تخص العائلة، والتي تمنح المصاب شعورا بالمحبة والانتماء للأسرة حتى في فترة مرضه.

نصائح للمصاب بكورونا في بدايات اصابته وخلال فترة حجره الصحي؟

في البداية أود تذكير المصاب أن السلاح الذي سيقضي على هذا المرض هو المناعة الجسدية والنفسية، لذلك فان مهمة المريض هي شحذ هذا السلاح وتقويته بالغذاء الصحي الملائم، وبالتمارين الرياضية التي تنشط من الدورة الدموية والتي تقوي من جهاز المناعة، والأهم هو الحفاظ على معنوياته وحالته المزاجية، فمزاجه يشكل أهمية كبرى في محاربة هذا الفايروس، كذلك أنصحه بالاستماع والاطلاع على بعض النماذج لمصابين تم شفاؤهم من فايروس كورونا، واستخدام المصاب لخياله الايجابي في تصور الوقت، بتخيل نفسه بعد عدد من الايام وقد عاد لعائلته بعد شفائه، كذلك ضرورة عمل نظام يومي فيه مجموعة من الأنشطة التي يستطيع المصاب القيام بها في مكان حجره بما يتلاءم مع حالته الصحية وشروط الحجر، كالقراءة، وقراءة القران الكريم وبعض الكتب والروايات، ومتابعة بعض البرامج الكوميدية، والاستماع للموسيقى وقيامه بالغناء، بالاضافة الى الرياضة الضرورية للصحة.

ما هي طرق المناعة والوقاية النفسية من كورونا بشكل عام؟

لغير المصابين فان الوقاية النفسية تقتضي ضرورة التركيز على اتجاهين، الاتجاه الاول:  الموجه الى المشاعر، حيث من الضروري العمل على اعادة الاتزان المستمر للمشاعر خصوصاً في حالات القلق الشديد من الاصابة بالمرض، والذي قد ينجم عن الاخبار المتسارعه حول المرض وتطوراته، حيث من المهم العمل على خفض مشاعر القلق بالابتعاد فترة من الوقت عن متابعة الاخبار والتحليلات المتعلقة بالمرض وقضاء الوقت بالقرب من الاسرة ومشاركتهم العديد من الانشطة داخل المنزل، تنفس الهواء النقي بعمق، التأمل، يمكن متابعة بعض الافلام التي تحمل مواضيع بعيدة عن الفايروسات والكوارث، قراءة بعض الروايات، وغيرها من الانشطة التي تعيد التوازن للمشاعر وتعمل على تحسين المزاج، الذي يؤثر بدوره على طريقة تفكيرنا ويمنحها الوضوح والتوازن.

والاتجاه الثاني هو: التركيز على الأفكار والتأكد من أننا نفكر بطريقة عقلانية بلا تضخيم ولا تهويل ولا انتقائية سلبية، التي تركز على الاخبار السيئة وتتجاهل أخبار الشفاء، واستبدال افكارنا غير العقلانية بأخرى عقلانية ومراجعة الحديث الذي نقوله لأنفسنا، هل نضع مجموعة من السيناريوهات المرعبة طوال الوقت ونحدث بها أنفسنا أم نحدثها بأفكار متوازنة تأخذ تجارب النجاح في مواجهة هذا الفايروس كما تأخذ أخبار الاصابات به.

الأعراض النفسية المصاحبة لكورونا إلى متى تستمر، وهل تحتاج إلى علاج نفسي؟

أهم المشكلات النفسية المرتبطة بهذا الوباء بشكل عام تتمثل بالقلق وبالمخاوف المرضية بالرغم من أن بعضاً من هذا القلق قد يكون موضوعيا نتيجة لقلقنا من عدو مجهول، زائر غريب اقتحم حياتنا فجأة وصار يهددها، جهلنا ببعض المعلومات التي لم تتضح بعد حول هذا المرض يثير قلقنا، إلا أن هناك الكثير من الناس تحول قلقهم الموضوعي إلى قلق مرضي وبات يؤثر على سير حياتهم اليومية والاجتماعية، وهذا من أهم المؤشرات التي تميز القلق السوي عن غير السوي، فإذا ما شعر الفرد بأن قلقه صار يعطل حياته، لا يستطيع القيام بدوره داخل البيت أو بمتابعة عمله من المنزل في حال كان يتابع عمله من البيت وأصابه الجمود وبدأ دماغه يصور باستمرار المشاهد المخيفه المرتبطة بالمرض فان عليه التوجه لأخصائي نفسي.

وأكدت عياش أن الأزمات لا تبقى، فهي محددة المدة، لها تاريخ بداية وتاريخ نهاية، ولأن هذه الأزمة ستكون يوماً فعل ماض نتحدث عن تفاصيله، علينا اليوم أن نقوم  بأدوارنا الأسرية والمجتمعية الواعية والمسؤولة من أجل الشعور بالرضا عند انتهاء الأزمة.

الاخبار العاجلة