المركب الثقافي الفلسطيني يُبحر عبر “طلات ثقافية”

14 أبريل 2020آخر تحديث :
المركب الثقافي الفلسطيني يُبحر عبر “طلات ثقافية”

 يامن نوباني

في عالم بات اليوم محزنا وكئيبا وغارقا في المناجاة من “كورونا”، حيث آلاف الضحايا وعشرات آلالاف الإصابات بالوباء، وتوقف الحياة بكافة مناحيها وخاصة الاقتصادية في معظم دول العالم، كان لا بد للثقافة من أن تقول كلمتها، وأن يشارك المبدع تجاربه وحياته وخبراته مع الناس.

كي لا تتوقف الثقافة، ولكي تستمر الرسالة والدور، أطلقت وزارة الثقافة الفلسطينية على صفحتها الرسمية على موقع “فيسبوك” مبادرة “طلات ثقافية” تستضيف فيها شخصيات ثقافية فلسطينية في الوطن والخارج، من أدباء وشعراء ومسرحيين وفنانين وموسيقيين، يقدمون من خلالها حياتهم الشخصية والإبداعية ورسالتهم الثقافية والفنية، ويتلقون أسئلة المتابعين حول أعمالهم ومسيرتهم.

وزير الثقافة، عاطف أبو سيف، تحدث لـ”وفا” حول طلات ثقافية قائلا: جاءت المبادرة من أجل استمرارية الفعل والحراك الثقافي، وتيسير المعرفة والتبادل والحوار الثقافي بين المبدع والمتابعين، وبالفعل لقيت المبادرات التي أطلقتها وزارة الثقافة على مواقع التواصل الاجتماعي حضورا تفاعليا كبيرا، ومساحة مهمة لنقاشات أدبية غنية حول سير أدبائنا وكتابنا وشعرائنا وفنانينا ومسرحنا، هدفها الأساس الحفاظ على الهوية الثقافية الفلسطينية والتعرف على الأدب الفلسطيني قديما وحديثا، وما يعمل عليه الآن مثقفونا من إبداعات سترى النور قريبا.

وأضاف: حققت طلات ثقافية نجاحا باهرا بفعل استضافتها لمبدعين كبار إلى جانب اهتمامها بالجيل الشاب، وتنوع مجالات من يتم استضفاتهم، إضافة إلى أهمية وجود ضيوف من فلسطينيي الشتات وخاصة المخيمات الفلسطينية بالذات في سوريا، حيث حققت المبادرة إنجازين مهمين هما: تخطي وباء كورونا، وتخطي وباء الاحتلال الذي يمنع دخول المثقف الفلسطيني إلى بلده.

أول المستضافين في طلات ثقافية، كان الكاتب المقدسي محمود شقير، الذي أكد أنه يكتب عن الهم الوطني من مختلف الزوايا والجوانب وأن مصدر إلهامه الحقيقي هو الواقع، قائلا: منذ ولدت والآن بت كهلا وأنا أعيش هذه المأساة”، مؤكدا التزامه الكبير بمدينة القدس كونه ولد على تخومها ويعيش في أحد أحيائها “جبل المكبر.

وأشار شقير إلى تجربته الروائية التي تأسست على تجربته ككاتب قصة قصيرة لعقود من الزمن منذ بداياته وأول قصة نشرها بعنوان “ليل ولصوص” عام 1962 وتجربته ضمن “أدباء الأفق الجديد”.
وحول واقع الأدب الفلسطيني، قال شقير إنه مرتاح لحاضر الفن الروائي الفلسطيني رغم الأوضاع الصعبة التي يعشها شعبنا إلا أنه يبدع في كل المجالات. مضيفا: “صحيح أن الرواية بحاجة لواقع مستقر، وحال المجتمع الفلسطيني ليس كذلك إلا أن هناك كتابات فلسطينية راسخة وقوية“.

وقدم شقير مجموعة من النصائح للكتاب والكاتبات الشابات، مؤكدا ضرورة القراءة كسلاح أساسي للكاتب، كما نوه إلى ضرورة تعزيز النقد الأدبي الفلسطيني من أجل أن يكون معينا ودارسا للنصوص الأدبية الجديدة.

بدوره، قال الروائي حسن حميد المقيم في سوريا:” أنتظر اللحظة التي أعانق فيها فلسطين“.
وتحدث حميد عن سيرته الذاتية، وحياته في المخيم، وأبرز أعماله الأدبية مثل: رواية “جسر بنات يعقوب”، ورواية “مدينة الله” التي أخذنا فيها إلى أزقة القدس، أسوارها، مساجدها، كنائسها، حجارتها، بأسلوب مشوق يصف جمال المدن المقدسة ومكانتها عبر العصور.

وحول توجهه لكتابة الرواية والقصة القصيرة بعد الشعر، قال حميد: “كتبت الشعر في مطلع حياتي، لحاجة المخيم لشاعر يؤبن الشهداء الذين توافدوا على المخيم، حتى صارت المقبرة أكبر مساحة من المخيم نفسه، ثم أقلعت عن الشعر لأنني وجدت أن التراجيديا الفلسطينية تحتاج لمساحات أكبر، لذا كان لا بد من السرد. في المخيم عرفنا جغرافية فلسطين والرواية الفلسطينية”.

من ناحيته، بدأ الشاعر عبد الله عيسى بالحديث عن حياته في مخيم ببيلا- مخيم اليرموك وولادته فيه، واصفاً حالة الترحال الكثيرة التي عاشها، ومجيئه إلى روسيا منذ ثلاثين عاماً، ودراسته في معهد مكسيم غوركي للأدب، وحصوله على درجة الدكتوراه من معهد آسيا وأفريقيا التابع لجامعة موسكو الحكومية.

وعن مدى تأثره بالأدب الروسي، قال عيسى: “نجحت في تقديم عدد من الشعراء بالروسية، ووقفت على أهم المسارح والمنابر الثقافية هناك، وأنتجت عدداً من الأفلام المشتركة، بالإضافة إلى مشاركتي مع كبار الشعراء العالميين في روسيا، وترجمة أعمال لهم إلى العربية“.

وأكد أن جيلا في الثقافة الفلسطينية يقدم نصا إبداعيا خلاقا علينا الانتباه إليه ودعمه، فنحن محاطون بالإبداع من كل الجوانب، ويجب علينا الانتباه للمشروع الثقافي الفلسطيني، مشيرا إلى أهمية السرد الفلسطيني وإلى الكتّاب الذين أثروا في حركة الإبداع العربي والإنساني مثل: جبرا ابراهيم جبرا، وغسان كنفاني، وآخرون.

وحول كتابة سيرته الذاتية، أجاب الشاعر:” لدي رؤية لكتابة سيرتي الذاتية وهي جزء من سيرة الفلسطيني القادر على الوفاء للتجربة الفلسطينية وللحالة الفلسطينية”.

الروائي إبراهيم نصر الله أكد في طلته، أن الأدب يساهم في تشكيل الهوية الإنسانية والوطنية، وأن الكاتب الفلسطيني هو مسؤول عن حفظ الذاكرة والهوية الفلسطينية، وأن جمرة الإبداع الفلسطيني ضرورة يجب أن لا تنطفئ.

وتحدث نصر الله عن نشأته ودراسته في مخيم الوحدات بالأردن، حيث شهد تحولات المخيم التي كتبها فيما بعد في روايته “طيور الحذر”، والآن يكتب ما لم يقله في تلك الرواية، عبر عمل روائي جديد، وسرد تجربته العملية متحدثا عن عمله مدرّسا في السعودية لمدة عامين، وكتابته عن تلك التجربة روايته الأولى، ثم عمل صحفيا لفترة طويلة، قبل أن ينتقل إلى العمل في مؤسسة شومان، وصولا إلى العام 2006 وهو العام الذي قرر فيه التفرغ للكتابة بشكل كامل، لافتا إلى أنه يكتب لمن يحبّ القراءة، ولمن لا يعتبر القراءة وسيلة ترفيه، وقبل ذلك وبعده يكتب لنفسه.

وتحدث نصر الله عن تجربته في الرواية والشعر، حيث أصدر 15 ديوانا شعريا، و21 رواية أهمها مشروع “الملهاة الفلسطينية” الذي يغطي 250 عاما من تاريخ فلسطين، وصدور آخر عمل ضمن هذا المشروع وهو “ثلاثية الأجراس”، ثم مشروع الشرفات الذي صدرت منه ست روايات، آخرها حرب الكلب الثانية.

وتطرق إلى إصداره كتابين في السيرة الذاتية والأدبية، فـ”السيرة الطائرة” يتحدث عن تجاربه في السفر خلال 25 عاما، ولقاءات البشر والتفاعل معهم، أما كتاب “الكتابة” فيتحدث عن سيرته الثقافية، ونظرته للكتابة وللفن، معربا عن رغبته بكتابة رواية تتحدث عن تجربة الأسرى والأسيرات داخل سجون الاحتلال يمكن أن تبصر النور خلال السنوات القادمة.

كما تحدث الشاعر سامي مهنا عن نشأته في قرية البقيعة في الجليل، القرية التي أسماها توفيق زياد بقرية الشعراء، والتي شهدت عدة نشاطات شعرية، وخرج منها سالم جبران ونايف سليم وسلمان فضول وآخرون، وسرد بداياته في الشعر وتأثره بسميح القاسم الذي كان متحمساً لموهبته، وكان المرشد الأول الذي دعمه بكافة السبل.

وأشار إلى تأسيس اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين في مناطق الـ48، معتبرا ذلك خطوة ثقافية فريدة ووطنية ونوعية، فنحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، ومن مسؤوليتنا الوطنية أن نحافظ على ثقافتنا ومشروعنا الوطني وهويتنا الوطنية الفلسطينية، مشيرا إلى أن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين خصص جائزة للكتّاب بالداخل الفلسطيني لإعادة الصيغة الأدبية، وتثبيت الثقافة والهوية الفلسطينية على أرضنا الفلسطينية رغم كل العراقيل الإسرائيلية.

بدورها، استذكرت الشاعرة الغزية هند جودة في بداية حديثها، الشاعر الكبير الراحل أحمد دحبور في ذكرى رحيله الثالثة، حيث ألقت له قصيدة “حكاية الولد الفلسطيني”، كما ألقت العديد من القصائد منها “غرة الكلام”، “اسم يطال الشمس”، “لا سكر في المدينة“.

من جانبه، قال الروائي يحيى يخلف إنه يكتب حاليا مذكراته، التيي تضم العديد من القصص التي لم يذكرها من قبل.

وأكد أنه وجيله كان لهم دور في الرواية الفلسطينية وقال: الأديب الشهيد غسان كنفاني أدخل الرواية الفلسطينية بوابة الإبداع والجيل الذي بعده أضاف لها وجعل للرواية الفلسطينية حضوراً في المشهد العربي والدولي، ودور الراحل محمود درويش في أن يكون للثقافة دور في العمل السياسي من خلال النصوص المؤثرة التي أبدع بها.

واستحضر يخلف يوم ميلاد الأديب الراحل عزت الغزاوي الذي يصادف الرابع من نيسان، وأثره في العمل الثقافي والأدب الفلسطيني بشكل عام.

الشاعر ناصر رباح: الشعراء يستحضرون القضية الفلسطينية من خلال أعمالهم الشعرية

وقال الشاعر ناصر رباح من غزة: “لم أكن نسخة مكررة للشعراء، بدأت أكتب قصيدتي الخاصة واكتشفت أن ما كتبته يعبر عن أفكار جيل كبير من الفلسطينيين الذين ينتمون إلى فلسطين.

وأشار رباح إلى أبرز إصداراته من دواوين شعرية وأدبية وهي خمسة دواوين، وروايتان، وإلى التجديد في الكتابة والاختلاف بين عمل أدبي وآخر يصدره الكاتب، وقدم عدة مقتطفات شعرية من عدة دواوينه.

بدوره، تحدث الفنان عبد المنعم عمايري ابن قرية الجاعونة المهجرة في صفد عن حلمه بزيارة فلسطين، ونشأته في مدينة دمشق، حيث درس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية.

واستذكر أحاديث عائلته عن النكبة والتهجير وكيف هجر والده وهو ابن السبع سنوات من الجاعونة إلى لبنان ثم سوريا ورائحة الليمون وحمضيات بلاده، وأشار إلى أن فلسطين الكاملة هي حلمه وأن والده كان يهديه خارطة فلسطين التاريخية عند نجاحه في المدرسة كل عام.

وتحدث عمايري عن بداية مسيرته الفنية عام 1997 والمشاركة في عدة مسلسلات درامية، كوميدية، تاريخية، بالإضافة إلى عمله في سلك التدريس بالفنون المسرحية، وعبر عن رغبته في تجسيد عدة شخصيات فلسطينية من خلال الدراما مثل شخصية غسان كنفاني والفنان ناجي العلي من خلال أعمالٍ فنية، كما أشار إلى أهمية مشاركته في مسلسل “اجتياح”، لافتا إلى أن القضية الفلسطينية بحاجة لأعمال عظيمة تجسدها.

وتحدثت الفنانة صفاء سلطان عن جذورها التي تعود إلى مدينة جنين، وولادتها في عمان، وأمنياتها بزيارة فلسطين، كذلك المشاركة في مسلسلات فلسطينية تجسّد من خلالها شخصية أسيرة محررة، أو صحفية فلسطينية، وتطرقت إلى إنتاجها أغنية “أنا إسمي القدس” وتأديتها على عدد من المسارح في مصر وسوريا ولبنان.

وتطرقت سلطان إلى بداياتها في مجال التمثيل واكتشاف عراب الشاشة ياسر العظمة لموهبتها ومشاركتها في مسلسل مرايا عام 2003، لتنطلق بعد ذلك في مشوارها الفني في عدد من المسلسلات الدرامية، قائلة:” الفن هو صناعة”، وأقوم الآن بالتحضير لـ”مسلسل رياح السموم” وهو تجربة جديدة بالدراما البدوية، ومسلسل “الحرملك” الجزء الثاني، ومسلسل “ببساطة“.

وتحدثت سلطان عن أبرز وأهم الأدوار التي قامت بتأديتها، منها تجسيد شخصية المطربة الراحلة” ليلى مراد” الذي اعتبرته من أصعب الأعمال الفنية لأنها تجسد من خلاله شخصية ليلى مراد، وسيرتها الذاتية، وأهمية تجسيد روح الشخصية.

وتحدث الفنان المقدسي أبو سلعوم عن نشأته في السقيفة الفلاحية وبداياته مع الفن والمسرح، مشيرا إلى أن المسرح الفلسطيني بحاجة لكوادر شابة وموهوبة، بالإضافة إلى الدعم المادي والمعنوي، من أجل تطوير الانتاجات المسرحية، قائلاً: “الفنان الحقيقي لا حدود لفنه، والمسرح هو جزء من هويتنا الفلسطينية ونضالاتنا الوطنية“.

وتخلل البرنامج غناء الفنان أبو سلعوم عدة أغان وطنية، وعزفَ على العود، فيما أجاب أبو سلعوم على عشرات الأسئلة من جمهور المتابعين، تضمنت أسئلة تتعلق بأهمية المسرح الفلسطيني وعلى وجه الخصوص المسرح في القدس، والحالة المسرحية الفلسطينية، والتحديات التي تواجهها، وأسئلة تتحدث عن نشأته وعلاقته مع المسرح.

كما شارك ثلاثة موسيقيين فلسطينيين مقطوعاتهم الموسيقية التي قاموا بتأليفها من الحجر المنزلي، وهم: لؤي بلعاوي من جنين، ومنتصر جبريني من رام الله، وتامر ساحوري من بين لحم.

كما قدم الفنان عمار حسن مجموعة من الأعمال بينها عمل سيطلقه قريباً وهو قصيدة للشاعر الفلسطيني سميح القاسم، وأكد أن هناك مشروع غنائي كبير عن مدينة القدس سيكون له أثر كبير في الأغنية الفلسطينية وعلى المستوى العربي.

وأحيا الفنان باسل زايد حفلاً موسيقيا تحت عنوان “من بعيد” ، بعدة مقطوعات من أغانيه وهي “كَم” و “لمّا الليل” لحسين البرغوثي”، و”شعرك دهب”، و”لارمي عليك ورد” لمحمود أبو هشهش ، و”جرّب اطلع” لعامر بدران وغيرها من المقطوعات.

وكانت وزارة الثقافة قد أطلقت سلسلة من المبادرات الثقافية الافتراضية شملت تقديم رسائل للمواطنين من كبار فناني فلسطين كالفنان محمد عساف، وريم تلحمي، وعمار حسن، وصفاء سلطان، ووسام جبران وغيرهم، كنصائح وإرشادات خلال فترة الحجر عبر مبادرة “وطنك_ صحتك_ الك، فيما أطلقت الوزارة أيضا البرنامج الثقافي “طلات ثقافية” التي تستضيف من خلاله نخبة من الأدباء والكتاب والشعراء والسينمائيين والمسرحيين، كمحمود شقير، وعبد الله عيسى، وناصر رباح، وأحمد أبو سلعوم، إضافة لتقديم ندوات أدبية، وأمسيات شعرية، وعروض مسرحية عبر الإنترنت.

الاخبار العاجلة