محاصيل بعلية خارج حسابات الحصاد

19 أبريل 2020آخر تحديث :
محاصيل بعلية خارج حسابات الحصاد

الحارث الحصني

فيما ينتظر الفلاحون التوقيت المناسب، لحصد بذارهم الذي يذروه بداية الموسم الحالي في الأغوار الشمالية، كان من قطع الطريق عليهم في ذلك.

فخلال الأسبوعين الماضيين، أمكن من خلال صور فوتوغرافية، ومقاطع فيديو، بثها ناشطون، ومهتمون بتوثيق انتهاكات الاحتلال في الأغوار، مشاهدة عدد من أبقار للمستوطنين، وهي ترعى بالمحاصيل البعلية للمواطنين في مناطق “أم القبا”، و”مكحول” على سبيل المثال.

وتزرع مئات الدونمات من الأراضي في الأغوار الشمالية، بالمحاصيل البعلية، التي يستفيد الفلسطينيون من بذرها، والقش منها، لإطعام مواشيهم التي يصل عددها للآلاف في الأغوار الشمالية بالعموم، والتجارة بها.

كان هذا العام واحدا من المواسم المطرية المميزة بالنسبة للفلاحين الفلسطينيين، فعدا عن الكميات الأكثر من المتوسط للأمطار، كان توزيع سقوط الأمطار ممتازا.

هذه الأيام يمكن مشاهدة مئات الدونمات من الأراضي المصبوغة باللون الأخضر المموج بالذهبي، الناتج عن المحاصيل البعلية في عديد الأماكن بالأغوار الشمالية، وهي تتهيأ للحصاد بعد فترة وجيزة.

لكن، هناك محاصيل بدأ حصادها فعليا.

“موسم الفريكة”.

فهذه الأراضي المزروعة بالقمح الذي يستفاد منه قبل نضوجه بالكامل، لإنتاج “الفريكة”، جزء منها صار مرتعا لأبقار المستوطنين.

قبل عام، وضع مستوطن كرفانات له على قمة احد الجبال في منطقة “أبو القندول” بالأغوار الشمالية، وعلى نهج عدد من المستوطنين المقيمين في عدة تجمعات عشوائية بالأغوار الشمالية، بدأ المستوطن برعي أبقاره في أراضي الفلسطينيين بالمزروعة بالمحاصيل البعلية.

يقول الناشط الحقوقي عارف دراغمة، هناك أكثر من 400 بقرة للمستوطنين ترعى بمحاصيل المواطنين، وهو نشر قبل أيام مقاطع فيديو مصورة، وصور لعدد من الأبقار وهي ترعى القمح، وقد غطت سيقان القمح نصف أقدامها.

تاريخيا، ظل الفلسطينيون في مناطق الأغوار الشمالية، يعتمدون بشكل شبه كلي على حصاد المحاصيل البعلية، في توفير الغذاء لمواشيهم، وبالنسبة لهم فإن رعي تلك المحاصيل قبلها أوانها يعني بالنسبة لهم أكثر من خسارة، وهذا ما يعتبره الفلسطينيون محاصيل لن تدخل في حساباتهم عند حصادها.

فلكيا، بدأ المواطنون منذ أسبوع تقريبا بحصاد محصول “الفريكة” بطقوس موسمية معتادة. فمع ارتفاع الحرارة في الأغوار، يتعجل الحصاد في واحدة من أخفض الأماكن في العالم، عمن سواها من المناطق التابعة لطوباس.

قال أحمد أبو محسن: “رعت الأبقار ما يقارب 25 دونما من الأراضي التي زرعتها هذا العام بالقمح، في منطقة “أم القبا”؛ لتجارة الفريكة”.

لكن أبو محسن عينه أشار إلى أنه يملك الآن 200 دونما من القمح توطئة لجعلها فريكة، في مناطق متفرقة من الأغوار الشمالية.

بالنسبة لأبو محسن، فقد ظلت الفريكة واحدة من المزروعات التي أمكن له التجارة فيها سنويا، ويعتمد المردود الربحي لها على موسم الأمطار بشكل عام، ولهذا السبب فإن الرجل قد ضمّن، هذا العام، عشرات الدونمات في مناطق من الأغوار الشمالية مقابل (1000) شيقل للدونم الواحد.

غير أن دمار 25 دونما لأبو محسن، تعني خسارة 25 ألف شيقل، زهاء التضمين فقط، وهي عملية تجارية يقوم أحد الأشخاص بدفع مبلغ من المال لمالك المزروع، مقابل الحصول عليه. غير أن أبو محسن أوضح أن الدونم الواحد بلغت قيمة تكاليف زراعته ما يقارب 400 شيقل، لافتا إلى أن خسارة الدونم حوالي 1400 شيقل.

بدوره، قال رئيس لجنة التوثيق في مديرية زراعة طوباس، أمين عبد الرازق، إنه في اليومين الماضيين أحصت زراعة طوباس بشكل مبدئي، خسائر بمحاصيل قدرت بـ 30 دونما من القمح في منطقة أم القبا.

لكن هناك محاصيل أخرى رعتها أبقار المستوطنين في المنطقة ذاتها. يقول عبد الرازق إن طواقم مديرية الزراعة وثقت بشكل مبدئي في اليومين الماضيين، خسائر بمحاصيل الذرة البيضاء قدرت 70 دونما، مبينا أن “عملية توثيق الخسائر مستمرة”.

بالنسبة لدراغمة فإنه ينظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، مشيرا إلى أن المستوطنين يتركون أبقارهم تجوب كل المناطق في الأغوار دون راع، بهدف “ترسيم حدود الأراضي التي يريدون الاستيلاء عليها”.

وتقول الأرقام التقديرية، المتوفرة لدى دراغمة أن المستوطنين أتلفوا خلال السنتين الماضيتين أكثر من 300 دونم قمح، و100 دونم حمص، و60 دون بيقة.

هذه الأيام يمكن رصد عدد من المحاصيل التي يمكن زراعتها كالقمح، والشعير، والحمص، والبازيلاء، والبيقة،بعضها يستفاد من بذوره، والأخرى من قشها لصناعة “بالات القش”.

لكن بتقديرات ناشطين حقوقيين فإن أبقار المستوطنين رعت عشرات الدونمات من الأراضي البعلية في مناطق أخرى بالأغوار الشمالية.

في بعض الأوقات، لا يكون الدمار بالتهام الأبقار للمحصول، فبناء على خبرة حياتية، قال أبو محسن، إذا ما تنفست الماشية بالعشب أو المحصول، فإنه لن ينفع بأن يكون طعاما لماشية أخرى.

قبل تواجد المستوطنين في تلك التجمعات التي لم تضح أسماؤها حتى اليوم، كان الفلسطينيون يسخّرون لحصادهم أوقاتا كافية لذلك، لكن منذ سنوات (وهي التي بدأ المستوطنون التواجد فيها)، صار حصاد الفلسطينيين في دائرة الخوف.

قال دراغمة: “الآن أبقار المستوطنين تجوب كل المناطق بين التجمعات الاستيطانية(…)، صارت كل البقعة الجغرافية بين البؤر الاستيطانية تحت قبضتهم”.

وبحسب ما نشر على مركز حقوق الإنسان “بتسيلم”، فإن المستوطنات هي العامل الأكثر تأثيرًا على واقع الحياة في الضفة الغربية وإسقاطاتها على حقوق الإنسان الفلسطيني مدمّرة وتطال ما هو أبعد بكثير من مئات آلاف الدونمات التي سُلبت منهم لأجل إقامتها بما في ذلك المراعي والأراضي الزراعية.

الاخبار العاجلة