ذكريات مهجرة

17 مايو 2020آخر تحديث :
ذكريات مهجرة

معن الريماوي

يتنقل إبراهيم متخ (84 عاما) في كل زيارة له بين شوارع وأرجاء قريته المهجرة، وله في كل مكان ذكريات جميلة لم يمحها الزمن، أو يغيُر معالمها، حتى وإن اصطفت حجارة مكان أخرى.

ويردد “هنا كان بيتنا، وهنا ملاعب الطفولة واجتماع العائلة والسهرات، وهناك كنا نذهب للزراعة”.

لا تزال ذاكرة الحاج متخ الذي يعيش في مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة، تعج بالتفاصيل الجميلة عن قريته ساريس (15 كم عن القدس)، فتجده يتحدث عن الغابات في القرية، واللعب واللهو، وعن العادات والتقاليد والأعراس، فقد عاش فيها 12 عاما، قبل نكبة عام 1948.

في ذلك العام، دمر الاحتلال الإسرائيلي القرية بالكامل والتي تبلغ مساحتها أكثر من 10 آلاف دونم، وأقاموا في العام نفسه مستوطنة “شوريش” في الجهة الجنوبية، وبعد عامين أقاموا مستوطنة “شوئيفا” بجانبها.

يقول متخ “زرت القرية أكثر من 50 مرة، وكانت أول زيارة لي في العام 1970، حينها صدمت لهول المنظر، حيث دُمرت واختفت معالمها، وأقيمت عمارات ومستوطنات مكانها، وبكيت بحرقة على ما آلت اليه الأوضاع”.

ويتابع “الاحتلال سرق الأراضي وسلب المدن والقرى، وهجر أهلها، واستبدل آخرين مكاننا، وهو يحاول أن يزور التاريخ ويفرض علينا واقعا جديدا، وأن يسلبنا ذاكرتنا حتى، لكن أنا لا أكترث بكل هذه الأمور، فالقرية هي ذاتها بالنسبة لي، وأراها كما هي قبل عام 1948 بكل تفاصيلها”.

“كانت القرية تمتاز بالغابات المحيطة بها والتي تضيف روعة للمشهد، إضافة للبساتين وزراعة العنب والحبوب والمواشي، وأتذكر ذهابنا للزراعة والحصيد، حيث كان والدي يعمل في الأرض طوال اليوم، ونأكل ونعيش من خيرها” يضيف متخ.

ويسرد “كان في القرية معصرتا زيتون، و7 كسارات حجارة، وكانت كل القرى المجاورة تأتي للعمل في الكسارات”.

ويضيف “بالنسبة للعادات في القرية، كانت جميلة وبسيطة جدا، ففي وقت العرس تجد أهل البلد بلا استثناء تشارك، وتساعد العريس في تجهيز وترتيب بيته، وأعمال التزيين، وإذا توجه شخص لحراثة أرضه تجد من يساعده، في كل المناسبات تراهم متعاضدين ومتحابين”.

ويتابع “كنا نلعب ونتسابق كل يوم، وإذا حل الغروب أعود للمنزل، وكنت أمر عن مقبرة القرية قبل وصولي، وهنا لا أنسى كيف كنت أضع يدي على وجهي من شدة الخوف وأفر هاربا من القصص والراويات التي كنا نسمعها سابقا”.

“عشت في القرية 12 سنة تقريبا، ولم أرَ في حياتي أحلى من هذه الفترة، ولو خيروني بين العيش في باريس، وبين ساريس، فأنا مستعد للعيش تحت شجر القرية العمر كله” يقول متخ.

ويتابع: “أزور القرية كلما سنحت لي الفرصة، وأمكث فيها حتى الغروب، وعند العودة أحدث الجميع عن القرية، وجمالها ونقاء هوائها وترابها.. وأتمنى أن تعود ساريس قبل موتي، حتى لو مكثت فيها يوما واحدا أو ساعة”.

الاخبار العاجلة