شمس.. غروب مبكر للطفولة

2 يونيو 2020آخر تحديث :
شمس.. غروب مبكر للطفولة
جاءت شمس على عجل تستقبل المعزين وهي تمسك بيدها اليمنى شقيقتها لينا (خمس سنوات)، وتساعد بيدها الأخرى شقيقها معاذ (ثلاث سنوات) في الجلوس على كرسي ركن في صدر صفوف من الكراسي المرصوصة.

تأخر مجد الذي يبلغ من العمر عامين عن اللحاق بأشقائه، قلقت عليه شمس ونبهت عمها إياد بأن شقيقها كان يلحق بهم، حينها وجدوه يجر عربة وضع عليها بعضا من ألعاب أحضرها له والده يوم العيد.

“هذه اللعبة اشتراها والدي له يوم العيد”، قالت شمس بينما تشير إلى العربة التي يجرها شقيقها معاذ وهو يقترب من موقع المعزين.

اعتذرت شمس عن عدم قدوم شقيقها الأصغر محمد الذي لم يبلغ بعد الأربعة أشهر، كونها تخشى عليه من الإصابة بالمرض بسبب شدة الرياح في موقع العزاء.

أُرغمت شمس على تحمل المسؤولية فجأة، فالطفلة التي لم تتجاوز سبع سنوات أصبحت تأخذ دور الكبار في الحفاظ على أشقائها بعد الغياب الأبدي لوالدها.

حُرم هؤلاء الأطفال من والدهم فادي سمارة قُعد (39 عاما) من قرية أبو قش شمال مدينة رام الله يوم الجمعة الماضية، عندما انزلقت مركبته في طريق ملتوية بمنطقة واد ريا قرب قرية النبي صالح شمال غرب رام الله، بعد أن أطلق جنود الاحتلال الاسرائيلي النار اتجاه مركبته التي اصطدمت بمقعد خشبي، وترك ينزف عدة ساعات حتى فارق الحياة.

يبرر الاحتلال جرائمه عادة بتلفيق التهم بحق ضحاياه، وفي هذه الجريمة زعم بأن الشهيد فادي حاول دهس جنود كانوا بالمنطقة، إلا أن تضاريس المنطقة تؤكد أنه تفاجأ بوجود الجنود، وما حدث معه ناتج ربما عن ارتباكه، حيث إن الموقع الذي استشهد فيه يأتي بعد طريق متعرجة.

قرر فادي بعد تفشي فيروس كورونا، أي منذ أكثر من ثلاثة أشهر الجلوس في البيت وعدم العودة مجددا إلى العمل داخل أراضي العام 48، إلا بعد انقضاء هذه الجائحة، التزاما بالتعليمات والتدابير الصحية، وكي لا ينقل المرض إلى أطفاله وعائلته.

أرسل فادي زوجته وأطفاله إلى بيت جدهم في قرية الزاوية غرب محافظة سلفيت، حتى يقضوا ثلاثة أيام هناك، على أن يذهب لجلبهم يوم الجمعة.

أدى فادي صلاة الجمعة في مسجد القرية، وتوجه إلى بيت صهره في الزاوية لإحضار عائلته، إلا أنه أعدم في طريقه إليهم، واحتجز جثمانه حتى اليوم.

اتصل ضابط في مخابرات الاحتلال بشقيق فادي وأبلغه بضرورة الحضور عند حاجز نعلين، وهناك احتجز لساعتين وأبلغه بأن تسليم الجثمان قد يتم خلال ساعتين أو يومين أو شهرين أو حتى سنتين..

قاطعت شمس حديث عمها إياد الذي كان يبين لنا ظروف إعدام شقيقه، وقالت: “بابا حرمونا منه.. الله يهدهم مجرمين”.

تحلم هذه الطفلة التي تلتحق بالصف الثاني الابتدائي في العام الدراسي المقبل بأن تصبح طبيبة وتعالج المرضى، هكذا كان يرغب والدها، حتى أنه يناديها بـ”الدكتورة شمس”، فيما ينادي لينا بـ”المس” حيث تحلم بأن تصبح معلمة.

“أصبح الحمل ثقيلا”، يقول إياد وهو يحتضن معاذ طفل شقيقه الشهيد، ويتساءل كيف سيشد عودهم دون وجود عامود البيت، لكنه يعود ليؤكد أن أطفال فادي سيكونون بمقام أبنائه.

ومع احتجاز جثمان الشهيد فادي، ارتفع عدد الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى سلطات الاحتلال إلى 62 جثمانا، أقدمهم الشهيد عبد الحميد أبو سرور المحتجز جثمانه منذ الثامن عشر من نيسان/ أبريل عام 2016.

الاخبار العاجلة