فرسان الصمود

20 أبريل 2020آخر تحديث :
فرسان الصمود

هدى حبايب

“بكل أفتخر احتفل بعيد ميلادي داخل سجن الجلمة العسكري، وأواجه أخطر وأمكر مخابرات في العالم، واقفا بكل اعتزاز أمام قضاتهم، مؤمنا بعدالة قضيتي مستمدا قوتي من دعاء أمي وجدتي …”، رسالة من زيد بعجاوي طفل أسير في الخامسة عشر من عمره، اعتقل في يوم ميلاده.

ففي العاشر من أيلول من العام الماضي 2019، اعتقلت قوات الاحتلال الطفل بعجاوي من منزله في بلدة يعبد في محافظة جنين، بعد محاصرته بقوات كبيرة من الجيش، اقتادته مشيا على الأقدام مسافة كيلو ونصف إلى حاجز “دوتان” العسكري المقام على أراضي البلدة الواصل بين محافظتي جنين وطولكرم، ومن هناك اقتادوه إلى معكسر الجلمة وأخضع للتحقيق مدة 10 أيام، ليتم زجه في قسم الأشبال في مجدو دون محاكمة.

وزيد هو طالب في الصف العاشر ويدرس في مدرسة الشهيد عز الدين القسام الثانوية في يعبد، وهو الشقيق الأصغر للأسير مجد بعجاوي الذي اعتقل بتاريخ 15-1-2019، ويقضي حكما بالسجن ثلاث سنوات في سجن جلبوع.

مرور سبعة شهور على اعتقال زيد وهو الطفل الأصغر بين أخوته، لم يجعل عائلته تفقد بأن الفرج سيكون قريبا، وأن ما حملته رسالته التي خطت من داخل رحم القهر والألم، ما هي إلا جرعة قوة استمدتها العائلة وكل محبيه من طفلها للصبر والصمود.

يقول والده أحمد بعجاوي ويشغل مدير مكتب تلفزيون فلسطين في طولكرم لـ”وفا”:”هذه الرسالة التي بعثها زيد من داخل زنازين التحقيق، رفعت من معنوياتنا وزادتنا قوة وصبرا على فراقه، وكبر في عيوننا وقلوبنا، فشوقنا كبير له خاصة لدى والدته وجدته، ورغم حداثة عمره إلا انه يتمتع بحس وطني ومعنويات عالية، وهذا هو حال أطفال فلسطين”.

ويستهجن استمرار الاحتلال في استهداف الأطفال، وهو ما يعتبر خرقا لكافة الأعراف والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل في محاولة منه لحرمانهم من طفولتهم وبراءتهم، وحقوقهم في العيش الآمن كما بقية أطفال العالم.

اعتقل زيد في السابق وهو في الرابعة عشر من عمره عدة مرات وأخضع للاستجواب ساعات طويلة قبل أن يتم الإفراج عنه في نفس اليوم، إلى جانب اعتقال والده مرتين معه.

وفي اعتقاله الأخير تعرض لأربع محاكمات في محكمة سالم العسكرية، وفي كل مرة يتم تأجيل الحكم، آخرها بتاريخ 19-3 من العام الحالي حيث لم يتمكن أحد من أفراد العائلة التواجد في المحكمة، وتم تأجيلها إلى الخامس من أيار مايو القادم كما أخبر بذلك محاميه.

وأضاف بعجاوي: إن ابنه واجه بعمره الصغير أبشع صنوف القهر والتعذيب الجسدي والنفسي من مخابرات الاحتلال، ووقف بكل اعتزاز أمام قضاتهم، وهو يؤمن بعدالة قضيته، مستمدا قوته من دعواتنا الدائمة له ولجميع الأسرى.

وتتخوف عائلته من أن يصاب الأسرى خاصة الأطفال بأي سوء مع انتشار جائحة كورونا، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها داخل سجون الاحتلال المتمثلة في حرمانهم من أبسط حقوقهم ومنع ذويهم من الزيارة، ما جعلهم يعيشون حالة من القلق الدائم عليهم، ويتضرعون إلى الله أن يجنبهم خطر هذا الوباء.

وكانت آخر مرة رأته والدته خلال محكمته في 18-2-2020، وزاره والده في اليوم الثاني، ومنذ ذلك الوقت لم يتمكن أهالي الأسرى من زيارة أبنائهم بسبب منع الاحتلال للزيارات بحجة كورونا.

ويوجه بعجاوي نداءاته ودعواته إلى كافة المؤسسات التي تعني بالطفولة وحقوق الإنسان والأطفال المحلية والعالمية التدخل العاجل وفضح ممارسات الاحتلال بحق أطفال فلسطين المحرومين من ممارسة حقوقهم الطفولية بسبب ممارسات الاحتلال بحقهم، مشيرا إلى أن ابنه يمثل حالة من عشرات الأطفال الأسرى داخل سجون الاحتلال الذين يعيشون أوضاعا صعبة لا تليق بطفولتهم، ولكنهم صامدون بصلابة الرجال.

وزيد هو واحد من ضمن 180 طفلا تعتقلهم إسرائيل موزعين على معتقلات عوفر، ومجدو والدامون، التي تفتقر للحد الأدنى من المقومات الإنسانية، ومعاملة حاطة بالكرامة ومنافية للمعايير الدوليّة لحقوق الإنسان، محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية والأساسية، في المعاملة والتعليم والعلاج.

كما زيد، يخضع الفتى الأسير سليمان قطش من بلدة عين يبرود شرق رام الله (16)عاما، للاعتقال الإداري المخالف للقانون الدولي، وهو أصغر معتقل إداري في سجون الاحتلال اعتقلته قوات الاحتلال أثناء توجهه إلى مدرسته، وحكمت عليه بالسجن الإداري مدة أربعة شهور، وتم نقله قبل شهرين من سجن عوفر إلى قسم الأشبال في سجن مجدو، وله شقيق أسير يبلغ من العمر 18 عاما، صدر بحقه حكماً بالسجن لمدة 20 شهراً إضافة إلى غرامة مالية بقيمة 4 آلاف شيكل .

ودفع الأسير نضال زياد عامر ابن مخيم جنين والبالغ من العمر (17)عاما، ضريبة الإداري، عندما حوله الاحتلال للاعتقال الإداري مدة 6 شهور، ليصدر حكم إداري آخر لأربعة أشهر أخرى بعد انتهاء مدة محكوميته الأولى.

والفتى مصطفى حسام هنطش (16 عاما) من مدينة قلقيلية، تم الحكم عليه في السابع عشر من الشهر الجاري بالسجن الفعلي لمدة ثمانية أشهر، ودفع غرامة مالية بقيمة 3000 شيقل، وكان اعتقل قبل شهرين على مدخل المدينة.

وتشير إحصاءات “الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال”، إلى أنّه وفي كل عام يتم اعتقال ومحاكمة ما بين 500-700 طفل بين 12-17 عاما في محاكم الاحتلال العسكرية.

وتسجل القدس أعلى نسبة اعتقالات بين صفوف الأطفال مقارنة بالمحافظات الأخرى، حيث يعتقل العشرات منهم يوميا ويتم احتجازهم بشكل غير قانوني، إضافة إلى فرض سياسة الحبس المنزلي بحقهم، والإبعاد عن القدس، وفرض الغرامات المالية الباهظة، حسب ما ذكرته هيئة شؤون الأسرى والمحررين.

وأوضحت الهيئة أن قوات الاحتلال اعتقلت منذ عام 2000 ما لا يقل عن 17000 قاصر فلسطيني، تتراوح أعمارهم ما بين 12-18 عاما وسُجلت العديد من حالات الاعتقال والاحتجاز لأطفال لم تتجاوز أعمارهم 10 سنوات، مضيفة أن نحو ثلاثة أرباعهم تعرضوا لشكل من أشكال التعذيب الجسدي، فيما تعرض جميع المعتقلين للتعذيب النفسي خلال مراحل الاعتقال المختلفة.

وزارة التربية والتعليم حذرت في مناسبات عدة من الممارسات والظروف التي يعيشها الأسرى الأطفال والتي تشكل تهديدا صارخا للمواثيق والأعراف والاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الطفل التي تنصّ المادة (16) فيها على أنّه: “لا يجوز أن يجري أيّ تعرض تعسّفي، أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته، أو منزله، أو مراسلاته، ولا أيّ مساس غير قانوني بشرفه، أو سمعته”، مشيرة إلى حرمان الأطفال من استكمال تعليمهم جراء عمليات الاعتقال والاحتجاز.

وحلت ذكرى يوم الأسير الفلسطيني هذا العام في ظروف استثنائية تعيشها فلسطين بسبب جائحة كورونا التي تجتاح كل دول العالم، واقترب شهر رمضان المبارك والأسرى يعانون في سجون وزنازين الاحتلال، وبقيت الأمنيات تراوح مكانها في قلوب ذويهم المعتصرة بالألم على فراقهم، تحمل في طياتها القلق والخوف على حياة أبنائهم القابعين في أسوأ الأمكنة معيشة على الأرض.

الاخبار العاجلة