“النضال ليس بندقية فقط”

8 أبريل 2020آخر تحديث :
“النضال ليس بندقية فقط”

 زهران معالي

أمضى الأسير المحرر طارق دولة ليلته الأولى في الحجر المنزلي، يسترجع ذكرياته التي عاشها مع عائلته قبل الاعتقال، ويقلب صور الطفولة التي جمعته بأشقائه، وأخرى بوالديه، التقطت لهم برفقته وهو داخل المعتقل حيث أمضى 18 عاما في سجون الاحتلال.

في غرفة الحجر بمنزله في مدينة نابلس، وجد دولة (47 عاما) أغراضه الشخصية، ملابس قديمة، ودفاتر، ورسومات، وبطاقة شخصية، ورخصة قيادة، احتفظت بها العائلة منذ اعتقاله في نيسان/أبريل عام 2002.

أمس أفرج عنه من سجون الاحتلال، ومنذ الساعة الأولى التي أغلق فيها دولة باب الحجر المنزلي عليه طوعا في فترة تستمر 14 يوما، للتأكد من عدم إصابته بفيروس “كورونا” المستجد، والاتصالات ترد إليه تباعا من الأهل والأصدقاء الذين اشتاقوا له، ويرغبون بالاطمئنان على صحته.

وعند حاجز الظاهرية العسكري الإسرائيلي قرب مدينة الخليل، على غير العادة ما قبل انتشار فيروس “كورونا”، استقبل الطب الوقائي الأسير دولة وأسرى آخرين، يرافقهم محافظ الخليل اللواء جبرين البكري، حيث أجري له فحص “كورونا”، ونقل بعدها إلى منزله في نابلس.

ولدى وصوله ساحة محافظة نابلس، حضر عدد محدود من المواطنين وشخصيات رسمية لاستقباله، بينما بقي هو داخل سيارة الإسعاف.

من بين الحاضرين كان والد طارق، أحمد دولة (83 عاما) والذي اكتفى بالتلويح له من بعيد، فيما آزر كلاهما الآخر بقبضة يد من بعيد، قبل أن ينقل المحرر إلى المقبرة الغربية لزيارة قبر والدته، التي توفيت قبل 30 شهرا.

يصف المحرر دولة اللحظات السابقة قائلا: عندما وصل والدي لمقر المحافظة، لم أشاهد غيره في الساحة، صراع داخلي يدعوني للقفز من سيارة الإسعاف لاحتضانه، لكن تذكرت أن أبي كبير بالسن وعلينا الانتظار حتى انتهاء فترة الحجر.

كان العناق الأخير بين المحرر دولة ووالديه قبل أربعة أعوام في سجن النقب، وهي المرة الثانية التي سمح بها الاحتلال لدولة بقائهما وجها لوجه دون عازل، لكنها كان عناق الوداع لوالدته التي افتقدها بين الحاضرين.

وما يخيم على تفكير دولة وفق قوله منذ الليلة الأولى من حجره، العناق المؤجل الذي سيحتضن فيه والده دون والدته، يقبل فيه يديه دون حواجز أو قيود في يديه أو قدميه.

يقول دولة الذي تخرج قبل اعتقاله من كلية الفنون الجميلة بجامعة النجاح الوطنية، وعمل فيها مدرسا كونه كان المتفوق على دفعته “في هذا الحجر المنزلي تتوفر كل أنواح المعقمات وإجراءات السلامة لكن في سجون الاحتلال لا يوجد أي شيء سوى الكلور بكميات قليلة لغسيل الملابس البيضاء فقط”.

“أداة التعقيم للأسرى هي الصابون فقط، وبعد ضغوط منهم، وافقت إدارة السجون على تعقيم الحمامات والمطبخ فقط بمادة الكلور” يؤكد.

ويضيف “كنت أقبع برفقة 12 أسيرا في خيمة لا تتجاوز مساحتها 50 مترا في سجن النقب، إلا أن الأسرى في ظل الحرمان من المعقمات، اتخذوا إجراءات وقائية كعدم المصافحة بينهم والتنقل بين الأقسام”.

وبحسب دولة، فإنه في سجن النقب، يقبع أسرى مرضى وكبار في السن، كالأسير اللواء فؤاد الشوبكي (82 عاما) الذي يعاني أمراضا مزمنة، والأسيران صالح أبو مخ والأسير المريض إبراهيم منذ 35 عاما، والأسير ماهر يونس منذ 38 عاما. مؤكدا عدم اتخاذ إدارة السجون أية إجراءات لحمايتهم.

“الفيروس ممكن أن يجد العلماء له لقاح، لكن الاحتلال خطره كبير، لا نطالب بتحسين ظروف الأسرى كونهم لا يعيشون حياة مرهفة بل بسجن، ولكن نطالب بالإفراج عنهم”. يؤكد دولة.

في السجن، واصل دولة ممارسة هوايته في الرسم، ورغم قلة الامكانيات والأدوات المتاحة، فلا أقلام رصاص هناك ولا أوراق بيضاء، فاستغل دفاتر الصليب الأحمر للرسم، ويخطط بعد انتهاء الحجر المنزلي، بالبحث عن عمل يعوض سنين سجنه، وبالزواج.

“النضال ليس بندقية فقط” يقول دولة، مضيفا “الجهود التي تبذلها الكوادر الصحية في تقديم العلاج ومتابعة الحالة الصحية والأجهزة الأمنية ولجان الطوارئ، أكبر نضال في هذه المرحلة التي نواجه فيها فيروس كورونا الذي لا يقل خطره عن الاحتلال الإسرائيلي”.

شقيقه نائل يقول إن العائلة كانت تعد وتجهز ليوم الإفراج عن طارق قبل أشهر بعد انتهاء فترة محكوميته، كعمل احتفال جماهيري لاستقباله، لكن ألغيت كل تلك الخطط إلى ما بعد فترة الحجر.

ويضيف “سأحتضن أخي بعد انتهاء فترة الحجر”.

الاخبار العاجلة