في فيلم “Relic” للمخرجة نتالي جيمس.. الكشف عن جوانب مظلمة في حياة المسنين

14 أغسطس 2020آخر تحديث :
في فيلم “Relic” للمخرجة نتالي جيمس.. الكشف عن جوانب مظلمة في حياة المسنين

كشف المخرجة الأسترالية نتالي إريكا جيمس عن جوانب مظلمة في حياة الآباء المسنين، جراء تعرضهم للإهمال من قبل الأبناء، بطرح مكتنز بالتفاصيل الدقيقة، في فيلم Relic المنتج مؤخرا.

داخل الفيلم الممتلئ بالأسئلة الصادمة حول حياة كبار السن، تتعرى كذبة الإنسان الكبرى، عن قيمة الحياة بمجملها. فما يعيشه المسن من خوف، وعزلة عن أقرب الناس إليه، كالأبناء والإخوة، يحيل واقعه إلى مساحة ضيقة، محاطة بجدران وحشية، تقضم من جسده وذكرياته كل لحظة قطعة. ويستحيل كما يشير عنوان الفيلم إلى بقايا.

تلك السيدة العجوز (روبين نيفين) التي تختتم حياتها وحيدة، وسط بيت بارد، خال من دفء العاطفة والقرب، لا يداويها شيء، تصفي بلا رفيق يصطدم ولو صدفة بصدى صوتها، في منزلها الغريب.

يتم إبلاغ الابنة كاي (مورتمر) بفقدان والدتها منذ أيام، في منزلها، البعيد المحاط بالأحراش والسيقان القديمة، من قبل شرطي المدينة، في مشهد ظهوره قبل الأخير في الفيلم.

كاي المرأة التي تهتم بحياتها العملية، إلى حد يصل إلى الإدمان، وتقضي وقتها بوتيرة مملة. تبتعد عن الأم العجوز، بطبيعتها اللامبالية، وتنخرط في حسابات الحياة الجافة. وتكفي دلالة واحدة على إهمالها لأمها، أنها لم تسمع صوتها منذ أسابيع، فتبقى الأم العجوز تصارع أفكارها السلبية عن الموت والحياة وحيدة خائفة.

عفن على الجدران

أما منزل العجوز، فهو غريب، مترامي المساحة، ممتلئ بالتحف القديمة. فيما تتناثر مكوناته بشكل عشوائي، يتراكم الغبار فوق أثاثه، وبالإضافة إلى العفن الملتصق على جدران الغرف، يكشف الكادر عن قطع خضار متعفنة في الصحن، كرمز للحالة المتأخرة التي وصلت إليها حياة السيدة العجوز.

المنزل الواسع على العجوز، سيطر على أجوائه الرعب، حتى استحال إلى بقعة مسكونة، ليس بالأشباح، وإنما بالخوف حتى من طرقة الباب.

عزلة

وفي أكثر لحظات الفيلم إثارة، وتأثيرا، تطرح العجوز سؤالا مخيفا، يفتح الطريق أمام محاكمة شمولية للمجتمع المحيط بكل المسنين، فكأنما جاء سؤالها على هيئة الصراخ: ”أين الجميع؟“.

هذا السؤال الذي يعترض السياق التدرجي للأحداث، يمثل صفعة، في وجه المجتمع الضيق للعائلة، فهل هذه النهاية، تأتي في السياق الطبيعي لمجرى علاقات الإنسان؟ وكيف يكون الإنسان مهملا إلى حد، تستقوي عزلته عليه.

بينما أقصت الحياة هذه المُسنّة، والحياة هنا متمثلة بالجميع، خاصة الابنة والحفيدة سام، فإن المصير الذي آلت إليه، حملها لأحاسيس سلبية في كل خطى حياتها، وصراع داخلي، أوصلها للخرف، وفقدان الذكريات الجميلة مع بنتها وزوجها، بشبح الزهايمر.

مجايلة

أما مورتمر التي تمثل حلقة وصل بين جيلين متفاوتة، فما بين أمها المسنة إدنا، وبين بنتها سام (بيلا بيثكوت) تلحظ متأخرا قيمة أمها، وتعي بكامل طاقتها، أهمية أن تقيم هي وابنتها في نفس منزل إدنا العجوز لخدمتها، والحفاظ على ما تبقى من عقلها.

فما حدث مع الأم العجوز، أعاد لها عاطفة مفقودة تجاه الأشياء من حولها، حتى مع ابنتها سام، وحاولت أن تربط بين الجدة والحفيدة، كبداية جديدة.

بطء ورهبة الكاميرا

من الجانب التقني، جاءت ألوان الكادر السينمائي المتتالية طوال العرض، بألوانها الداكنة المائلة للأخضر، لتسهم في تصدير أجواء أكثر عمقا للأزمة، بنقل القلق والرهبة بينما تسير الكاميرا ببطء شديد، بين جنبات المنزل القديم. وكذلك بتسليط الضوء على جزئيات قد تبدو صغيرة، مثل العفن على الجدران، والخضار المتعفنة على الطاولة، والنوافذ المكسرة، هذه اللقطات كلها، أعطت للمشاهد رهبة، في نفس المشاهد، وعززت التعاطف مع المرأة المسنة.

شخصيات عميقة

أما فيما يتعلق بالسيناريو فذهب الكاتبان جيمس وكريستيان وايت، إلى التركيز على التفاصيل المتناهية في الصغر، وقاما برصد أصوات التناقضات داخل الشخصيات الثلاث الرئيسة في الفيلم. فبرز الحوار الداخلي للمرأة المسنة، كأن كلماتها كتبت بالعفن على الجدران، ليرى العالم أزمتها، و لتظهر مدى سخطها على الجميع من حولها، لأنهم تخلوا عنها، إلى حد إنكارها وجود ابنتها الوحيدة، ربما جاء هذا السرد داخل السيناريو في سياق ذكرياتها القديمة ومن ثم إهمالها إلى أن أصابها الخرف، لكنه كان من جانب آخر، يرسم منحنى بيانيا، لتاريخ شخصية المرأة المسنة.

المخرجة نتالي جيمس

الظهور الأول للمخرجة نتالي إريكا جيمس، والذي نجحت فيه بتقديم أدوات إخراجية ملفتة، يدلل على دراستها للقضية المتناولة بشكل متقن. فكانت تلميحات كل مشهد تطفو على السطح، بفضل رؤية عميقة من المخرجة. وعلى الرغم من بطء مجريات الأحداث، وعدم اتباع طريقة التناوب بين أكثر من فكرة داخل العمل، إلا أن الفيلم نجح في عرض إشكالية تعاني منها المجتمعات الحديثة، نظرا لانشغال الأبناء بحياتهم الخاصة على حساب الآباء المسنين.

الاخبار العاجلة