مخيمات اللجوء .. ذكريات مريرة وواقع صعب

14 مايو 2020آخر تحديث :
مخيمات اللجوء .. ذكريات مريرة وواقع صعب

 إسراء غوراني

تعود الحاجة أم العبد بذاكرتها للخلف لتسرد مجريات نكبة عام 1948 بكافة تفاصيلها، وتهجيرها وعائلتها من قرية التينة قرب الرملة، لينتهي بها المطاف في مخيم الفارعة للاجئين جنوب طوباس.

ما زالت أم العبد التي يزيد عمرها اليوم عن التسعين عاما تتحسر على قريتها ذات البيارات الواسعة والمياه الوفيرة، وتقول إن ما حدث معهم أشبه بكابوس مزعج، وفقدوا بلادهم بالقوة بين عشية وضحاها.

تذكر التسعينية أنها لم تحزم من أمتعتها سوى القليل من الثياب، ولم تأخذ شيئا من منزلها ظنا منها أنها ستعود إلى المنزل بغضون يومين أو أسبوع على أكثر تقدير كما قيل لهم، فظنوا أنهم لن يغيبوا عن القرية سوى يوم أبو بعض يوم.

وتستذكر بدايات تأسيس مخيم الفارعة في العام 1949 على أرض استأجرتها وكالة الغوث، وأقامت عليها خياما بسيطة في ظروف قاسية عانى السكان خلالها الأمرين.

في العام 1949 سكن مخيم الفارعة ما يزيد عن ألفي لاجئ قادمين من مناطق شمال فلسطين، وغالبيتهم من قضاء حيفا ويافا وعكا، وبات تعدادهم اليوم حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يقارب الستة آلاف نسمة.

الداخل لمخيم الفارعة اليوم، وبعد مرور ما يزيد عن سبعة عقود على تأسيسه، يجد على مدخله نصبا تذكاريا يضم خارطة فلسطين وعلمها ومدون عليه أسماء جميع القرى التي ينتمي لها سكان المخيم وهجروا منها عنوة.

هذه النصب التذكارية تعتبر ترجمة مرئية لما يحفظه أهالي المخيم كغيرهم من سكان المخيمات عن بلادهم، فبالرغم من أن غالبيتهم اليوم من الشبان والأطفال إلا أنهم يحفظون تفاصيل قراهم ومدنهم المسلوبة من حكايات أجدادهم، كالحاجة أم العبد التي رأت في الحديث عن قريتها لأحفادها واجبا مقدسا.

بدوره، يوضح رئيس لجنة خدمات مخيم الفارعة عبد المنعم مهداوي، أن المخيم تأسس من قبل وكالة الغوث، على مساحة 25 دونما، بعد نكبة عام 1948 مباشرة وتهجير الأهالي من قبل العصابات الصهيونية، ومعظم سكان مخيم الفارعة من مناطق شمال فلسطين، مثل قضاء حيفا ويافا وعكا، وعدد قليل منهم من مناطق الجنوب.

وعن جوانب معاناة سكان المخيم، يشير مهداوي إلى أن كلمة مخيم بحد ذاتها تعني المعاناة، وظروف كافة مخيمات اللاجئين متشابهة، من حيث الازدحام السكاني والافتقار لأدنى مستويات البنية التحتية، وما يزيد من معاناة سكان المخيمات تقليص الخدمات المقدمة من وكالة الغوث.

ويتحدث عما يتميز به سكان المخيمات بالرغم من الواقع المرير الذي يعيشونه، فمن المحطات المشرقة في المخيمات وجود نسبة كبيرة من المتعلمين وحملة الشهادات الجامعية والعليا، فينظر الأهالي للعلم أنه سلاحهم الوحيد، وكذلك يقبلون عليه بكثرة نظرا لعدم امتلاكهم للأراضي كما في القرى، ويضم المخيم مدرستين أساسيتين تابعتين لوكالة الغوث ومدرستين ثانويتين تابعتين لوزارة التربية والتعليم.

يعتبر العمل في الوظائف دخلا أساسيا لأهالي المخيم بسبب وجود نسبة متعلمين كبيرة، إضافة لوجود نسبة عمال كبيرة خاصة في القطاع الزراعي بسبب وقوع المخيم في محافظة طوباس التي تعتبر من أهم المحافظات الزراعية، لكن خلال السنوات الأخيرة يعاني أهالي المخيم من ارتفاع نسب البطالة.

كان لمخيم الفارعة تاريخ نضالي كبير في مختلف مراحل النضال الفلسطيني، وخاصة لقربه من “سجن الفارعة” الذي أقيم في عهد الانتداب البريطاني واستغلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 ليكون معتقلا سيء الصيت وشاهدا على رحلة عذاب لآلاف الشبان الفلسطينيين من مختلف مناطق الضفة، كما اعتقل فيه المئات من أبناء المخيم، إضافة إلى بقائهم في حالة مواجهة دائمة مع قوات الاحتلال المتواجدة فيه لحوالي عقدين من الزمن قبل إخلائه.

قدم مخيم الفارعة 40 شهيدا خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، كما قال مهداوي، وتعرض المئات من أبنائه للاعتقال، ويوجد الآن ستة من أبناء المخيم في سجون الاحتلال من أصحاب الأحكام العالية.

بدوره، يوضح مدير عام المخيمات في دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير ياسر أبو كشك، أن الإحصائيات تشير إلى وجود أكثرمن ستة ملايين ونصف المليون لاجيء فلسطيني داخل فلسطين وفي الشتات، حيث يوجد في الضفة الغربية 19 مخيما للاجئين معترف به من وكالة الغوث وخمسة مخيمات غير معترف بها، وفي قطاع غزة يوجد ثمانية مخيمات، وفي الأردن 12 مخيما، وفي لبنان 12 مخيما، وفي سوريا 12 مخيما.

وعن أعداد اللاجئين الفلسطينيين، أشار أبو كشك إلى أنه يوجد في الضفة الغربية حوالي 250 ألف لاجيء داخل المخيمات و850 ألف لاجيء خارجها، وفي غزة هناك نصف مليون لاجيء داخل المخيمات ومليون لاجيء خارجها، وفي الأردن هناك مليونان ونصف المليون لاجيء، وفي لبنان يوجد نصف مليون لاجيء، وفي سوريا نصف مليون لاجيء أيضا.

وعن الصعوبات التي يعانيها اللاجئون الفلسطينيون وسكان المخيمات، يؤكد أبو كشك أن سكان المخيمات يعتبرون الفئة الأكثر فقرا في المجتمع الفلسطيني، حيث تشير إحصائيات جهاز الإحصاء المركزي إلى وجود فجوة كبيرة في نسب الفقر والبطالة بين أبناء المخيمات وغيرهم.

كما زادت أزمة تفشي وباء كورونا من أعداد الفقراء في المخيمات وغيرها من المناطق، لكن سكان المخيمات يعتبرون الأكثر تضررا من ذلك بسبب عدم وجود مصادر دخل مساعدة لهم مثل الأراضي الزراعية وغيرها، حيث تشير إحصائيات وكالة الغوث إلى أن أعداد الفقراء تضاعفت ثلاث مرات داخل المخيمات.

وأضاف أن ما يزيد من صعوبة أوضاع اللاجئين داخل المخيمات التقليص في الخدمات المقدمة من قبل وكالة الغوث، حيث تعاني من تراجع في مستوى تمويلها بسبب سياسة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية الرامية لتجفيف منابع تمويلها.

وأوضح أن وكالة الغوث تعاني من أزمات مالية خلال السنوات الماضية، لكن خلال العام الحالي بدأت أزمتها مبكرا بسبب ظروف تفشي وباء كورونا، مؤكدا أن الوكالة قدمت نداء عاجلا للحصول على 93 مليون دولار بشكل عاجل، لكنها لم تحصل إلا على القليل، فجميع دول العالم تعاني تراجعا اقتصاديا كبيرا هذا العام، وكل ذلك ينعكس سلبا على سكان المخيمات من الناحية الاقتصادية والتعليمية والصحية.

الاخبار العاجلة